قراءة (في الزمن الفاسد) لـ”سهيل الذيب”

طاهر مهدي الهاشمي | سوريا

تقع الرواية الصادرة عام 2011 عن دار بعل في دمشق ضمن غلاف  من تصميم دار النشر نفسها في 159 صفحة من القطع المتوسط . وهي تتناول المعاناة والمكابدة الجوانية المغمورة بالعنف لعالم فقد ضوابطه واختلت ثوابته , من خلال التركيز على الشخصيات البطولية في الرواية  , وهي خليل وأبو سعد وجمال , تلك الشخصيات التي عانت كل منها بؤس زمن غاشم أرعن لا يرعوي عن توسل كل مايمكن لتبرير فساده وتعميقه وتكريسه لصالح دناءته الخاصة وانحلاله القيمي والسلوكي ,  فيها نجد الطائفية التي بدأت تستفحل , والعجز الروحي والانهيار النفسي الذين ضربا خيامهما في فسحة المكان البطل الحقيقي في الرواية وهو مدينة دمشق عبر زمنين متواليين السبعينات حيث مازالت ترفل في براءة ربيعها وما بعد الثمانينات  وقد فقدت عذوبتها فباتت أشبه  بأوراق خريف   تتقاذفها رباح الشتات .  ( وهنا لا يسعني إلّا أن أذكّر القارئ المتبصّر اللبيب بأن لا ينسى أن البلاء عام والرحمة مخصّصة , وأن التعميم المطلق غير مقبول ) , إذ يتخذ سلطة قسرية تفعل في علاقات الأشخاص فعلها من حيث طريقة تفكيرهم و مسالكم ,   .

تنتهي الرواية إلى مطلع القرن الواحد والعشرين وقد احتشدت الأحداث بإرهاصات الانهيارات والكوارث والأزمات وكل ما ينتهي إلى التدمير والخراب , هذه الأحداث التي تركت تأثيرها على نتاج المبدعين من أدباء وشعراء ,  وفتحت أمامهم طرقاً جديدة وتقنيات مبتكرة في تناولهم للحدث , غير أ ن الكاتب الروائي الأستاذ  سهيل قد اعتمد ذات الطريقة التقليدية في روايته هذه مبتدئاً بتمهيد تعريفي لبطل روايته خليل وعلاقته بورد , يتبعها بباقي الأحداث المتفرقة .

إن دمشق تظل بالنسبة إليه الوجه الأكثر التصاقاً وحميمية بذاته المتلطّعة إلى التجذّر والتمسك بمقومات وجوده , فهو لا يغادر راحلاً عنها كما فعلت حبيبته ورد التي تركته وتزوجت آخراً , كذلك نجد باقي الشخصيات ترتبط بوحدة المكان , وهي إذ تتغير حالتها المكانية تفقد هويتها وتتشتت ذاتها , كما حدث مع محمود الذي عاد من أمريكا مثقلاً بتبعثره وتطرّفه فاقداً ذاته وهويته .

أدان الكاتب الطائفية التي تسرّبت من الغرب والتي استلبت أمن وسلام النفوس وحولت المكان إلى جحيم والزمان إلى قيامة كبرى مغموسة بالدم والرعب , لقد قدّمت الرواية انكسارات وتحولات في ذاتية الإنسان ناتجة عن أوضاع فرضتها الحرب الاستنزافية , غير أنّها لم تقدم البديل , فقد خلت من الفعل المقاوم عند المثقف  ضد أشكال الاستلاب والاستنزاف والاستغلال والضياع , أيبقى المثقف الواعي والأديب الحامل لرسالة فكرية  عاجزاً عن الفعل والتغيير ؟

تعكس الرواية في رصدها لأحداث زمن ممتد على متغيرات جبرية جوانب من الوعي الاجتماعي في فتراته التاريخية الحية متمثلة في الكثير من العقائد والأفكار وأنماط الحياة في المجتمع .

وكذلك فهي تطرح أسئلة وتضع علامات استفهام حول المثقف العربي ودوره وكيفية تجسيد وعيه في تكوين وصياغة النظرة الشاملة لمجتمعه .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى