إبداع عفو الخاطر.. قراءة نقدية في قصة الكاتبة السورية مليكة الحامدي

بقلم / الأستاذة الناقدة | وفاء كمال – لبنان

أولا – القراءة النقدية

(مخاطرة ) هي قصة قصيرة للأديبة مليكة الحامدي ، لكنها توجز أحداثاً كثيرة ، وتترك الخيار للقارئ في الحكم على البطل لوقوعه في المحظور .وتظهر قسوة الإنسان في استغلال حاجة أخيه الإنسان دون الدخول في تفاصيل تلك اللعبة القذرة .فهي قصة ذات رؤية إنسانية ، مغلفة بحس تراجيدي تجاه القيم السلبية والظواهر المشينة، في عالم يحتاج إلى تطهير القيم ونقاء الضمير ، حيث يقف البطل حيالها عاجزاً عن النهي عن المنكر .

قصة جميلة تدغدغ الحواس وتجعل القارئ جزءاً من النص يتحرك مع البطل بتوجس وحذر وخوف، يخفق قلبه مع كل خطوة .وتتسم القصة بسمات سردية جمالية .دون اللجوء إلى إطالة أهداب النص وتزيين وجهه بالرتوشات والانزياحات النحوية في التقديم أو التأخير ، وقد ازداد النص جمالاً ووضوحاً بهيمنة الجمل القصيرة البسيطة البعيدة عن التعقيد ،والتي خلقت تواتراً درامياً ، استمر حتى الخاتمة .دون إدخال المتلقي في متاهات الرمز وتعقيداته .وقد احترمت القاصة مليكة مكونات القصة وخصائصها السردية بأسلوب راقٍ ، اكتفى بما هو أساسي لتحبيك العقدة ، وألغى كل ماهو غير ضروري لتسريع الأحداث .فكانت قصة سريعة ومختزلة احترمت كل مكونات القصة القصيرة بكل ماقل ودل .

لذا لابد من انحناءة لهذا النص الجميل الذي انطلق عفو الخاطر ليدخل عقولنا وقلوبنا دون استئذان .

////

ثانيا – النص القصصي: مخاطرة بقلم :  القاصة مليكة الحامدي

 لا شيء يبدو فاتناََ هناك .. كل ما حولك يوحي بفوضى عارمة، زقاق محفوفة بمخاطر شتى ، العرابدة يترصدون مرور فريسة عند كل ركن بئيس نهاية كل أزقة ، و الكلاب تنبح بلا توقف إذ إن أضواء السيارات و الدراجات النارية تبقى مشتعلة ..

صوت المومسات الضاحكات يتسلل بين وهلة و أخرى من شبابيك قديمة لا يسترها أكثر من ستارة ملونة ..

الأطفال المترهلون بثيابهم و بمنطقهم الأهوج يركضون من خلفك و من أمامك و كأنهم قد شاهدوا كائناََ من فضاء آخر ، لا يكفون عن الأسئلة : من أنت ؟ ماذا تريد ؟ عمن تبحث ؟

كانت ليلة من ليالي الشتاء “البيروتية” الهاطلة التي تدعوك لاستنكار كل ما حولك ، ليس هذا فحسب بل تكشف عجزك التام عن قدرتك على النهي عن المنكر ، فالمنكر هناك منكرات ، و الإثم آثام ، و الرجس أرجاس .. بالجملة و بالتفصيل  .. و من الجيد آنذاك أنك تشعر لأول مرة و أنت وسط ذاك الوابل من الغرائب أنك نبي ..

ما الذي جاء بي إلى هنا ؟ و كيف يعرف العم “رشاد” ذو الهيبة و النظافة و الرقي رجلاََ من رجال هذه المنطقة الموبوءة  ؟

أكملت مسيري لأتمّ مهمتي على أكمل وجه رغم ما اعتراني من شك بإصابتي فجأة بمتلازمة الرأس المنفجر ..

كانت قدماي تشتهيان أن يخترق قلبي عيار ناري يوقفهما عن متابعة طريق الهلع  ..

و لكن تجري الأقدار بما لا تشتهي القدم  ..

لا أدري كيف و متى وصلتُ باب العم “عكّاف ” كما كانوا يلقّبونه  ..

طرقتُ الباب على عجل و فتح لي على عجل و أخذني بالأحضان و راح يفرش لي بساط الترحيب على طوله و عرضه  .. لكنه أصرّ ألا أجلس أكثر من ساعة عنده ، ترجيته أن أبقى حتى الصباح ، فالطريق مرعبة و الليل موحش و العودة من جديد من تلك الأزقة غير مضمونة النتائج ..

لم يأبه لما وصفته من شعور حيال تلك المأساة .. كان ملحاحاََ لعودتي سريعاََ ..

ركبتُ موجة الشجاعة .. مجبر لا بطل  .. و قلت : هي ميتة

كيفما كانت ، عليّ أن أستعد لها  ..

كان الحِمل على كتفي كصخرة كولورادو العجيبة  ..

أسير و الثقل يسحبني للأسفل .. أسير و شيء ما يجرني للوراء

لا أدري كيف و متى أصبحت خارج الأزقة ..

أحقاََ أنا خارج الأزقة ؟  إنها أجمل لحظة حلم  .

ركبت سيارة الشوفير الأفريقي الملقب ب “غودا”.. بعد أن لوّح إليّ بيده للركوب ، يبدو أنه كان مبعوثاََ إليّ من قبل العم رشاد

لم يكن يفهم على لساني و لم أكن أفهم عليه و لذا خيّم الصمت بيننا طول المسافة ..

استقبلني العم رشاد بحفاوة ليس لها مثيل ..

أمر رجاله بأن ينزلوا من على كتفيّ الحِمل الثقيل  ..

ثم منحني من المال أكثر مما يسدّ عجزي عن إجراء عملية جراحية لابني الصغير ..

و من بعد تلك المغامرة الصغيرة تعلمت كيف أكون أكبر مغامر بتجارة الأسلحة الكبيرة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى