أدب الهامش في الرواية المغربية رواية ” محاولة عيش،” أنموذجا

إسماعيل السخيري | المملكة المغربية

في المجتمع ظواهر عدة ومشكلات لاحصر لها، وهنا يكمن الدور الأساسي للأديب الذي يجب أن يقدم لنا أدبا واصفا ،أدبا معبرا ومعالجا إن صح التعبير ، وإذا نظرنا إلى الأدب العالمي وجدناه يعالج مواضيع عدة أهمها البؤس والعنصرية و التنمر والحرب.. ، وهذا معناه أن الأديب يكون على علم بما يجري في قاع المجتمع كعلمه بما يجري في هرم المجتمع.
ومن المعلوم أيضا أن الأدب المغربي ليس ببعيد عن الأدب العالمي فهو كذلك جعل من الهامش عنوانا له ،وفي هذا الصدد نستحضر بعفوية الأديب محمد شكري ومحمد زفزاف وغيرهم من الأدباء المغاربة الذين سبروا أغوار المجتمع وعالجوا في رواياتهم قضايا الهامش الذي أتوا منه وعاشوا فيه .
ولاشك أن محمد زفزاف من هؤلاء الكتاب الذين عبروا وعالجوا عدة جوانب مهمة في المجتمع المغربي وكان لقلمه سحر خاص ببساطته وصدق تعبيراته ،وإذا أردنا أن نلقي نظرة العابر المستعجل على أدب زفزاف اتخذنا رواية محاولة عيش دليلا وسبيلا بحيث ستقربنا أكثر من الواقع المغربي ، لأن محمد زفزاف قام بسرد وقائع تعالج قضايا المغرب الراهن ،وذلك بسرده، لقصة بطل روايته المدعو حميد، هذا الشاب الذي اختاره زفزاف ممثلا وناطقا غير رسمي باسم الشباب المغاربة الذين تربوا في مدن الصفيح والأحياء الهامشية ،حيث نجد أن حميد الطفل وجد نفسه فجأة في عالم بلا معالم ،بحيث سيجبر على العمل رغم صغر سنه بسبب أحوال أسرته الفقيرة جدا .
حميد الطفل المغربي الذي من المفروض أن يكون مكانه في المدرسة فقط ،وجد نفسه يقتنص الفرص للصعود إلى البواخر الأجنبية بالميناء كي يبيع الجرائد والسجائر إلى الأجانب متحملا عواقب ذلك من رفس وركل وسب وشتم وسقوط في المحذور والممنوع كأن يشرب ورفاقه مثلا، الخمر من صنبور الباخرة وأن يتناوبوا على سيجارة واحدة في غياب تام لرقابة الأب المنهك في شغله الشاغل وهو تدخين السجائر أيضا..، هكذا يسرد زفزاف الواقع المغربي بلا مساحيق تذكر ،مزيلا الستار عن واقع الانسان المغربي المهمش الذي يعيش في كوخه القصديري منفيا، ويتكل على ابنه الصغير كي يحضر له قوت يومه ، هذا الأب الذي سيربي أجيال المستقبل تاركا ولده يجوب الشوارع بلا رقيب ،لم يكتفي بهذا فقط بل عندما كان يأتي ولده إلى البيت ليأكل ويرتاح كان يشبعه سبا وشتما لا لشيء سوى أنه لم يجني مالا وفيرا .
محمد زفزاف يواصل التوغل في نواة الهامش في هذا المحكي، ساردا لنا تفاصيل محاولة عيش حميد، الشاب الذي وجد نفسه متوغلا في وحل الشارع محاولا الهروب من جحيم البيت ، فاستقبلته حياة الشارع برحابة ، ولأن السجائرة متوفرة وأصدقاء السوء كثر ، فلم يكلفوا حميد عناء شراء السجائر والخمر بداية الأمر ، وهذا ما أوغله أكثر في شراك الشارع فسرعان ما ازداد ارتباطه بالنزوات التي وجد لتذتها في معاشرة المومس غنو أيضا والنوم معها.. مادام الحلال صعب في المجتمع المغربي الهامشي فالحرام متاح مجانا ،هكذا اعتاد حميد على المومس غنو التي كانت تضرب وتهان يوميا لأن (مهنتها) كانت محفوفة بالمخاطر لم تجد سوى حميد الذي هرب بدوره من الاضطهاد ووجد راحته في بيتها ولا عجب أنه كان يعيش معها في البيت كزوج ،في مجتمع يحبذ النفاق ويشجع على البغي في السر ويستنكره في العلن..
ولما بدأت أم حميد تحس وتشعر بشيء ما بدأ يدور في رأس حميد الذي أصبح يبيت خارج البيت/الكوخ ، حاورت زوجها وفاتحته في موضوع زواج حميد ، وطلبت منه أن يبني له كوخا صغيرا ليكون جنبهم ،ومن أجل هذا رشى الأب المقدم وبنى كوخا لحميد الذي لا يعلم شيئا إلى حد الآن .
عندما أخبرته أمه بأمر الزواج خجل موافقا على ذلك ، رغم أن الفتاة العرجاء لم تعجبه لكن نار الشهوة أمرته بالموافقة ليفرغ مكبوتاته ،ورغم حزن غنو لما أخبرها بزواجه إلا أنها قدمت له هديه بمناسبة نكاحه هذا الذي لن يكتمل.. ،وهنا تبرز قضية انسانية يقدمها زفزاف لنا وهي رقة قلب المومسات اللائي حرمن من العيش الكريم بسبب الفقر واهمال المجتمع.
هكذا تم ترتيب الأمور لزواج حميد الذي أصبح في سن الزواج، رغم عمله الشاق حاول جمع بعض المال استعدادا للزواج ،وبسرعة البرق خططت أمه لهذا الأمر ومرت الخطبة وجاءت ليلة الزفاف، الليلة التي كان ينتظرها رفاقه من أجل أن يحدثهم عن تفاصيل ليلة الدخلة ، الدخلة لم تكتمل للأسف ، ذلك أن زوجة حميد لم تكن بكرا، بل كانت لها تجارب خارج الزواج أيضا ، غضب حميد وعلا الصراخ خارج الكوخ، وتبادلا أهل الزوجين الشتائم والرفس والركل.. ،بينما تسلل حميد خارجا وركب دراجته الهوائية ، ولم يظهر له أثر ،لأن كل محاولاته في أن يعيش قد فشلت.

هنا يضعنا محمد زفزاف موضع شك وتساؤل هل سيعود حميد إلى البيت ؟ ما مصير زوجته؟ وهل عاد مجددا إلى بيت المومس غنو حيث الحنان والدفء ؟
وأخيرا كم من حميد عندنا في مجتمعنا؟
أعتقد أن زفزاف لامس أدق تفاصيل الهامش والمهمشين في المغرب ، وعليه يمكن القول أن رواية محاولة عيش، عالجت واقعا مغربيا وعريبا بل وكونيا بلغة سهلة وسرد مشوق يجعل كل قارئ نهم ، يلتهم الرواية متفاجئ بنهاية المحكي الذي نود جميعا لو كان طويلا جدا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى