فلسطين بلغة الدستور والأمن عند رجال الإصلاح القانوني (1)

د أحمد حسين عثمان| دكتوراه المقارنات التشريعية -جامعة القاهرة
لا يحرم الباحث وهو يفتش في سجلات ودواوين رجال الإصلاح القانوني من أن يجد نظرات ثاقبة في الحديث عن زهرة المدائن وقضية القضايا القدس والأقصى وفلسطين؛ ذلك أن الإصلاح كل لا يتجزء، وإذا كانت القدس تمر في هذه الأوقات بظروف يعتصر لها القلب، ويتعسر فيها الحل، وتتفجر لها العيون أدمعا، فتلك أحداث ممتدة امتداد وجود الصهاينة ، لكنها تدخل في فترات خمول مع بقاء الجراح كما هي مندملة لم تجد ذوي المروءة لتطبيبها.

فلسطين والمصير:
لقد وعى رجال الإصلاح القانوني أن ما يحدث في فلسطين سيتحدد به مصير الأمة العربية لمرحلة تاريخية لا نعرف ما يخطط لها ، وأن ما يحدث على بساطها ليس ناتجا عن ضعف الفلسطينيين ولا عن خذلان الشعوب، ولكنه بسبب الإهمال السياسي لعروبة المجتمع ونخوة الضمير ، فلم يكن احتلال إسرائيل للضفة الغربية إلا جزءا من هزيمة مصر وسوريا والأدرن سابقا ، ثم ما لبثنا أن أضفنا إلى هذه الهزيمة العربية هزيمة الإرادة ونفي الذات ووجودها.

قضية فلسطين بين الدستور القومي والأمن الاستراتيجي
إن لكل دولة دستورها الذي يحفظ استقلالها وسلامة أراضيها ، ولظروف ما لا نعرف كيف فرضت علينا زرع فينا أن تعامل الدول العربية يجب أن يتم كما تتعامل أي دولتين لا تربطهما أدنى صلة أخرى مثل أستراليا وألبانيا ، ولاتملك دولة عربية لدولة عربية أخرى أمرا إلا من خلال العلاقات الدولية التي يمكن أن تتدخل فيها الدول الكبرى ذات أطماع السيادة وأوضاع السيطرة على العالمين، فقطر والبحرين عندما تنازعتا على جزيرة صغيرة لجأتا إلى محكمة العدل الدولية ؟!
ومع هذه النظرة الحديثة للدول العربية التي فُرض علينا أن نقبلها وفرض علينا أيضا أن تكون منطلقا للبحث والنقاش ، يوجه رجال الإصلاح القانوني سؤالين :
الأول : أليس الحفاظ على أرض الدولة يوجب عليها ألا يقوم بجوار أراضيها من دولة أخرى وضع أو موقف يتهددها وينذر بإمكان حدوث اجتياح لبعض أرأضيها أو بإمكان ضغط على إرادتها يقيد حريتها ؟!
الثاني: أليس الحفاظ على الدستور ومواثيقه واجب قانوني يجب احترامه ؟ وعلى ضوء ذلك يجب احترام ما تنص عليه الوثائق الرسمية من أن هذه الدولة جزء من الأمة العربية وأن ذلك لا يؤكد هوية شعبها فقط ولكن يؤسس التزامها بالدفاع عما هي منتمية إليه بنص وثائقها الدستورية والنظامية .
إن دولنا ينبغي أن تُحاسب دستوريا على ما تفرط فيه من ذلك كله باعتبار الحفاظ على أمنها القومي الإقليمي ، وباعتبار الذود في جماعتها الأعم .

منطق السيادة المقنع :
إن فلسطين تعد بؤرة الصراع بين الغرب والشرق، وإذا كانت الدول تنطلق من حماية حدودها الإقليمية معتبرة ما يحدث في القدس حدثا خارجيا لا شأن لنا به!!؛ فإننا بناء على هذه النظرة نطالب أمتنا بالاستقلال الذاتي ، وهو ما لم يتم ، فلا تزال الجولان محتلة في سوريا ، ولاتزال لبنان مكبلة وحتى مصر التي استردت من الإسرائليين سيناءباتفاقية عام 1979م لاتزال تعاني من آثار احتلال 5يونيه عام 1967 ، ودولة مصر لا تستطيع حتى الآن وبموجب اتفاقية عام 1979 أن تمد حمايتها العسكرية بإرادة طليقة على أرض سيناء وهذا وجه احتلال لايزال قائما ، والعجيب أن نتغافل عنه ونروج ظنا واهما أننا استرددننا أرضنا كلها، ألا إن الأرض سيادة ونحن لم نسترد سيادتنا كلها على شبه جزيرة سيناء ولا يزال في سيناء حق للإسرائليين عليها وهو ألا ندفع فيها بقواتنا المسلحة بمثل ما ندفعها عند حدود ليبيا مثلا وحدود السودان مثلا .
فمنطق السيادة الشخصي يحتم علينا أن تستمر عملية المقاومة التي لابد أن تمتد في عمق غزة تصفية وتطهيرا للداء من منابعه ومصادره ؛ انطلاقا من أن الدستور يوجب على الساسة الدفاع عن الأرض والاستقلال وسلامة المواطن وأمنه .

الانتقال إلى الشأن الداخلي المصري :
إن الحديث عن قوة مصر وحماية استقلالها ليس من باب المغازلة الذاتية لفصيل أو شخص بل هو شيء من استنهاض الذات التي يتم هضمها حين نتضاءل أمام قوة مزعومة غاشمة قائمة على خُشب مسندة .
إننا نرى كل يوم من يروج من بعض كتاب القانون الدولي أن مصر لا تستطيع أن تقطع علاقتها بإسرائيل ؛ لأن ذلك يعني إلغاء المعاهدة وإعادة مصر إلى حالة الحرب ، فمصر تستطيع أن تطرد أي سفير لأي دولة وتسطيع أن تقطع علاقاتها بأي دولة إلا دولة اسرائيل، والسؤال الآن : أليس هذا قيدا على الاستقلال وعلى الإرادة السياسية ، وأن من الواجب حماية عدم التبيعة كما يكفله لنا الدستور .
وللحديث بقية ( يتيع )

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى