أدب

زَمنُ التّهاوي

شعر: الشاذلي دمق

(.. قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي اُلْأَرْضِ قَالُوا أَلْمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا..) صدق الله العظيم.. الآية ٩٧ من سورة النساء

لقد عشتُ في هذا الوطن ، وشهدتُ فيه كلّ مواسم المِنَن. واليوم، أدركتُ فيه زمنا غير الزّمن “زمن التّداعي والتّهاوي” حتّى وافاني الضّجر. فعبّرتُ عنه بهذا العبث النّضيد وأنا أرصُد في الآية الكريمة هذا الصّدى في نفسي، الّذي هزّني و خَلْخل قناعاتي القديمة برفض فكرة الهجرة الّتي تنتاب أبنائي وجيلَ الأزمات.. ولستُ أدري إن كنتُ مُحقّا الآن أم سيكذّبُ الزّمن تَبرُّمي و يفنّد نَزَقي. فإلى ذلك الحين  هذا هو الآن.

ثَلْجٌ
مِدادُكَ يَراعِي
والكلام ضنِينٌ
يأْبَى أيّ انصياعِ

في زحمة الفوضويّات
يَتوه نَظْمي ،
و بلا معنى
يَغِيم في الأسماعِ …

نشيجي ..
هَمْسي و أنيني ،
ليس له داعِ

شَكْوايَ الآن
في كَفَن العدم
فسيّان سكوتي ..
سيّان إصداعي ..

أنا لست بخير ..
ما عادت قصائدي سامقة ،
ولا ينابيعي دافقة
لِغُرْبة الأوجاعِ

هنا جليد الصّدِّ
يزحف على عمري
و يكتسح أضلاعي..

رياضُ القلب ..
يُغشّيها الدّمع ،
و الحُبّ
رمادُ الجمر تحت ذراعي ..

شَجَنِي سَرْمديٌّ ..
مليءٌ بالذّهول
و الضّباب ،
و لا أحد به واعِ

كالجَنْدل أرسو بين أحيائي
وفي غَوْري
تغتالني أصداء ألْفِ ناعِ

يتهاوى الطّينُ فيّ
و الرّوح تأبى اعتلائي

شَهِدَ ربيعي كلَّ مواسم المِنَنْ ..
لكن الزّمنْ ،
و بالذات في هذا الوطنْ
تكتنفه الآن الفِتنْ
تسكنه المِحنْ
تغمره الإِحَنْ .
سُدًى
و عبثٌ هذا
صِراعي

ألِكَيْ يبقى طِينُ الوطن ،
يَرُوم من أمانيه اِنتزاعي ؟ !

لِمَ لا نحيا سويّا ؟
الطّين والمدى ،
الصّوت و الصّدى ،
الرّعيّة و ظِلالُ الرّاعي .

هذا الوطن
صار انتماءً بلا رَويّة ..
و لِواءً مجهولَ الهويّة ..
فحتّى متى عنيدةٌ
فيه أحلامي ؟
و إلى متى غريبة لديه أشياعي ؟

يا أدِيمًا
كم فيك يُكابد ابنُ الثَّرَى !
و كم يُعاني !
يا شاحب الآمال
النّفسُ فيك مسيّجة بالضّياعِ

ليس في دربكَ
إلاّ نُضُوب الأماني
و موت
الأغاني
و ليلُك الحَالك
تخبو فيه جُلٌّ المساعي ..

كم أسِنْتَ يا وطنْ
فاقترفتَ غَدْر السِّباعِ
حليفا صرتَ لِقُبْح الزّمنْ
حتّى أصبحتَ همّي و صُداعي

ألم تَكْفِكَ مُؤَنُ الصّبر منّي
حتّى اِكتَمَلتْ منك المؤامرة على شراعي؟

أما كانت تكفيني منك
مغاليق الصّدِّ في أبوابي ؟

كيف أُصدّقُ
أنّك أنت من تواطأ على حرفي و لساني ..
و لم تُقدّرْ صِدقي ،
و لم تراعِ ؟

حتّى النّاسكُ فيّ
تَنكَّر لطقوسه في معابد الرّحمانِ
و باحةِ الوجدانِ .
مُرعب و مخيف أنت يا وطني ،
و عنيد ..
تصادِر الخشوع في حرم
التّوحيد
وتُنكِّس الأرواحَ بالويل و التّداعي

فلا حَيَّ عَلَى ..
و لا حَيًّ عَلَى ..
و أطيارُ النَّورس تفرّ من بِقاعٍ لبقاعِ

لِعِلْمكَ ، و مرّة أخرى ،
أنا لستُ بخير …
يُخاتلني الرَّدى فيك يا موطنا
فيفسد عليّ كلَّ شيء ،
رغم عشقي لك للنُّخاع .

لا تَثْريب .. أرضَنا الأبيّة
ولا عَتَبْ ..
نحن نعرف من كان السّبَبْ !..
البائدون و الدّائبون ،
و مَن على مصاريع العَرش ،
و حظّ الصّعود ينتظرون ..
و الواهمون أنّهم آبدون ..
جُلُّهم ثعالبٌ وضواري ..
مع القطعان يَثْغون
ثمّ يَرُوغون كالضِّباعِ

على جِلْدي لَحسوا مِلحَ مائي،
سلخوا تاريخيَ الغالي !…
وَأَدُوا الذّكرى حيالي !…
لَعَقوا الأحمر القاني وسط شرياني …!
كلّ هذا ، و لَمْ أبال

سرقوا تعبي
صادروا عمري
جَرّدوني من أوسمتي و رِقاعي

اغتصبوا سِهامي
واجتثّوا حتّى الحنين لِقلاعي

باختصار ،
وَالِينا – وحيدُ القَرْن –
ذِئبٌ في طِمْر راعِ

و جُلُّ حكّام العرب سنافر
يخشون العصافر ..
يهابون كلّ ثائر ،
و صوتَه الهادر
و يُتقنون في لحمنا غَرْز الأظافر
و لَوثة المِقصلة و النِّطاعِ

فحَنانَيْكَ .. حَنانَيْك
أبا حفص أيّها الفاروق
نَفَرَ العِزّ و اِنكسف العدل
فبَعْدك ،
أرضُ العروبة ،
لا تُنبتُ الآن إلاّ العقارب
و الأفاعي

فَأَسْرِ يا ابْنَ العمائر ،
أرضُ الله واسعة
أو فاُعرُجْ و اتركها بلا وَداعِ

قد ساء المُقام فيها
أُوصيك صِدقا
و تبًّا للنّفاق …
ثمّ تبّا للخداعِ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى