أدب

قبل أن أنسى

هوشنك أوسي – كاتب وناقد – أوستند – بلجيكا

لأنَّني جُبٌّ، كُلَّما ألقيتِ في جوفهِ أسراركِ، اتسعْ،
صِرتُ بَختكِ الممنوعُ من الصَّرفِ.
يرهبني المتطفّلون من نحاةِ الطُّرقِ والمذاهبِ المنكوبةِ.
ما أن يرونكِ تتأبّطين ذراعي، ونمشي في أزقِّةِ المدينةِ السّحيقةِ،
تسحقهم غيرتهم.
يرتعدونَ من صقيعِ نيرانِ ولههم بكِ، يتساءلون:
أتراهُ يوسفُ عادَ، واختطفَ منّا “زليخة” أعمارنا والقلوب؟
أم هو الكابوسُ الجبليُ، اجتازَ صحاري النَّدمِ،
اقتحم حصونَ شتاءاتِ السَّردِ، خلعَ بابَ قلبكِ، ودخل؟
بتواضع كبريائه، وكبرياء تواضعه، دخل.
دخلَ عليكِ بمصاحفهِ، متاحفهِ، حروبهِ، وعنادهِ الكُردي.
والكرديُّ، إن عشقَ امرأةً،
تداعت له كلِّ المصادفات والمشيئات بالسّهر والحُمّى.
بسطاءٌ سذَّجٌ، سيبقونَ عُشَّاقًا مبتدئين.
لا يعلمونَ؛ إن المجازَ صَبرَ على جنوحي وجرائمي، فانفلق،
وأنَّني صبرتُ عليه حتَّى تعتّقَ وتفتَّق.
لا يعلمونَ؛ إنَّني خيّاطُ جهاتكِ السّبع،
طبّاخُ سمواتكِ السَّبع،
كاتبُ مصاحفكِ السَّبع،
حارسُ ميتاتكِ السَّبع،
ملوِّنُ حيواتكِ السَّبع،
والدُ أبنائك السَّبع،
سائسُ رعشاتكِ السَّبع،
تشعلينَ لي أصابعكِ السَّبع، وتبقين ثلاثًا لمرورِ الغرباء.
ومع ذلك، لا امتلك منكِ شيئًا، سوى قصائدي السَّبع.
ولأنَّني جبُّ، كُلَّما ألقيتِ في قاعهِ أسراركِ السَّبع،
فاضَ العشقُ من أعينِ عتاةِ القتلةِ، مِمَّن يتشبّهونَ بالجيادِ.
موتي عزيزٌ عليهم، وحياتي عزيزةٌ على خليجكِ والياقوت.
موتي، لا يُقدَّرُ بفرحٍ المتشبّهين بالفرسان،
وحياتي لا تُقدُّرُ بذعرِ القراصنة، أسماكِ القرش، وذئابِ النّصوص.
وأنتِ تتأبّطين ذراعي، ونمشي بين شوكِ القصائدِ،
لَكمْ يفتخرُ ليلُ المدينة بنا!
ينوي قتلي حسدًا، غيلةً وغدرًا، ولا تطاوعهُ يداه.
وأنتِ تتأبَّطين ذراعي الأيسر،
يتأبطَّ الزّمنُ دخّان سجائركِ، ويرحل.
وأنتِ تتأبّطين ذراعيَ الأيمن، لا يرى العمرُ سُكارى، مثلنا.
وكم بنينا من عَداءٍ مُقبلٍ مُدبرٍ، حولنا؟!
ومشينا تحت مطرٍ مُقمرٍ، حتّى ضحكنا ضحكَ أيلين معًا.
***

صَمتُكِ أدمنَ صوتي، وصوتي أدمنَ التأمُّلَ في عينيكِ والنَّهدين.
انتهزَ البحرُ انشغالي بشؤونِ خيباتكِ والأحزان،
غافلني، واستدار نحوكِ،
صار يكاتبكِ، شاكيًا ذُلَّهُ أمامَ جبروتِ أنوثتكِ.
قال، في ما قاله:
يا دامعةَ العينين، فصيحةَ النَّهدين،
داميةَ الكفّين، زاهيةَ الفخذين،
ضاحكةَ القدمين، كفى.
ما مِن أحدٍ يُكاتبُ البحرَ، ما من أحدٍ يداويه.
ما مِن أحد يقنعهُ باقتراب موتي،
ما مِن أحدٍ يواسيه، ويداويه.
البحرُ؛ صديقي اللدود، ينافسني عليكِ،
وما من أحدٍ غيري، قادرٍ على مواراة سوءاتهِ وطيشهِ،
يرضيهِ ويراضيه، ثمَّ يرديه.
***

لا تقلقي، سأموتُ قبلكِ.
لا تحزني عليَّ أكثر ممّا ينبغي.
عيناكِ، لا تستحقّان البكاءَ على قاطع طريق، كُنتُهُ؛
دخلَ قلبكِ فجأةً، وطابَ له المكوث.
جَاهدَ كثيرًا جدًّا كيلا يَسقُطَ في جُبُّ عشقكِ، وفشل.
قاتلَ كثيرًا؛ لئلا يُقالَ عنه؛ كان نيّئ القلب رخوًا،
استسلمَ لحبِّك بسهولةٍ، وقُتلِ.
لا تقلقي، سأموتُ قبلكِ.
ستوزّعين جثّتي على ستةِ أضرحةٍ، سابعها؛ بين نهديكِ.
ستُثارُ حولي الشّائعاتُ – الحقائقُ؛ أنّني أنجبتُ منكِ سِفاحًا؛
سبعة وعول، وسبعة أيائل، سبع غزلانٍ، وسبعة أكباشٍ للنّحر.
ستعلمين بعد رحيل العمر، أنَّكِ لاحقتِ وهم أكتوبر،
وتركتِ مقاتلاً من صُلب نيسان.
مقاتلٌ عشقتهُ الجبالُ، وتعاقبت على قتلهِ الثّوراتُ، النّساءُ والثّيران.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى