بين فضيلة الحكام.. وإيلاف الآثام..

 

.
ليس أضر على الخلق من تعطيل الممالك عن راع يرعاها، ووالٍ يتولاها، ورأس يقوم بأمرها، يحقق كفايتها من حفظ معايش الناس، ورفع قواعد عزهم على خير اساس، والنهوض بهم، وحفظ بيضتهم، وصَوْن حوزتهم، وتقديم عالمهم ،وتقويم شاردهم..

وبالجملة؛ سياسة الخلق بما يوافق مراد الحق مااجتهد الحاكم في سبيل ذلك وما استطاع..

فإن تهيأ لأمة ما مثل هذا الرأس؛ فقد غَنَت وأغنت، وَكَفَت واستكفت.. وباينت طرائق الضياع والانحلال، َوأقصت من طرقاتها والمعاطب والمظالم والضلال، وجانبت جُدُدَ المحن والفتن؛ الَمفضية الي الاضمحلال والزوال في الحال او المآل…
فتُوَطدُّ به أركان الهيبة، وتسمو بجده مواكب العلاء..

وان كانت الأخرى.. فالخطب الأعظم والداهية الأعم، وأبواب جهنم.. وأي خطب أعظم من ظلم وإظلام، وجور وبغى وانتقام، وهدر الدماء المعصومة. وسفع الوجوه المكرمة، وأكل أموال الناس بالباطل، وما يستتبع ذلك من ضرب أطنَاب الذل على مناكب المستضعفين، ورسم وَشْمِ الضِّعة والمسكنة على وجوه المصلحين المخلصين.. وتقديم الفَجَرة، وتأخير الكرام البررة، وحبس خيرهم عن الناس، وملاحقتهم وطردتهم، وتولى الأشرار أزِمَّة الأمور.. وإقصاء الأخيار من ساحات النور..
ولعلنا ندرك أهمية الرأس الذي تنتظم به البلاد والعباد من دقة فهم العلماء، وسيماء المخلصين من العقلاء والحكماء، في تناولهم جناب الحكام، وإجلال أمرهم، وإدراك قدر وجودهم،
يقول الفضيل بن عياض:

(لو كانت لي دعوة صالحة لصرفتها إلى الإمام)

وقد ذكر. الخلال في كتاب السنة عن إمامنا احمد بن حنبل انه كان يقول: (وإني لادعو للإمام بالتسديد والتوفيق في الليل والنهار التأييد وأرى ذلك واجبا علي) يقول ذلك- رضي الله عنه – على ماكانت عليه الخلفاء وقتها من حيف وميل، وزلل وخلل، قد نال الإمام أحمد من ويلاتهم الخطب الجليل، والشر المستطير، سجنا وجلدا وتعذيبا..
ومع ذلك؛ فإن السلك الذي به تنتظم حبات العقد؛ لتتجلى قيمته، وتُدرك فضيلته اذا انقطع.. فبانقطاعه ينتهي امر العقد، وتتشتت خرزاته وتتبعثر، تذهب لاتلوي في كل رجأ.. قد انتهى أمرها، وَرَنَق صَفْوُها و،غيض حسن بهائها، وانقضت جُلّ قيمتها..
نعم…
فحين يقوم بأمر الناس أفاك أثيم، عُتُلٍّ زنيم ، يملك من التأثير باللسان والسنَان ، ما يحقق انقياد الآخرين له ، ويُعمّق تبعيتهم الذليلة لمنطقه ؛ فإن من لوازم ذلك أنه و لابد سيوردهم المهالك،ويحملهم على العسف، ويسير بهم عكس فطرتهم التي فطرهم الله عليها ، وينكص بهم عن سبيل الحق والعدل والرشاد، إلى حيث معاطن الهلكة والخيبة والبوار ، ثم لا ينفك يسقيهم من كؤوسه تترى ، حتى يمتلئوا، فيُطبَعوا على كل ما يضاد الفِطَر، ويستدبر الأعراف ، وما زال الناس من بعدهم يتواردون كابرا عن كابر على هذا الشذوذ ، حتى يصبح فيهم خُلة معروفة، وسجية مألوفة، وعادة لا تكاد تنكر .، ولا يكاد فاعلها يُنهر أو يُزجر … ولكن إلى متى؟

إن من يسبح ضد التيار ؛ ويدور في غَير فلكه، لابد أن يصل إلى اللحظة التي تنفد فيها قوته ، وتخور عَزْمته ؛ حتى وإن بدت – ظاهرا- ماضيه ؛ لأنه يحمل الأشياء على عكس طبيعتها ، بما يعتبر شذوذا عن القاعدة .. ولا يمكن للشاذ أن يجبر القاعدة لتتحيز مساحته الضيقة أبدا ؛ ليظفر هو بمساحتها الأعمق والأعرض ..

هنا يحدث الانقطاع والانبتات ، وتلوح بوادر العودة ، لتستأنف الحياة سيرتها الأولى التي فطرها الله عليه ، ويهيئ الله من أسبابه الظاهرة و الخفية ، ما يحقق هذه العودة الحتمية ، وما يعلم جنود ربك إلا هو ….

حين علا أحدهم بجموعه الآثمة ، وحمل الناس على التنكر لكل الفضائل ، وكَرّس للتحلي بأقبح الرذائل ، وحاصر النور بجبروته وتجبره ، وأطلق في الظلام طيوره تنعق وتنقر ؛ جاءه الخلل من حيث أراد الأمل ، وداخله الهلاك والفوات من حيث يؤمل الديمومة والثبات.. فانقلب السحر على الساحر … واستحال نباته الذي غرسه بيده قتادا يعترض حلقه ، حتى أتى على حشاشته ؛ فلم يبق فيه من رمق ….
ورُميَ به في مزبلة التاريخ..
ثم استأنفت الحياة سيرها من جديد على غير مثال كئيب سابق. ..

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى