في التاريخ مواعظ.. منطق القوة العسكرية ينهار أمام العقائد الدينية

جميل السلحوت | القدس العربية المحتلة

موقف الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة من الأراضي الفلسطينية المحتلة في حرب حزيران 1967 بشكل عام، والقدس بشكل خاص، مبني على منطق القوّة، وحسب نظريتهم المعروفة ما لا تستطيع تحقيقه بالقوّة، تستطيع تحقيقه بقوّة أكبر، وهذا يعني تغييب العقل، وعدم الاتعاظ من التاريخ، فهم وإن درسوا تاريخ الصراعات والحروب بين الدّول، ودرسوا تاريخ القدس الشريف أيضا، فإنهم لا يتعظون من حكمة التاريخ ومنطق الأمور، وأبسطها أن القويّ لا يبقى قويّا إلى الأبد، تماما مثلما هو الضعيف لا يبقى ضعيفا هو الآخر إلى الأبد، فامبراطوريات انهارت، وصعدت قوى جديدة إلى الساحة الدولية لم يكن يتوقعها أحد، وأن القوّة العسكرية لم تحقق سلاما لأيّ من الدول القوية.

غير أن منطق القوة العسكرية ينهار أمام العقائد الدينية، وهذا ما لا يريد الإسرائيليون فهمه أو الاقتناع به في التعامل مع مدينة القدس العربية المحتلة، بما فيها من مقدّسات للعالمين الاسلامي والمسيحي، لذا فإنهم يمعنون في اعتداءاتهم على المقدسات الإسلامية في المدينة، وتجلى ذلك بتجريف المقابر مثل مقبرة مأمن الله -ماميللا-. ويواصلون تدنيسهم وانتهاكاتهم لحرمات المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وأحد المساجد الثلاثة التي تشدّ إليها الرّحال، ومعراج خاتم النبيين، ولم يكتفوا بمنع المصلين الفلسطينيين من أبناء الأراضي المحتلة من دخول القدس والصلاة في مساجدها وكنائسها، بل إنهم يستبيحون المسجد الأقصى، بشكل شبه يومي، كما يواصلون الحفريات تحت أساساته، ويعملون على هدمه، أو تقسيمه في أحسن الحالات لبناء ما يسمونه الهيكل، مع أنه لا يوجد اجماع يهودي على المكان الذي كان فيه الهيكل المزعوم. فالبعض منهم يؤمن بأنه لم يكن في القدس ولا حتى في حدود فلسطين التاريخية.
وقد سبق الإسرائيليون غزاة آخرون، احتلوا القدس، وقتلوا مواطنيها، ودنسوا دور عبادتها وفي مقدمتها الأقصى الشريف، فالفرنجة احتلوا القدس في العام 1099م، وقتلوا سكانها جميعهم وهم يحتمون في المسجد الأقصى، ودنسوا المسجد واستعملوا جزءا منه- المسجد المرواني – اصطبلا لخيولهم، وبنوا قلاعهم الحصينة، إلى أن جاءهم أحد أكراد الشام وهو صلاح الدين الأيوبي، وحرر المدينة منهم في العام 1187م، وليتبعه السلطان المملوكي قلاوون ويكتسح الساحل الفلسطيني محررا المنطقة من احتلال الفرنجة، وما كان صلاح الدين الأيوبي ليستطيع تجييش الجيوش لمحاربة الفرنجة لولا المسجد الأقصى الذي لا يقبل المسلمون أن يكون تحت سيادة غير سيادتهم كونه جزء من عقيدتهم.

وإذا كانت القيادات العربية قد اكتفت بشجب واستنكار الاعتداءات على المسجد الأقصى، وتهافت بعضها لطلب رضا إسرائيل وأمريكا واكتفت بوعود “الصديقة” أمريكا بإنهاء احتلال المدينة المقدسة، فإن الشعوب العربية والإسلامية لن تصبر على هذا الاحتلال إلى ما لا نهاية، وأن أيّ مسّ بالمسجد الأقصى سيشعل حروبا دينية، سيعلم مشعلوها متى ستبدأ لكن أحدا غير الله لن يعلم متى ستنتهي، لكنها بالتأكيد ستحصد أرواحا كثيرة، من كلّ أطراف الصراع، ولن ينجو من سعيرها أحد مهما كانت قوّته أو ضعفه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى