التجريب في الرواية النسوية العراقية من الهامش إلى المتن

د. فاطمة أحمد | أكاديمية وكاتبة

في كتاب “التجريب في الرواية النسوية العراقية بعد200‪3 م” للأكاديمي الدكتور سعيد حميد الكاظم، والصادر عن دار تموز للنشر نطّلع على منهج علمي حصيف يدرس تتبّع التجريب وتأسيسه وتكريسه في الروايات النسوية العراقية وفق جملة من الموضوعات التي تنحى في الدرجة الأولى إلى النقد الأدبي عامة، و النقد الثقافي على وجه الخصوص. إنه كتاب يبتعد عن المصطلحات العلميّة الجّافة، أو التي تبدو مقولبة ضمن أطر نقدية جامدة، ومن يقرأ ما بين سطور الكتاب فإنه سينتبه إلى الوعي النقدي الذي يرتكز عليه الشرح والتحليل، واللذان يمتازان بميزتين: متعة اكتشاف عوالم السرد النسوي عند مجموعة من الروائيات العراقيات أمثال: إنعام كجه كجي، وأميرة فيصل، ولطفية الدليمي وغيرهنّ، بالتوازي مع قدرة على تأكيد عناية نقدية لهذه المتعة، بحيث تنتقل من متن إلى متن، ومن تجربة إلى تجربة، محاولة أن تدخل أعماق الكتابة الروائية النسوية، التي على ما يبدو أنها أقرب إلى انسجام بين الرؤية والوعي في الموضوعات والتقنيات، والإنجاز المبني على الجهد والاستقصاء والبحث.

– احتراف الممارسة النقدية :

يحمل الكتاب قوة نقدية من حيث معرفة استعمال الأدوات والمصطلحات بذكاء في دراسة النصوص الروائية ومعرفة بنياتها الثقافية والاجتماعية بعيداً عن الحشو والعبارات المجانية، إذ ثمّة تعمّق شامل للأعمال المدروسة بكل ما تحمله من حبكة وحدث وزمن وهوية الذات، والاهتمام بالفانتازيا والغرائبية والمكان والزمان، والهامش والمتن، أضف إلى هذا أننا نعيد ترتيب العديد من معلوماتنا، في ضوء ما نقرؤه ولاسيما مايتعلق بالكتابة السردية النسوية، وكيفية تشكيل النص الروائي، وما يمكن أن يواجه هذه الكتابة من صعوبات، وما يمكن أن نعدّه من لحظات إلهامية تحصل خلال عملية التخييل الروائي، ناهيك عن المتابعة النقدية للأنساق الحاضنة للذات النسوية التي تكتب تلك النصوص السردية، وتحولاتها، وما يرتبط بنتائج وطموحات تلك النصوص، بالإضافة إلى الاطلاع على الهواجس والأسئلة الفلسفية الموجودة في الكتابة الروائية الخاصة بالأنثى العراقية.
وينطوي الكتاب أيضاً على جماليّة خاصّة لأنه يمضي بنا إلى أسرار الكتابة النسوية العراقية الحديثة والتي قرأنا أو سمعنا عنها، كما يستحضر الرؤية الأنثوية من غير أي تهميش أو إقصاء، بل على العكس يفتح الباب بكل احترام في سبيل فهم السرد النسوي للرواية ومن خلفه فهماً لخصوصية الظرف الاجتماعي- الثقافي الذي خلق هذه الرؤية الأنثوية ويعود بنا أيضاً إلى البنى الحاضنة للغتها وثقافتها وطريقة تفكيرها، والأهم من هذا كيف تشكلت الحكاية في وعي الرواية العراقية النسوية، ولاسيما بعد التحولات الكبرى التي حصلت بعد ٢٠٠٣م، وأين كتبتها؟ ومتى؟ ولأجل ماذا؟ وهذا ما يجعل من كل رواية نموذجاً حيّاً ومتميزاً عن غيره .

– الرؤية النقدية غير المبتورة:

قد جاء الكتاب في حدود ٤٦٥ صفحة، وهو يقع في أربعة فصول وتمهيد وخاتمة، بالإضافة إلى المقدمة.
يطرح الباحث الغاية من الدراسة في المقدمة، وهي السعي للإحاطة الشاملة بالرواية النسوية العراقية وتحديد ملامح التغيير والتجريب والتطور على مستوى المضمون والتقنيات الإبداعية. ويشير الباحث أيضاً إلى أهمية الدراسة من حيث قدرتها على تسليط الضوء على الحدود الخاصة بالرواية النسوية العراقيةوالإلمام بها جمالياً وفنياً.
وفي التمهيد ثمة شرح تفصيلي للتحولات المصيرية الكبرى التي أثرت قي الواقع الثقافي العراقي بعد ٩-٤-٢٠٠٣م فالمثقف العراقي عاش صدمة كبيرة حينها و”كانت تلك الصدمة أكبر من قدرته على فهم الواقع الجديد ومكانه ودوره فيه..” على حد قول الكاتب.
يهتم الفصلان الأول والثاني بالتجريب بمفهومه العام والخاص بحسب اللغة والاصطلاح والوعي والرؤية وهو بمثابة قاعدة أساسية لاختبار الفعل السردي في أعمال الروائيات العراقيات، وقراءته من منظور نقدي إذا صح القول، ولعل هذين الفصلين يمثلان الإحداثية الأولى في خلق فهم واضح حول التجريب في الرواية، ضمن خريطة نقدية، وتأملية تتصل بالكتابة النسوية. فالرواية تتصل بالأنساق الثقافية- الاجتماعية وتبدلاتها، وما ينتج عنها من إشكالات متنوعة على العديد من المجالات.
أما الفصلان الثالث والرابع فهما يرتكزان على الإحاطة التامة بالموضوعات والتقنيات بدءاً من الفنتازيا والخصوصية الجندرية للمرأة والمهمش والمضمر من مقولاتها المعرفية مروراً بالغرائبية والريبورتاج الصحافي وانتهاءً بالتشيؤ وانشطار الشخصية الروائية. لنصل إلى خاتمة الكتاب التي تحتوي على جملة من النتائج العلمية المحكمة التي تمهّد إلى خلق معايير الكتابة النسوية الروائية، وبناء عليه، فإنه يتوجه في خطابه إلى الكاتبات أو الروائيات اللواتي يتطلعن إلى كتابة عمل مميز، أو للقراء الذين تمكنت منهم متعة قراءة الرواية، ومن جهة أخرى يمكن أن نعده كتاباً نقدياً رصيناً كونه يتيح للكثير من المشتغلين بالنص السردي التعرف على المعنى العلمي الدقيق للتجريب وتفرّعاته، ولكن الأهم أنه يقدم لنا المعرفة النقدية للتجريب بصورتها الصحيحة التي تفتح باباً جديداً في ساحة النقد الأكاديمي، كونها تحتمي بالنماذج النسويّة الروائية، والفعل التحليلي المبني على التخفيف من اللغة الاصطلاحية الصارمة والإجراءات المعقدة، وبهذا فإنها ترسخ في الأذهان، وتتمكن بصورة لا يمكن أن ننساها بأي شكل من الأشكال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى