” فتافيت زرقاء ” .. نص مسرحي قصير

 حميد عقبي | باريس – اليمن

(تبدو أرضية المسرح مفروشة بقطعة قماش زرقاء تغطي الأرضية بشكل كامل، في مقدمة المسرح تظهر ثلاثة فوانيس قديمة تشع بضوء خافت، في جوانب المسرح ووسطه تظهر ستائر قماش زرقاء اللون معلقة ويبدو هبوب هواء خفيفا يجعل بعض هذه الستائر ترفرف ولكن بعضها مشدودا ومربوطا بحبال رقيقة مما يعيق حركتها، توجد عدة أشياء موزعة على المسرح (طاولة طعام صغيرة، كرسي معاق متحرك، حمالة معاطف أو علاقية) لكنها كلها مغطاة باقمشة زرقاء، في العمق يوجد دولاب ــ خزانة ملابس خشبية ــ تكون أيضا مغطاة بقماش أزرق، في الوسط تكون الممثلة الشابة ثابتة لا تتحرك ومغطاة حيث تلتف حولها قطعة قماش أزرق، تظل جامدة ولعل هذا الجمود لا يجعلنا ندرك وجودها في اللحظات الأولى. يهب الهواء من اليمين بقوة أكبر تهتز وترفرف الستائر كما تهتز الشخصية قليلاً لكنها تحاول المحافظة على وضعها، ثم يهب الهواء من اليسار بقوة أكبر فيتكرر نفس ردة الفعل، يتكرر هبوب الهواء مرة ثانية من اليمين، يسقط جسد الشخصية، تحاول النهوض، تنهض، يهب الهواء من اليسار يؤدي لسقوطها إلى جهة اليمين، هنا تنفعل الشخصية تسعى للتخلص من قطعة القماش حول جسهدها، تخوض صراعاً تؤدي رقصة تعبيرية مع (سماع ضربات طرق مطرقة على الخشب ــ يكون الصوت كأنه من داخل خزانة الملابس) بعد معاناة تتمكن الشخصية لتخليص وجها، هنا تتأمل ما يوجد حولها، تستكشف هذا العالم الذي يبدو غريباً لها.

تسرع الفتاة بالبحث عن شيء لا نفهم في البداية عن ماذا تبحث؟ تبدو حركاتها أنها تبحث عن مرآة، فهي تركض بصعوبة شديدة هنا وهناك لتتوقف أمام الستائر كمن يقف أمام مرآة، يتكرر فعلها هذا ويشغلها عن تحرير بقية جسدها فحركتها تكون صعبة ومرتبكة مع ذلك تستمر بالبحث ثم تسير إلى مقدمة المسرح، يهب الهواء من اليمين ثم اليسار، تسقط، تزحف، تتجه نحو مقدمة المسرح حيث الفوانيس الثلاثة، تصل زاحفة تقترب من الفانوس الأول، تتأمله للحظات، تتغير ملامح وجهها، تشعر بالإرتياح، تبتسم، تضحك بصوتٍ خافت، تتشجع لتلامسه، تحركه، ترفع ضوئه، تمسكه وتتجه زاحفه على مؤخرتها إلى الفانوس الثاني، تتعامل معه بشجاعة ولا تخافه، ترفع ضوئه ثم تواصل نحو الثالث لتكرر نفس الفعل. تأخذ الفوانيس الثلاثة توزعهم حولها، هنا تتخلص من القماش الملفوف حولها، ليتحرر جسدها كاملاً وتكون لابسة فستانا أزرقاً خفيفاً لكنه فضفاضاً وطويلاً وبكم طويل وتظهر حبال زرقاء تشد الفستان على خصرها.

تعود للبحث عن شيء ما لكنها هذه المرة متحررة الجسد مع ذلك تبدو حركتها مرتبكة فأحياناً تشعر بجسدها يتجمد، تسعى للتخلص من هذا بالإسراع نحو الفوانيس التي تصبح بمثابة عنصراً هاماً يمدها بالطاقة، تهمس بصوت خافت).

الفتاة: (تلفظ بالكلمة في البداية همساً خافتاً غير مفهوم لكن مع التكرار يرتفع ليصبح مفهوما) مرآة..مرآة ..مرآة.. مرآة.. مرآة.. مرآة..مرآة..مرآة..مرآة.. أريد مرآة، أريد مرآة، أريد مرآة، أريد مرآة، أريد مرآة، أريد مرآة، أريد مرآة،أريد أن أرى وجهي، أريد مرآة.. مرآة، أريد مرآة، أريد أن أرى وجهي ..أريد مرآة كي أرى وجهي.

تهذي بهذه العبارات، تخلط بينها، تخلق إيقاعاً مقلقاً ثم تعيد تحويله لنغمة فرائحية. تدور في جوانب المسرح، تحاول تحرير الستائر المربوطة، بعد جهد شاق ووصولها إلى خزانة الملابس تنجح في خلع الستارة الزرقا، تفرح لوجود مرآة طويلة ملتصقة بأحد فردات أبوابه لكن هيمنة أللون الأزرق وسيطرته تدفعها لنزع فردة الباب، تأخذها إلى مقدمة المسرح فرحة، تكون المرآة مخضبة بلون أزرق، تحاول مسحه بطرف فستانها ..بعد جهد شاق تنجح في إزالة بعض هذا اللون، تأخذ نفساً عميقاً، تنظر إلى المرآة، تدرك أن جسدها ووجها مخضب بلون أزرق…هنا تصرخ، تنهض، تركض لكن كل شيء أزرق..تعود إلى الفوانيس، تستقر، تسترخي قليلاً.

(يُسمع صوت منشار ينشر خشباً، في البداية يكون الصوت خافتاً ثم يقوى ويرتفع بالتدريج) تشعر الفتاة بالصوت منذ بدايته ولا تعرف مصدره، تبدو على وجهها ملامح الاستغراب ثم القلق تترجم هذه المشاعر بعدة حركات لرأسها إلى الأعلى تتأمل ثم توزع نظراتها بشكلٍ مرتبك ويديها لكن الوجه وتعابيره تظل المترجم الأول لردة فعلها، تحاول التحرك بجسدها المرتبك قليلاً. تحرك يديها كأنها تهش الصوت الذي يخفت قليلا ثم يعلو خالقاً إيقاعاً خاصاً كما أن مصدره يأتي من نواحي متعددة في البداية من الأعلى ثم من العمق بعدها من اليمين وبعدها اليسار ثم يأتي من عدة جهات ليخلق الاضطراب لدى الفتاة وأخيراً يأتي من كل الاتجاهات ليدخل الفتاة في دائرة الجنون وينهكها برعبه كما يشترك الضوء بومضات زرقاء تقصف جسد الفتاة وينخفض الضوء في بقية أرجاء المسرح.

تدخل الفتاة مرحلة حرجة بسبب صوت المنشار، تحاول صم أذنيها، تحاول الصرخ لكنها تعجز عن إطلاق الصرخات رغم أنها تفتح فمها ليصرخ. تهرش رأسها وجسدها، تحاول النهوض، تسقط عدة مرات، تزحف، يرتجف جسدها، تنجح في النهوض بصعوبة ويظل جسدها غير متزن. تنجح في السير حيث الستائر الزرقاء المتدلية لعلها تهرب من المؤثر الصوتي الذي يقوى حضوره .وكذا الومضات القوية الزرقاء. هنا تتورط أكثر حيث يهب الهواء من اليسار ثم اليمين فيزيدها ارتباكاً، تدخل في صراع جديد مع كل العناصر أي المؤثر الصوتي والضوء الذي يلاحقها وكذا هبوب الهواء القوي الذي يخلق حركة للستائر وتتحول الستائر لعنصرٍ فعال ليزيد من قسوة الصراع، يظل جسد الفتاة فريسة لهذه العناصر وتلتف حول جسدها بعض الستائر فتخوض صراعاً قاسياً كلما تحررت من ستارة تنجذب إلى الثانية، تدرك أن الشيء الذي سيخلصها هو ضوء الفوانيس، تشير بيدها ووجها نظرها نحو الفوانيس.

تحاول نطق كلمة فوانيس تعجز، تعيد المحاولة مرات ومرات، تبحث عن حل، تحاول تمزيق الستائر، تزحف إلى حيث الأشياء المغطاة بأقمشة زرقاء بعد صراع مرير تنجح في إزالة القماش عن كرسي متحرك الذي يستخدم لذوي الاحتياجات الخاصة وبعد مصاعب تتمكن من الصعود عليه وتحريكة للخروج من دائرة الجنون لتقترب من الفوانيس، تشعر بالراحة، يخفت الصوت بالتدريج. يتوقف هبوب الهواء، تهدأ حركة الستائر، تظل الفتاة تنظر لهذه المتغيرات، جسدها يرتعش.نسمع صوت لهثات أنفاسها.

تسود العتمة نصف المسرح الخلفي حيث الستائر والأشياء، النصف الثاني حيث مكان الفتاة تسيطر عليه إضاءة زرقاء وحدها الفوانيس من يطلق ضوء مختلفاً.. يسود الصمت.. تأخذ الفتاة بعض الوقت لتتحكم في أنفاسها وجسدها المرتعش..تمر لحظات هادئة، تسير الفتاة بكرسيها قليلاً بشكلً دائري حول الفوانيس، تتحسسُّ جسدها، تحاول التخلص من فستانها الأزرق وبعد عدة محاولات تنجح بتمزيقه ويظهر فستاناً أزرق أخر تحته لكن لونه شاحباً، ترمي بالفستان الممزق في الجهة التي أصبحت معتمة.

في هذه اللحظة تكون نظراتها تائهة، تتحول لمواجهة الجمهور. تبكي، يكون بكائها في البداية ضعيفاً ومخنوقاً ثم تتمكن من البكاء بصوتٍ عالي.تبتسم فرحة لتمكنها من البكاء.تجرب أن تصرخ وفعلاً تتمكن من الصراخ.تشعر براحة لهذا الفعل، تعيد فعل ذلك مرة أخرى. تبكي ثم تصرخ.. تتغير ملامح ووجها وتتحرك بالكرسي كأننا مع رقصة تعبير بالكرسي حول وبين الفوانيس، يبدو فعلها طفوليا.تبكي، تصرخ، تضحك.تتوقف كأنها سمعت صوتاً ما..صمت تام.

الفتاة: (تبتسم تبدأ في الكلام) يبدو أن الجهة الأخرى هي البحر، ربما يكون هو، ربما يكون شيئاً آخر. لا أعرف السباحة ومن الصعب أن أجد كتاب “كيف تتعلم السباحة في خمسة أيام؟” لا أملك قارباً ولا مجدافاً.لم أجرب فعل التجديف، لا أتذكر أني استخدمت هذا الفعل جدف ــ يجدف ــ تجديفاً.. لكن البحر كان كائن طيب (تصمت.. تدور عدة دورات حول نفسها ثم تستقر..تكمل حديثها) أتذكر كنت طفلة تحب البحر، جدتي كانت تحكي لي قصص البحر كلها، قصة السندباد وعلاء الدين ولص بغداد، حكت لي قصة الأميرات وعن الهدهد وملكة سبأ وشجرة الدر والفارس قطز وعنترة وقيس وليلى وألف ليلة وليلة. أهو التلوث جعل من البحر وحشاً يبتلع الأحلام؟ ماذا عن حلمي؟ كنت أنتظر فارس أحلامي يأتي من البحر على حصانه الأبيض، يحمل قلباً حنوناً ولسان شاعر. أريد أن أعود تلك الطفلة المغرمة بالبحر وحكاياته، صاحبة الخيال، أريد أن اركض في الحقول..يتسخ فستاني بالطين، يزين شعري الياسمين (تحدث مشكلة في الضوء، ينطفئ الضوء في الجهة التي توجد فيها الفتاة، عدا ضوء الفوانيس التي تصدر وهجاً خافتاً)

صمت تام

يدوي صوت الرعد، ثم صوت هطول المطر. تعود الإضاءة لكن في النصف حيث الفتاة على كرسيها، يستمر صوت هطول المطر لكنه يتقطع، مرة يكون قوياً ثم يضعف وهكذا يخلق حالة مرتبكة وإيقاعاً مقلقاً.في هذه الجو يزداد شعور الفتاة بالبرد ــ تترجم هذا الشعور بحركات عديدة ليديها ــ يرتجف جسدها تصدر أنيناً وتقطع أنفاسها، تمر لحظات صعبة ثم تحاول التماسك، تشير بيدها اليمنى نحو الفوانيس وتقبض باليسرى كرسيها، تحاول تحريك الكرسي لكنها تعجز، تصاب بحالة جمود، تحرك رأسها، توزع نظرات تائهة.

الفتاة: (تحاول الحديث تتمكن بصعوبة ويكون صوتها مرتعشاً) المطر، المطر، المطر، المطر، المطر، المطر أتمنى أن تمطر بغزارة لتغسل هذه الزرقة القاسية.. نعم احتاج لرؤية بقية الألوان كلها.. أتذكرها كلها حتى الأسود والرمادي والألوان الغامقة لها جمالياتها ونحتاجها لنشعر بالفرح.. هيا أيها المطر تعال..لتهطل لغسل جسدي.. أود التخلص من قسوة الأزرق (يخفت صوت المطر قليلاً ثم يعود لكن إيقاعه ينخفض.. تصرخ الفتاة تواصل حديثها ) أرجوك أمطر على جسدي.. جسدي بحاجة إلى الماء، الماء، الماء، الماء، الماء، الماء.. الماء هو الحياة.. الحياة هي العشب الأخضر.. الطين المبتل.. رائحة الأغصان.. رائحة الليمون والبرتقال والتفاح.. رائحة الكرز والفراولة والتين البري.. لكل فاكهة لونها ورائحتها.. أحتاج أن أشم وألمس تلك الأرواح، تلك البهجة.

يضعف صوت سقوط المطر، تصمت الفتاة، يهيمن السكون والصمت. تظل نظرات الفتاة تائهة، هنا يحدث بعض الارتباك للضوء، للحظات يغيب الضوء ثم يعود للمنطقة التي توجد فيها الفتاة.فجأة من المنطقة المظلمة تأتي كرة الطائرة لتسقط بعيداً من الفتاة التي تنتبه للكرة عند وقوعها، تبدو عليها علامات الدهشة والاستغراب، تهز الكرسي، تحاول تحريكه لتقترب من الكرة، تظل تعاني من جمود جسدها وعجزها عن الحركة.

الفتاة: (تصرخ ) من هناك، من هناك، من هناك؟ هل من أحد هنا؟ أرجوكم ساعدوني، أخرجوني من هذه الزرقة فهي تفترسني.. تفترس الروح..ساعدوني. ليساعدني أحدكم لرؤية لون مختلف.

بعد لحظات من صمتها تسمع صدى صوتها يردد ما قالته. يزداد توترها وقلقها، يحدث ارتباكاً للضوء تظل بقعة ضوئية زرقاء صغيرة مسلطة على الكرة، تمر اللحظات، يزداد التوتر.

يعود الضوء للمنطقة حيث توجد الفتاة ويظل الجزء الآخر مظلماً، لكن فجأة نرى طفل (9 سنوات تقريباً) يكون في هيئة غريبة بملابس زرقاء ومعطفه أزرق ممزق، ملابسه كلها مبتلة وما يزال الماء يقطر منها،يمسك بيده سطل ماء لكنه يبدو مخروماً يسيل منه الماء، يقف الطفل في الجانب الأيسر من المسرح، يتحرك بخطوات بطيئة ليصل لوسط المسرح.

في بداية ظهور الطفل وحركته يخفي وجهه عن الفتاة والجمهور ويسير متحاشياً إظهار وجهه ويكون ظهره للجمهور كما أنه لا يأبه بنداء الفتاة وتوسلاتها، عند وصوله لوسط المسرح يظل ثابتاً في مكانه لبعض الوقت.

الفتاة: (تناديه) أنت أيها الطفل الجميل، أقترب..لا تخف أنا لست شريرة، أنا سجينة هنا لا أدري كيف حدث هذا؟ لا أدري زماني ولا مكاني.. يخنقني الأزرق القاسي.. هل يوجد قريب من هنا البحر؟.. كيف هي الحقول والغابات وأهازيج الريف؟ هل شاهدت الألوان الأخرى حية؟.. أقترب.. ساعدني..أرجوك، أخبرني.. أعطني بعض الماء.. رشه على وجهي وجسدي الماء سيمسح ويكنس هذه الوحشة.. أعطني بعضه.. أرجوك.

يظل الطفل متجاهلاً الفتاة التي ما تزال عاجزة عن الحركة. يضع الطفل سطل الماء على أرضية المسرح حيث يقف، ثم يدور حوله، يقفز فوق الماء الذي سال على الأرضية المغطاة بقماش أزرق، يستمتع بلهوه ، تظل الفتاة مندهشة ومشاهدة لما يفعل كأنها تعيش حلم اليقظة.

يتحرك الطفل وهو يركض إلى جهة الفوانيس، يجلس للحظات مستمتعاً بالدفء ثم يعود يقفز ويرقص ويظل غير مهتم بالفتاة، يلمح الكرة، يتجه نحوها، يلعب بها في أرجاء المسرح ويظل يخفي وجهه عن الجمهور معطياً لهم ظهره، تظل الفتاة تتابعه بنظراتها، تشير إليه أن يقترب أحياناً وتصفق له بعض الأحيان أو تظل متفرجة حتى لا ينشغل الجمهور بحركتها، يكون الحضور القوي للطفل الذي يتصرف بعفوية رغم حالته البائسة.

هنا يدخل رجل في الأربعينات يحمل على ظهره صندوق مطلي بلون أزرق

الرجل: (يسير منادياً) صندوق الدنيا..صندوق العجائب.. حكايات علي بابا والأربعين حرامي..حكايات المارد والأميرة المسحورة.. تعالوا يا أولاد.. الفرجة بنصف ريال.. الحاضر يعلم الغايب.

يستمر الرجل بالنداء وهو يصفق ويكون يحمل بيده دفاً صغيراً يضرب عليه ويحوم في المكان ولا ينتبه للفتاة التي تزيد دهشتها وتقتنع أنها ربما تعيش حلماً

الفتاة: (تهمس) هذا مجرد حلم.. مجرد وهم لا أحد يراني..لا أحد يسمعني.

تظل كمتفرجة، يركض الطفل إلى جهة الرجل الذي يرحب به ثم يشير إليه بالذهاب معه، هنا يركض الطفل ليأخذ الكرة، يتجه نحو الفتاة ليضع الكرة بقربها، يسرع للحاق بالرجل الذي سبقه وغادر المسرح.

تحاول التحرك واللحاق بهم، تعجز، تظل في حالة جمود وشلل تام، تنظر إلى الكرة بقربها، تبذل جهداً كبيراً وبعد محاولات عديدة تقدر تحريك رجلها اليمنى، يظهر بعض الفرح على وجهها، تحول تحريك الكرسي وفعلا تنجح، هنا تحرك رجلها لتركل الكرة وبعد عدة محاولات تنجح في ذلك وتكون المفاجأة أنها تستعيد الكثير من عافيتها بعد تحريك الكرة، تكون غير مصدقة أنها تستعيد التحكم بجسدها لكنها تظل كالمقيدة في الكرسي المتحرك، تود أن تختبر مقدرتها على الضحك والبكاء والصراخ، تكون خائفة، تتشجع وتجرب الضحك، تحرك فمها دون أن يصدر منه صوت، تعيد المحاولة ويكون الصوت ضعيفاً، تكرر المحاولة وتنجح فتضحك ثم تبكي ثم تصرخ وتعيد تكرار ذلك فيكون صوتها قوياً وهنا تشعر بقدرتها على تحريك الكرسي، تحركه إلى جهة الكرة، تركل الكرة إلى الجهة المظلمة وبعد لحظات تعود الكرة إليها ولكن بعيدة قليلاً، تعيد السير إلى مكان الكرة وركلها وهي تمرن نفسها على الضحك والبكاء والصراخ.

الفتاة: (تتحدث وهي تمارس لعبة ركل الكرة)أريد أن أعود تلك الطفلة التي تركض في حقول الزهور بفرح وليس في حقول الألغام بخوف..أيها الموت صاحب هذا الوجه الأزرق تبدو كالمهرج الفاشل، ترقص وأنت ثملاً فتدوس ما ينبغي له الحياة، تبدو خيارات الخاطئة لا تنتهي ويبدو أنك تدمن الفشل والحماقة معا…وماذا بعد كل هذا الخراب؟ أصبحت لديك سمعة أسطورية مرعبة وسيئة أصبحت كهلاً وفقدت صوبك (تصمت للحظات، تتوقف، تظل جامدة، تسمع طرقاً قوياً وصوت المنشار، تستمع للصوت بتمعن وتحرك رأسها باحثة عن مصدرة، يتوقف الصوت، هنا تثور وتصرخ ثم تحرر جسدها من الفستان الأزرق، تمزقه وتتحرر من الكرسي، تسقط على الأرض ويظهر تي شيرت أزرق وسروال ضاغط إلى الركبة باللون الأزرق الباهت، تضحك) الجميع يستحق الحياة والعيش بسلام.. نريد القليل من السعادة .. أن تعود بقية الألوان.. أين الموسيقى؟..أين الفرح؟ سأرقص ..نعم سأرقص.

هنا تهبط ستارة زرقاء لتحجب مقدمة المسرح ثم تسود العتمة حيث توجد الفتاة، يسقط ضوء أزرق خفيف خارج الستارة الزرقاء الثانية، تقوم الفتاة بأخذ الكرة تضرب بالكرة على أرضية المسرح لبعض الوقت لتخلق إيقاعا صوتيا خاصا، تتحرك في محيطها دون تجاوز الستارة الزرقاء الأولي، يهب الهواء فتتحرك الستائر، تظل الرؤية مشوشة مع وجود اضطراب في الضوء خارج الستارة الثانية ثم نغوص في عتمة تامة للحظات مع استمرار الفتاة في فعلها وهنا يعود صوت المطرقة والمنشار الذي يتحد مع ما يصدر من صوت ناتج عن الضرب بالكرة.

تقوم الفتاة بتمزيق الستارة الزرقاء الثانية، تلتف الستارة على جسدها، تبذل جهداً للتخلص منها، يعود الضوء للمنطقة التي توجد فيها الفتاة، تبحث الفتاة عن الكرة، تجدها، تمسكها برفق، تتقدم إلى مقدمة المسرح، تجمع حولها الفوانيس الثلاثة، تتعامل مع الكرة كأنها كرة كريستال وتحدق فيها ثم تنفخ فيها لمرات عديدة، تتحسسّها، تحاول الإنصات لها، فجأة تأخذ الكرة وتقذف بها إلى الجمهور.

الفتاة: (تهذي) مرت قافلة السراب دون أن تترك خيالات النجاة.. الخريف يخلف وعده ولا يحمل لنا الأصفر.. السماء ملبدة بالأزرق.. ماذا يحدث هنا؟ما الحل؟..ما الحل؟..ما الحل؟..ما الحل؟..ما الحل؟..ما الحل؟..ما الحل؟..ما الحل؟

تتوقف عن الكلام، تتجمد بمكانها للحظات ثم تركض في جوانب المسرح، تعود للوسط، تتقدم نحو الستارة التي تحجب النصف الثاني المظلم، تحاول اسقاطة، تخوض صراعاً ثم تسقط الستارة، يغمر الضوء الأزرق المسرح بكاملة، تلتف الستارة على جسدها، تخوض مجدداً صراعاً لتحرير جسدها، تصاب بالإعياء ، تصمد، تتخلص من الستارة، تجرها وتقذف بها خارج المسرح. تتحرك إلى العمق حيث الطاولة، تزيل الستارة التي تغطيها، تجد صندوقاً خشبياً صغير، تحمله، يهب الهواء، ترفرف الستائر الخفيف، ترتبك الفتاة، تخوض صراعاً جديداً وتبذل جهداً للمحافظة على الصندوق، تنجح في تمزيق بعض الستائر، تلتف ستارة حول جسدها، تركض إلى مقدمة المسرح، تفتح الصندوق، تجد فيه علب صغيرة لصابون سائل لصناعة فقاقيع الصابون وعصا الفقاعات، تفرح بهذا الاكتشاف، تباشر فتح علبة محلول الصابون وتبدأ في النفخ، تكون النيجة فقاعات زرقاء، تبحث عن علبة أخرى، تكرر الفعل، تكون النتيجة أيضا فقاعات زرقاء، تسقط من الأعلى بالونات زرقاء تثير غضبها، تجرب مع محلول الصابون مرة تلو مرة والنتيجة تظل فقاعات زرقاء، يكاد الإحباط يتسرب إليها، أو أن هذه الفقاعات تخنقها، تتنفسّ بصعوبة، تنهض، تتجول لتقترب من الجمهور أكثر وخلال سيرها تدوس البالونات الزرقاء وتفجرها كما تظل تنفخ الفقاقيع في وجه الجمهور، تستمر محاولاتها وعذباتها وبعد معاناة قاسية تنفخ فتكون الفقاعات بيضاء، تفرح، ترقص تستمر بالنفخ، تعود للصندوق تحمل بقية المحاليل لتجرب وتحصل على فقاعات صفراء وحمراء وخضراء، تستمتع باللعبة، تضحك، تبكي، تصرخ لكنها ترهق، تضعف، تسقط على الأرض، تنسكب المحاليل، تتنفسّ بصعوبة، هنا تتغير الإضاءة ونرى قصفا ضوئيا لعدة ألوان وغياب الأزرق.

النهايــــــــــــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى