تضخم الأنا في دواخلنا

رحاب يوسف | قاصة وكاتبة تربوية فلسطينية

كلنا نعاني من تضخم الكبرياء والغرور في دواخلنا، فلا مساحة خضراء بيننا وبين من نظنهم أقل منا تعليماً، ومالاً، وجمالاً، ونسباً، وتديناً، يتهاوون من أعيننا كما تتهاوى أوراق التوت في الخريف بكل يسر، ندوس على مشاعرهم، ونعاملهم معاملة صفيقة، وكأنهم ليسوا بشرا، نقصيهم بنظراتٍ حادّة كأنهم جيف، وعبءٌ علينا، نخاطبهم بجفاء، ننكروجودهم ، فيعتريهم شعورٌ مليءٌ بالأسى والبلادة، ويفقدوون شهيتهم في الحياة، فينطفئ بريقها في عيونهم.
نرى المدني يتعالى بمدنيته على القروي، والقروي يتعالى بريفيته على اللاجئ الذي لا حول له ولا قوة في ( كرت ) المؤن، نحاول تعريته من أية إشارة تشير أنه إنسان، مستخفين بوجوده وكيانه.
لماذا لا نقبل فكرة أننا متساوون كبشر، ولا فرق بيننا إلا بالتقوى؟ أهي العنصرية والقبليّة؟ أم موروثات يتاورثها الابن عن الأب أنك أنت الأفضل، وابن حسب ونسب، فيصغر الآخر في عينيه؛ ليتمادى في جرح كرامته، والتقليل من شأنه، فتهون عليه روحه.
معظمنا يشعر في قرارة نفسه أننا غير كاملين، لكننا نرفض هذا الشعور كبراً وتعالياً، دون أن نلقي نظرةً على دواخلنا نزيل العفن الذي عشّش في زواياها، ونحطم زهونا بأنفسنا وكبريائنا، فلا نرمق الفقراء والضعفاء والأمّيين بنظرات ازدراء ملتهبة تسري في أجسادهم، تجعلهم ينكمشون في ثيابهم كما القنفد، فنعذبهم تعذيباً روحيّاً بصمتٍ دون أن ننبس ببنت شفة.
وَلماذا لا نتعامل بأدب جم مع الكل؟ لماذا لا تكون نظراتنا وايماءاتنا مربتة على أكتاف من ملابسه رثة، وإن كنا نلبس ملابس الفراء؟ وعلى من لم يحصل على شهادة، وإن كنا من حملة الشهادات العليا، وعلى من عِرقه زنجي، أو إفريقيّ وإن كنا من بني عدنان، فلا جمال ولا غنىً يدوم إلى الأبد.
عندما نمتلك بين ضلوعنا قلوباً كالصوّان نعامل من هم دوننا بكل قسوة، ودون رحمة، فإن كان عاملاً أصرخ به، وأتلذذ برؤيته يكشط، ويمسح، ويُعد، ويجلي، وهو لا يستطع الوقوف على قدميه، أطلب منه ما ليس بوسعه، والأنكى من ذلك أذهب إلى المسجد أو الكعبة، أبكي أو أتباكى، ولساني يلهج: “ارحمني يا ارحم الراحمين”، وانا لا أملك جزءاً من هذه الرحمة.
بعضنا يتغذّى على تعاسة البؤساء الضعفاء، وعلى رؤيتهم كسيري النفس، غير مبتهجين، نستمتع وهم يتسولون منا نظرات الشفقة أحيانا، وأحيانا يشيحون بنظراتهم هروباً من الصورة القبيحة المنعكسة التي يرونها في مرآة وجوهنا، والتي تشي بآلاف الكلمات التي يئنّون ولا يستطيعون البوح بها، فنرضي بها غرورنا، فيشعرون أنهم ملفوظون، وضاقت بهم الدنيا بما رَحُبَت.
هل جربنا أن نشعر شعورَ مَن ننبذهم ليوم واحد؟ والمرارة التي نذيقهم إياها بتعالينا وعنصريتنا؟ لا نكلّ ولا نملّ بتلحيننا على مسامعهم نغمات ضعفهم.
يقول شمس التبريزي: ”إن القذارة الحقيقية تقبع في الداخل، أما القذارة الأخرى فتزول بغسلها، ويوجد نوع واحد من القذارة لا يمكن تطهيرها بالماء النقي، وهو لوثة الكراهية والتعصب التي تلوث الروح، نستطيع أن نطهر أجسامنا بالزهد والصيام، لكن الحب وحده هو الذي يطهر قلوبنا”.
لنتذكردائما أن المرء إذا لم يعرف كيف يحب خَلق الله بكل نقائصهم، لا يعرف كيف يُحب الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى