يوميات كورنيش الاسكندرية (٩)

يكتبها محمود عبد المقصود | نائب رئيس تحرير الأهرام

(حوار الغائب)

لا تقولي انه مات ..وانه أضحى رفات ..وأصبح ذكريات  ..لا تقولي يا أمى أنى حملته للتراب.. من الذي سيفتح لي الباب؟! من الذي ينشرح صدره ويمتلأ وجهه بالابتسام ؟! من الذي يضغط على يدي بحب وانسجام؟!

لا تقولي يا أمى أنى سأعود ولن أجده .. ابحثي عنه في غرفته  بين ملابسه.. ابحثي عنه في دروب الخير  الذي كان يروح فيها ويغدو.. اسألي عنه في المساجد وفوق سجاد الصلاة.. اسألي عنه  الناس الطيبين والبسطاء.. ارتقبيه يا أمى  مع أذان الفجر وهو يعلو بالدعاء.. وهو يسأل لنا الله  ..وهو يتمتم وتتحشرج في فمه الكلمات ..انتظريه يا أمى مع العائدين من الصلاة  ..

أتسمعين ندائى يا أمى ؟! ..أمى أين أنت يا أمى  ؟!

آه يا زمن الفراق  .. آه يا مفرق الأحباب ..وهازم اللذات !!

أمى .. أمى

لا ترحلى يا أمى .. لا ترحلى .. ابقي معى …

أسالك بنبع الحنان الدفين .. بلهفة طفل.. بقلب الحزين

بصرخة رضيع.. بأوجاع السنين .. بقلة حيلة .. وعجز السجين

بذل عابد .. من الساجدين

لا ترحلي

مثلك يا أمي لا يكون مع الراحلين  تحملت الآلام … ولم تتألمي

وإذا نطق الجبل … كنت تنطقين  وإذا جمع الشمس والقمر كنت تشتكين .. ومضيت عمرك كوردة الياسمين

لا ترحلي

ألمح في عيونك زهد الزاهدين .. ورغبة السفر مع المسافرين .. أجيبيني يا أمي ماذا تنوين؟ ..أضاق الألم بجسدك ولا تتكلمين؟

أقررت حقا أن ترحلي .. ويخلو العالم من أخر المتصوفين

وتصير الدنيا مأوى للكافرين .. وتمضى الحياة بلا ماء أو أكسجين

لا ترحلي

ترحلين ! فمن الذي يحتويني ويؤويني؟ .. ترحلين! فمن الذي يطعمني ويسقينى؟  .. من يقرأ القرآن في مرضى فيشفين؟

من يترقب غيابي وكأنى جنين ؟

لا ترحلي

انتظرينى يا أمي مع العائدين .. لأقبل يدك و حذاءك الثمين

أالتحف عندك بالأمان والحنين .. لأحرر معك قلبي الحزين

لأرتشف حكمتك عبرة للسنين  ..فالدنيا تقسو وعندك أنت تلين

وتجودي علي وعليك أنا ضنين  ..أتمنى الجنة وتحت قدميك تحين

لا ترحلي

لا ترحلي.. لا ترحلي .. لا ترحلي  ..فلتغرب الشمس من الشمال أو حتى اليمين ..فلتخرج الأرض زخرفها أو حتى البراكين

فليسافر الجميع للجميع.. وتبقين فهل للحياة حياة . . لوتذهبين؟

ربى

لم توسوس بأذني الشياطين  .. لم أتبع كلام …. الغاويين

لم يتزعزع .. عندي اليقين .. أنها لهفة رضيع استغاثة سجين

لأنها عندي بالعالمين  وأنت رب العالمين ..

لم تلبي ندائى ولبت نداء ربها لتلحق بأبى فى أول  مايو من عام ٢٠١٢ وتركتنى وحدي على الطرقات مرتعدا .. فمن يخمد بداخلى ندائهما ؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى