الطابع الدافعي للانفعالات وفقًا لنموذج تنظيم الذات (1)

إعداد | د. محمد السعيد أبو حلاوة أستاذ الصحة النفسية المشارك، كلية التربية، جامعة دمنهور

قائمة المحتويات

م العناصر الصفحات
أولاً تنظيم الذات- ماهيته وأبعاده. 
ثانيًا تنظيم الذات والهناء الانفعالي في الحياة في ضوء تنظيم الذات. 
ثالثًا النموذج العام لتنظيم الذات . 
رابعًا تنظيم الذات الانفعالية. 
خامسًا المصادر. 

أولاً- تنظيم الذات- ماهيته وأبعاده: 

حظى مفهوم تنظيم الذات باهتمام بالغ من قبل المتخصصين في العلوم النفسية, وبدأت دراسات تنظيم الذات مع ألبرت باندورا فيما بين العقدين الثامن والتاسع من القرن العشرين، وتبع ذلك توجه كثير من الباحثين إلى صياغة نظريات ونماذج لوصف وتفسير تنظيم الذات وتبين دلالاته ومضامينه التطبيقية في مجالي التعليم والتعلم والإرشاد والعلاج النفسي. 

وصيغت تعريفات كثيرة لمفهوم تنظيم الذات تدور في معظمها حول اعتباره دالة لتوجه الشخص نحو التطبيق الاستراتيجي لمجموعة من العمليات المعرفية والوجدانية والدافعية والسلوكية التي تساعده في تحقيق أهدافه.

ويوجد نوع من التداخل الدلالي بين مفهوم تنظيم الذات وعديدٍ من المفاهيم النفسية الأخرى التي تتشابه معه مثل مفاهيم: الدافعية motivation ، ضبط الذات self-control ، الوظيفة التنفيذية executive functioning، ويؤكد أيضًا على أنّ مفهوم تنظيم الذات يتضمن جوانب دافعية وما وراء معرفية metacognition بما يشتمل عليه من عمليات التخطيط والتنفيذ والمراقبة والتقييم وكلها تتعلق بما يعرف بوعي الشخص بعملياته المعرفية في سعيه لتحقيق أهدافه خاصة في سياقات التعليم والتعلم . 

وأشار كوب (1982) إلى أن تنظيم الذات “قدرة الشخص على الاستجابة لطلب ما، والمبادرة بالأنشطة وفقًا للمطالب الموقفية ومقتضيات ظروف التفاعل، وتعديل كثافة ودوام وتكرار الأفعال اللفظية والحركية في السياقات الاجتماعية والتعليمية، وتأجيل أو إرجاء إشباع الحاجات أو الأهداف وفقًا للظروف، والإتيان بسلوكيات اجتماعية إيجابية في غياب المراقبة الخارجية (Kopp, 1982: 199–200).

وأفاد (Ziv, Benita & Sofri, 2017) أن تنظيم الذات تركيب نفسي يتضمن مجموعة من السلوكيات الذاتية التي تستهدف ضبط وتنظيم الشخص لعمليات تفكيره ومشاعره وانفعالاته وسلوكياته عبر الأفعال الإرادية الشعورية، وربما عبر التوجه لضبط الذات وكف سلوكياتها وفقًا لمقتضيات الظروف ومطالب المواقف”، ويتضمن هذا التعريفات عدد من الملامح تتمثل فيما يلي: 

  • يشير إلى أن تنظيم الذات مجموعة من السلوكيات المتمايزة ولا يعبر عنه بمفهوم واحدة فقط. 
  • يركز على جانب الوعي والإدراك في تنظيم الذات ويعكس حتمية أن يكون الشخص على درجة عالية من الوعي بما يفعله. 
  • يؤكد على أن تنظيم الذات يتضمن بالضرورة كذلك قدرة الشخص على ضبط ذاته وتضييق نطاق أفعاله وتصرفاته إذا اقتضت الظروف ذلك، فيما يعرف باكتساب سلوكيات كف الذات inhibitory Self control behaviors. 

ويعد النموذج النظري الذي صاغه باري زيمرمان (2000) من أهم النماذج النظرية التي تستخدم على نطاق واسع في بحوث وصف وتفسير عمليات تنظيم الذات، ويتضمن هذه النموذج مجموعة من العمليات والمهارات التي يمكن للشخص استثمارها في قيامه بفعل تنظيم الذات، ورأى زيمرمان في سياق تعريفه لتنظيم الذات في سياق التعلم “ليس قدرة عقلية ولا مهارة أكاديمية، إنما عملية توجيه ذاتي تمكن المتعلم من تحويل قدراته العقلية إلى مهارات أكاديمية (Zemmerman, 2002: 65)

ووفقًا لهذا النموذج تمر عملية تنظيم الذات بثلاث مراحل:

  • الإعداد والتحضير Prepare ويشير إلى التفكير المسبق القائم على البصيرة والاستبصار وتمثل وتصور ما يمكن أن يحدث قبل أن نفعل أو نؤدي المهام، ويعني كذلك التدبر في تداعيات أو لواحق أفعالنا وتصرفاتنا قبل القيام بها. 
  •  التنفيذ والقيام بالفعل Take Action المبادرة بالأداء ويتضمن مت نفعله أثناء التعامل مع مهمة ما أو حدث معين. 
  •  التفكير التأملي والمراجعة Reflect التدبر فيما نفعله بعد الأداء، ومراجعة الذات للمرحلة الأولى والثانية.  

وأجرى باري زيمرمان أستاذ علم النفس التربوي البارز، أجرى بحوثًا مكثفة وكثيرة وكتب أكثر من (100) مقالاً علميًا وورقة بحثية في كيف ينظم الناس اتجاهاتهم وسلوكياتهم خاصة في مواقف التعليم والتعلم. 

لكن ماذا يعني ذلك؟ بدأ زيمرمان دراساته بتحليله وتقصيه لواقع الإنجاز الأكاديمي للمتعلمين، وتصور أن الإنجاز الأكاديمي يتوقف على قيام المتعلم بتحمل مسئولية تعلمه ووفقًا لهذا التصور بدأ في سلسلة من البحوث العلمية لكيفية تطبيق هذا التصور في ميدان الإنجاز الأكاديمي، ولا حظ باري زيمرمان في نفس الوقت وجود كثير من المتعلمين من من لا يتحملون مثل هذه المسئولية ورأى أن تحصيلهم الدراسي غالبًا ما يكون منخفضًا. 

وأعزى زيمرمان هذا الانخفاض إلى أن كثيرًا من المتعلمين لا يتم تعليمهم ما سماه “المهارات الما وراء معرفية أو الميتا-معرفية metacognitive skills   وهي مهارات بالغة الأهمية لفعالية المتعلم في السياقات الأكاديمية ومواقف التعلم بل تعد محددًا أساسيًا من محددات النجاح والإنجاز الدراسي الفائق. 

وأظهرت أعمال زيمرمان البحثية أن الإنجاز والنجاح الدراسي الفائق دالة في جزء منه لاستخدام المتعلم والمعلم لنموذج ما وراء المعرفة في توجيه عمليات التعليم والتعلم، ويتضمن هذا النموذج ما يعرف بالتخطيط، والتقييم، والتعديل للتفكير والأفعال في بيئات وسياقات التعلم، الأمر الذي جعل زيمرمان رائد ما يعرف اصطلاحًا “بنظرية التعلم المنظم ذاتيًا أو نظرية التنظيم الذاتي للتعلم self-regulated learning (SRL) theory  التي أمكن بموجبها وصف وتفسير كيف تمارس عمليات تنظيم الذات في مواقف التعليم والتعلم. 

وركز زيمرمان وزملاؤه على مدار العشرين سنة الماضية على تطبيق تنظيم الذات لحل كثيرًا من المعوقات والتحديات التي ربما تحول دون الإنجاز الأكاديمي للمتعلمين خاصة لدى طلاب المرحلة الثانوية والجامعية. 

ويحدث نموذج التعلم المنظم ذاتيًا أو التنظيم الذاتي للتعلم نوع من التكامل بين العلوم المعرفية العصبية وبحوث علم النفس لمساعدة المعلمين في إدماج المتعلمين بصورة تامة في عمليات التعلم، إيمانًا بأن اندماج المتعلم في التعلم وتحمله مسئولية تعلمه، يحسن بصورة كبيرة من أدائه الأكاديمي ويزيد بصورة دالة من معامل نجاحه وإنجازه الدراسي. 

ويتضمن نموذج التعلم المنظم ذاتيًا أو التنظيم الذاتي للتعلم سلسلة من العمليات المتفاعلة ذات الطابع الدائري للتغذية الراجعة على ثلاث مراحل: التخطيطplanning ، الممارسة planning ، والتقييم والتقويم evaluation . 

ثانيًا- تنظيم الذات والهناء الانفعالي في الحياة في ضوء تنظيم الذات:

أظهرت نتائج دراسة كثيرة وجود علاقات ارتباطية موجبة بين القدرة على تنظيم الذات وحالة حسن الحال أو طيب الوجود الانفعالي emotional well being أو الهناء الانفعالي في الحياة، ويقصد بتنظيم الذات من المنظور السلوكي “قدرة الشخص على التفاعل في الحياة في ضوء اهتمامات وأهداف طويلة المدى، وبما يتسق مع قيمه واعتقاداته، ذلك لأن  تجاهل الشخص لقيمه واعتقاداته وخروجه على مقتضياتها يرتب الشعور بالذنب والخزي والقلق وهي تقلل بصورة دالة من التنعم الانفعالي للشخص”. 

من جانب آخر يعكس تنظيم الذات على المستوى الانفعالي قدرة الشخص على تهدئة ذاته واستعادة عافيته الانفعالي وحالة استقراره واتزانه الانفعالي عند التعرض لمواقف ضاغطة أو ظروف حياتية عصيبة أو حتى شدائد وأزمات، كما يعكس قدرة الشخص كذلك على إسعاد ذاته وإضفاء جو من الابتهاج العام على حياته بغض النظر عن ظروف الحياة ومتاعبها. 

واشتقت كلمة “انفعال ” من الكلمة اللاتينية emotion وتعني حرفيًا “يحرك” وعلى ذلك اعتقد الإغريقيون أن الانفعالات تحرك سلوك الإنسان ويعبر عن ذلك في علم النفس المعاصر بأن الانفعالات ذات طابع دافعي كامن وراء نطاق واسع من السلوك. 

ووفقًا لهذا التصور ترتبط الانفعالات شعوريًا أو لا شعوريًا بثلاث صيغ للدافعية تتمثل في (Gable & Harmon-Jones, 2010):

  • دافعية الإقدام approach  motivation: ويمثل رغبة الإنسان في الحصول على المزيد، في الخبرة بالمزيد، في اكتشاف المزيد، في تعلم المزيد، ومن الانفعالات الأساسية المقترنة بهذا الدافع انفعال: الاهتمام، البهجة والفرح والاستمتاع، الرفق والرأفة، الثقة، والحب. ويعبر عن هذه الانفعالات بالإقدام أو الاقتراب من الحياة والترحيب بها بسلوكيات: التعلم، الشجاعة، الارتباط بالآخرين، التفاوض، التعاون، إسعاد الآخرين وإبهاجهم، إرشاد الآخرين ومساندتهم ووقايتهم. 
  • دافعية الإحجام avoid motivation: وتتمثل في توجه الشخص نحو الابتعاد عن …، أو تجنب كذا…، ومن السلوكيات المجسدة له: التجاهل، الرفض، الانسحاب، والاستبعاد. 
  • دافعية الاعتداء أو الهجوم attack motivation:  وتمثل رغبة الشخص وتوجهه نحو تقليل من شأن الآخرين، إهانتهم، نقدهم، إجبارهم، السيطرة عليهم، إيذائهم، احتقارهم، والاشمئزاز منهم. ويعبر عن هذا التوجه سلوكيًا بالإزعاج والمضايقة والتهديد، وإساءة المعاملة. 

ثالثًا- النموذج العام لتنظيم الذات  A General Model of Self-Regulation: 

  • تنظيم الذات- المفهوم والتصورات: 

ربما تتعامل في حياتك مع أشخاص تبدو عليهم الجدية والمثابرة والاجتهاد والعمل بتفانٍ وتركيزٍ في أي عمل يقومون به، وتراهم في حالة دائمة من النشاط والحراك الإيجابي وعدم التوقف عن العمل مهما واجهوا معوقات أو حتى تعرضوا لعثرات خاصة عندما تسوء الأمور، على الجانب الآخر قد تعرف أشخاصًا لا تنطبق عليهم مثل هذه الخصائص على الإطلاق وتراهم في حالة عامة من الجمود والتكاسل والشعور بالإحباط بسرعة عند مواجهة أي صعوبات أو معوقات. ويمكن مبدئيًا الربط بين هذه السلوك “سلوك تنظيم الذات SELF-REGULATION OF BEHAVIOR” أو “التنظيم الذاتي للسلوك”، أو “السلوك المنظم ذاتيًا”. 

ويمكن أن يعبر عن دلالات مفهوم تنظيم الذات Self-Regulation كإطار مظلي عام لإدارة الإنسان لذاته تفكيرًا وانفعالاً وسلوكًا باستخدام تعبير “الإدارة الشعورية أو الواعية للذات self-  conscious management”، وهي حالة يتعذر أن تتحقق بدون وعي الشخص بذاته ويقينه بجدارته واقتداره وفاعلية ذاته، ووعيه بطبيعة مواقف التفاعل الاجتماعي التي يتواجد فيها، ونسق القيم والمعايير الأخلاقية الناظمة لطبيعة التفاعل في مثل هذه المواقف، بل ولتصوره لصورة الذات التي يود أن يتبدى بها في عيون الآخرين هنا والآن، وصورة الذات الممكنة في المستقبل. 

ويتضمن مفهوم تنظيم الذات نسقًا شعوريًا من العمليات التي يتمكن بموجبها الشخص من توجيه أفكاره ومشاعره وسلوكياته لتحقيق أهداف معينة في سياق الظرف الاجتماعي الذي يحتويه وفي ضوء التزامه الإرادي بالتوجه نحو إثبات خصوصية الذات دون تماهي مع إكراهات المسايرة وفي نفس الوقت دون استعلاء أو تطاول.

ويشير مفهوم تنظيم الذات وفقًا لتصور أندريا إل بيل Andrea L. Bell إلى الطريقة التي نمارس بها ضبطًا على اندفاعاتنا، ويعبر عن قدرة الشخص على ضبط ذاته وترويضها والسيطرة عليها (Bell, 2016). ويسمح لنا تنظيم الذات بالاحتفاظ بقدرتنا على ضبط مشاعرنا وانفعالاتنا وسلوكياتنا وجعلها على الدوام محل مراقبة وضبط وتقييم.

وعندما يتعلم الإنسان تنظيم ذاته يتمكن بيسر وسهولة من مقاومة اندفاعاته وسلوكياته غير السوية التي يمكن أن يترتب عليها تأثيرات سلبية سواء على الذات أو على الآخرين، وبناء على ذلك فإن تنظيم الذات لا يتضمن فقط تعلم ضبط الاندفاعات الشخصية، بل يتضمن كذلك قدرتنا على أن نسعد أنفسنا وعلى أن نحقق الابتهاج لأنفسنا وللآخرين خاصة في أوقات الشدائد والمحن من خلال التعايش مع خبرات الحياة ووقائعها بتفاعل قائم على الوعي بالذات والوعي بالآخرين وفي نفس الوقت إدارة الذات وإدارة الآخرين إيجابيًا وفقًا لمتطلبات البيئة ومعايير الإيجابية، ومن هنا يأتي تصور وضعية تنظيم الذات في الإطار العام لنظرية الذكاء الوجداني بمربعاته الأربعة الناتجة عن التفاعل بين بعدي الكفاءات الخاصة بالذات والكفاءات الخاصة بالتفاعل مع الآخرين تبعًا لعمليتين نفسيتين مركزيتين في هذه النظرية هما: الإدراك القائم على التفهم Recognition، والتنظيم Regulation الهادف إلى إدارة الذات وإدارة العلاقات المتبادلة مع الآخرين.

من جانب آخر أفاد ستيورات شانكر(2012) Stuart Shanker  أن تنظيم الذات في سياق إدارة الشخص للظروف العصيبة والأحداث الضاغطة يشير إلى “الطاقة التي يستهلكها الشخص عندما يستجيب للضغوط والمشاق ثم التعافي منها”. 

وأفاد ستيوارت شانكر (2012) بناء على ذلك بأن  في نفس السياق تنظيم الذات “قدرة الطفل على التعامل مع الضواغط بفاعلية وكفاءة ومن ثم العودة إلى الخط القاعدي الأساسي لليقظة والتركيز”، ويعبر عن تنظيم الذات إجمالاً بتماوج الطفل بيسر ما بين “الاستثارة المنخفضة” وهي ضرورية للتعافي إلى “الاستثارة المرتفعة” وهي ضرورية لمجابهة التحدي، والعودة إلى اليقظة والتركيز الهادئ، بما يؤشر لما يعرف بالتنظيم الأمثل للذات”. (Shanker, 2012: 12). 

من جانب آخر يُعْرفُ تنظيم الذات بأنه “قدرة الشخص على ضبط أو إعادة توجيه اندفاعاته وحالاته المزاجية، وتنظيم وترويض انفعالاته ومشاعره خاصة الانفعالات والمشاعر السلبية”. 

وتتمثل الخصائص الأساسية لذوي المستوى المرتفع من تنظيم ـ الذات بما يلي: 

  • فضيلة التروي والتفكير التأملي والاستبصار. 
  • الاحتفاظ بالهدوء والارتياح في ظل الغموض وتقبل التغير والتجاوب الإيجابي معه. 
  • ترويض الانفعالات وضبطها وجعلها في نطاق الاستثمار الإيجابي دون أن تسيطر عليه. 
  • امتلاك زمام الذات والنزاهة أو الاستقامة كما تجسد في القدرة على قوة لا للاندفاعات والحفزات غير العقلانية. 
  •  القدرة على تأجيل أو إرجاء إشباع الحاجات والمطالب الشخصية. 

وعرف ستيورات شانكير (2014) تنظيم الذات في علاقته بتفاعلات وفاعلية الشخص في الحياة بأنه  “قدرة الشخص على إدارة حالات طاقته وانفعالاته وسلوكياته وانتباهه بطرائق مقبولة اجتماعية بما يساعده على تحقيق أهداف إيجابية مثل تكوين علاقات جيدة مع الآخرين، والتعلم، وتحقيق طيب الحياة والهناء فيها”. 

ويجدر الإشارة إلى أن تنظيم الذات في أبسط دلالاته يعني “القدرة على التجاوب الفعال مع مختلف الضواغط والعودة إلى حالة الاتزان أو التوازن النفسي مرة أخرى بعد الاختلال المؤقت فيه

وعادة ما يكون لمفهوم تنظيم الذات في سياق بيئة التعليم والتعليم مقاربة أخرى يعبر بها عن ما يعرف اصطلاحًا ب “التعلم المنظم ذاتيًا Self-regulated Learning” ويعرف بأنه “فعل استراتيجي موجه بالهدف ترشد به الدافعية والعمليات الميتامعرفية، فضلاً عن كونها عملية ممارسة المتعلم للضبط والسيطرة على تعلمه الذاتي وتقييمه الشخصي له”.

وفي نفس السياق عرفت آرلين كنسيتش (2019)  Arlin Cuncic تنظيم الذات بأنه “ضبط الشخص لسلوكه وانفعالاته وتفكيره في مسار توجهه لتحقيق أهداف طويلة الأجل في الحياة”، ويعد ما يعرف بتنظيم الذات الانفعالية emotional self-regulation بعدًا من أبعاد تنظيم الذات ويشير إلى “مقدرة الشخص على إدارة انفعالاته واندفاعاته المزعجة”، بمعنى آخر أن يفكر الشخص قبل أن يتصرف، ويعكس تنظيم الذات الانفعالية في نفس الوقت مقدرة الشخص على تهدئة الذات وإسعادها خاصة عند التعرض لمشاق أو محن أو خيبات أمل والتصرف بطريقة تتسق مع قيمه ومثله العليا”. 

ويشير مفهوم تنظيم الذات بهذا المعنى بالإنفاذ السلوكي من قبل الشخص لعمليات ضبط وإدارة ذاته في مواقف التفاعل الاجتماعي بأنساقها القيمية والمعيارية، بما يعكس دلالات إبحاره وتفاعله في هذه المواقف وفي حياته بصورة عامة انطلاقًا من ناظمين أساسيين يتمثلان: 

– الأول – السلوك الموجه بالهدف  Goal-Oriented behavior. 

– الثاني: امتلاك زمام الذات “ملكية الذات” Self-Ownership . 

وتأسيسًا على هذا التحليل يمكن تناول إسهامات أبرز علماء النفس الذي تناولوا متغير “تنظيم الذات” وصفًا وتفسيرًا وفقًا لنماذج نظرية مثبتة بالدليل على النحو التالي: 

  • ألبرت باندورا Albert Bandura : 

ركزت الدراسات البحثية التي أجراها ألبرت باندورا انطلاقًا من المنظور المعرفي -الاجتماعي على تناول كيفية اكتساب الإنسان لسلوكياته؛ الأمر الذي أدى به إلى صياغة النظرية الاجتماعية المعرفية في وصف وتفسير الشخصية، ونظرية التعلم الاجتماعي في وصف وتفسير التعلم. 

وخلص إلى الكشف عن المكونات المعرفية والسلوكية التي تعبر عن “قدرة الإنسان على ضبط سلوكه عبر عملية أطلق عليها “تنظيم الذات self-regulation”، ورأى ألبرت باندورا أن عملية تنظيم الذات تتضمن ثلاثة تكوينات نفسية أساسية: 

  • ملاحظة الذات self – observation : 

ويطلق عليها أيضًا “الاستبطانintrospection ” وهي عملية تتضمن تقييم الشخص لأفكاره ومشاعره من أجل توجيه ودفع ذاته باتجاه وضع الهدف، والتأثر في نفس الوقت بالتغييرات السلوكية. 

  • الحكم على الذات Self- judgment : 

وتتضمن هذه العملية مقارنة الشخص سلوكه بمعاييره الشخصية أو المعايير المحددة سلفًا والمتفق والمتعارف عليها. 

  • الاستجابة الذاتية أو “استجابة الذات” self response . 

وتمثل التعبير السلوكي عن دلالات ملاحظة الذات والحكم على الذات، وتبعًا لطبيعة الاستجابة ربما يكافئ الشخص ذاته أو يعاقبها تبعًا لمدى الالتزام والوفاء بالمعايير.

  • ديل شانك Dale Schunk : 

أشار لديل شانك (2012) إلى أن ليف فيجوتكسي Lev Vygotsky عالم النفس الروسي وأحد أهم أعلام تأسيس “البنائية constructivism” اعتقد أن تنظيم الذات يتضمن التنسيق بين العمليات المعرفية مثل: التخطيط، التوليف والتركيب، وصياغة المفاهيم وتشكيلها (Henderson & Cunningham, 1994) . 

ومع ذلك بين ديل شانك تأثرًا بالفكر السيكولوجي لليف فيجوتكسي أن مثل هذا “التنسيق” لا يوجد منفصلاً عن البيئة الاجتماعية والثقافية للفرد، فضلاً عن أن تنظيم الذات يتضمن الاستيعاب التدريجي للغة والمفاهيم. 

  • روي بوميستر Roy Baumeister : 

أشار روي بوميستر في نظريته أن “القدرة على تنظيم الذات قدرة محدودة” وبناء على هذا التصور صاغ بوميستر مصطلح “استنفاذ الأنا أو استهلاكها ego depletion “. 

وحدد روي بوميستر أربعة مكونات أساسية في بنية تنظيم الذات تتمثل في:

  • معايير السلوك المرغوب.
  • الدافعية للوفاء والالتزام بهذه المعايير. 
  • مراقبة المواقف والأفكار التي تسبق التفكير في الخروج على هذه المعايير. 
  • قوة الإرادة أو القوة الداخلية لضبط الحفزات والاندفاعات. 
  • نموذج المكونات الثلاثية لعملية تنظيم الذات: 

تهتم نماذج تنظيم الذات المرتكزة على ما يعرف بالعمليات الثلاث لبنية تنظيم الذات على ما الذي يختار الناس فعله، وكيف يجتهدون في محاولة تحقيق أهدافهم، وتحددت ثلاثة مكونات أساسية لعملية تنظيم الذات تتمثل في: 

  • اختيار الهدف goal selection.
  • الإعداد والاستعداد للفعل preparation for action. 
  •  التحكم في دورة السلوك a cybernetic cycle of behavior وتتضمن عدد متنوع من العمليات (Markus & Wurf, 1987).  

ففيما يتعلق بالمكون الأول لعملية تنظيم الذات والمتمثل في اختيار الهدف Goal Selection فإن الإنسان وقبل أن يتمكن من ضبط وتنظيم سلوكه بفاعلية عليه أن يختار هدف محددًا يقرر بموجبه ما ينوي فعله. 

ويفترض عديد من المنظرين للدافعية الإنسانية أن “الأهداف تنشأ في سياق ما سموه إطار التوقع ـ القيمة expectancy-value framework” (Atkinson, 1964; Rotter, 1954).  ويرى أنصار “نماذج التوقع ـ القيمة Expectancy-value models ” أن الإنسان يختار أهدافه وفقًا لتوقعاته لمدى إمكانية تحقيقها في إطار علاقة ذلك بالقيمة أو الأهمية الإيجابية التي يتصورها في حالة وصوله لتحقيق الهدف، والقيمة السلبية المتوقعة حال عدم وصولهم أو عدم تحقيقهم للهدف. 

والفكرة هنا شديدة البساطة، فلو على سبيل المثال أردنا التنبؤ بما إذا شخص ما سوف يتبنى في حياته هدف ما وليكن “الحصول على درجة دكتوراه الفلسفة في علم النفس”ـ علينا أن نعرف أولاً ما يتصوره أو يعتقده ويتوقعه ذلك الشخص حول مدى قدرته على النجاح في تحقيق ذلك الهدف ومدى توقعه لقدرته على الوفاء بمتطلبات تحقيق هذا الهدف هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى يجب أن نعرف “القيمة” أو “الفائدة” أو “الأهمية” التي يلقيها على الحصول على درجة دكتوراه الفلسفة في علم النفس في مقابل عدم الحصول عليها.  

إذن البعد الجوهري في نموذج “التوقع ـ القيمة” يتمثل في نقطتين أساسيتين: 

  • النقطة الأولى: توقع النجاح ويعكس مدى ثقة الفرد في قدرته على النجاح في تحقيق هدفه وما يرتبط به من أداء لمهام معينة. 
  • النقطة الثانية: القيمة الموضوعية لتحقيق الهدف: وتعكس مدى أهمية الهدف أو مدى فائدته.

وبناء عليه يتحدد مستوى دافعية الشخص في التوجه باتجاه تحقيق أهدافه والمثابرة والسعي الجاد بفاعلية وثقة واقتدار بالتفاعل بين هذين  المتغيرين معًا “توقع النجاح × قيمة الهدف”، وعلى ذلك فإن لهذا الافتراض دلالة شديدة الأهمية، إذ يعني أنه إذا كانت “القيمة” منخفضة” فلن يتبنى الشخص ذلك الهدف، حتى وإن كان يتوقع أو يمتلك إمكانية لتحقيق الهدف، والعكس أيضًا صحيح فقد تكون القيمة التي يلقيها الشخص على الحصول على درجة دكتوراه الفلسفة في علم النفس عالية جدًا، لكنه يتصور أو يعتقد أو يتوقع عدم قدرته وربما عدم امتلاكه لمقومات الحصول عليها، الأمر الذي يستحيل معه تبنى مثل هذا الهدف أيضًا.

ويمكن أن ينظر إلى الأهداف وفقًا للتباين في مستويات التجريد (Powers, 1973; Vallacher & Wegner, 1987)، وبعض من هذه التأويلات قد تكون نوعية ومحدد وعيانية specific and concrete، وقد يكون البعض الآخر واسع وعام ومجرد broad and abstract، على سبيل المثال قراءة هذه القطعة ربما يتعلق بعديد من أهدافك مثل “تعلم محتوى المعلومات”، “الأداء الجيد في الاختبار”، أو “الاستعداد للتخرج من المدرسة”. 

وبصورة عامة فإن الأهداف الواسعة وطويلة الأجل لها قيمة أكثر من الأهداف النوعية المباشرة والمحددة (Vallacher & Wegner, 1987)، وعلى نطاق واسع تتمركز أهداف الناس حول ما الذي يودون أن يكونوا عليه في المستقبل “صورة الذات في المستقبل”، على سبيل المثال ربما يثابر شخص ليكون مستقلاً أو حتى ليكون شخص طيب أو صالح. ودرست الأهداف المرتبطة بالذات  Self-relevant goals من قبل عديد من الباحثين مثل (Emmons, 1986; Klinger, 1977; Little, 1981; Zirkel & Cantor, 1990)، وتعد الأهداف الأكثر قيمة في الحياة. 

أما فيما يتعلق بالإعداد والتهيؤ والاستعداد للفعل Preparation for Action أي لتحقيق الهدف الذي تم تبينه فيدور حول تفكير وإعداد الشخص لكل المقومات والمصادر التي تمكنه من تحقيقه، ويمثل المرحلة الثانية في عملية ضبط وتنظيم الذات، وهنا يجمع الناس المعلومات، ويضعون السيناريوهات المتعلقة بالنواتج المحتملة، ويندمجون في الممارسة السلوكية أو البروفات والتدريبات السلوكية. 

وباختصار يصمم ويعد الناس خطة لتحقيق هدفهم، وقد لا تتسق كل السلوكيات مع هذا النموذج، فلدى بعض الناس خصائص معينة تجعلهم في حالة من الاندفاعية والتصرف بتهور جدون استبصار بالتداعيات فيما يعرف بالسلوك الاندفاعي Impulsive behavior. 

 وأخيرًا يأتي المكون الأخير في عملية ضبط وتنظيم الذات والذي يعرف دورة التحكم في السلوك a cybernetic cycle of behavior أو دورة ضبط الفعل وتنظيمه والسيطرة عليه. ويستخدم  مصطلح Cybernetics ويترجم عادة إلى “علم الضبط والتحكم” إلى “كيف تستخدم الوحدات المعلومات لتنظيم أفعالها” (Wiener, 1948)، ويعرف أيضًا بتأصيله لما يطلق عليه
“نظرية التحكم أو الضبط control theory” في تأكيدها على السيطرة على التغذية الراجعة كوسيلة تقوم بموجبها الآلات فضلاً عن الحيوانات بتكييف سلوكها للاتساق أو التطابق مع بعض المعايير، ولا يقصد بالتغذية الراجعة السلبية في هذا السياق أنها تغذية راجعة سيئة أو مستهجنة، بل هي تغذية راجعة تصويبة تستهدف خفض أو تقليل التباين أو التباعد بين “الهدف” ورحلة تحقيقه في إطار “القيمة ـ التوقع”.  

  • ظواهر ثلاث متعلقة بالذات Three Self-Relevant Phenomena: 

عند هذه النقطة يجري البحث عن نموذج عام لتنظيم الذات، وأمكن تحديد ثلاث عمليات جوهرية مرتبطة بصورة مباشرة بالذات تسمي العمليات الثلاث المتعلقة بالذات أو مرجعية الذات self-relevant processes تؤثر بصورة مباشرة على مجهودهم في ضبط وتنظيم سلوكهم يمكن تناولها على النحو التالي: 

  • اعتقادات فاعلية الذات Self-Efficacy Beliefs: 

لاعتقادات الناس حول قدرتهم على النجاح تأثيرًا مباشرًا وقويًا في واقع الأمر على عملية ضبط وتنظيم الذات، واستخدم ألبرت باندورا Bandura (1986, 1989) تعبيرًا عن هذه الاعتقادات وذاك التأثير مصطلح “اعتقادات فاعلية الذات self-efficacy beliefs”، ورأى أن ذوي المستوى المرتفع من اعتقادات فاعلية الذات لديهم القدرة على النجاح في المهام التي يتعاملون معها، لديهم القدرة على التغلب على العقبات أو المعوقات التي تواجههم في مسار رحلتهم لتحقيق أهدافهم، فضلاً عن زيادة معامل احتمالات تحقيقهم لهذه الأهداف.

من جانب آخر فإن ذوي المستوى المنخفض من اعتقادات فاعلية الذات يميلون على نحو دائم إلى التشكيك في قدراتهم على النجاح، ويعتقدون أنهم لا يمتلكون عتاد أو مقومات تحقيقهم لأهدافهم. 

  • الذوات الممكنة Possible Selves:  

تؤثر تصورات وأفكار الناس عن ما يمكن أن يكونوا عليه في المستقبل على تنشيط سلوكهم أو ما يعرف بالسلوك القائم على الدافع  motivated behavior. وصاغت ماركوس وزملاؤها (Markus & Nurius, 1986; Markus & Ruvolo, 1989) مصطلح “الذوات الممكنة” للإشارة مثل هذه الاعتقادات والأفكار.

ولتوضيح هذا الأمر بمثال قد يكون لدى لاعب رياضة الجمباز الطموح فكرة مسبقة عن تصوره لذاته الرياضية في المستقبل وهو على منصة التتويج بالميدالية الذهبية ويتصور أن هذا الأمر حلم ممكن تحقيقه ويرسم صورة لذاته الرياضية المتوقعة وفقًا لهذا الاعتقاد متصورًا ذاته فرحًا سعيدًا مبتهجًا بحالة النصر وتنهمر منه دموعه عند عزف النشيد الوطني لبلده وما يتوقعه من تكريم واحتفاء من قبل أهل بلده.

ويجدر الإشارة إلى أن ذواتنا الممكنة في طابعها العام إيجابية (Markus & Nurius, 1986)، رغم ذلك قد يوجد لدى بعض الناس تصورًا سلبيًا لذواتهم الممكنة، وتتضمن هذه الذوات الممكنة السلبية خوفًا غامضًا مما يمكن أن يكون عليه حال الإخفاق في فعل ما، على سبيل المثال قد يكون لدى المتعافي من إدمان الكحوليات تصورًا واضحًا لما يمكن أن يكون عليه حال عودته إلى شرب الكحول والخمور مرة ثانية، وربما تؤدي هذه الذوات السلبية الممكن وظيفة دافعية تفضي إلى دفع ذلك الشخص باتجاه تجنب مثل هذه العودة مرة ثانية (Oyserman & Markus, 1990). 

  • الوعي بالذات Self-Awareness:  

من المتغيرات الأساسية في التحليل الدافعي للسلوك متغير أو بعد “الوعي بالذات”، ويمثل بعد الوعي بالذات ما يمكن تسميته صفة انعكاسية أو تدبرية: بمعنى أن الناس قادرون على اعتبار أنفسهم موضوعًا للتفكير أو التدبر وتركيز الانتباه في أنفسهم وصفًا وتحليلاً وتفسيرًا، إلا أن انتباهنا ليس داخليًا في كل الأحوال، بل غالبية نشاطنا الانتباه معظم الوقت يوجه إلى الخارج أي إلى البيئة، بما يعني أن “تركيز الانتباه” يتغير؛ ومن ثم فإن الوعي بالذات حالة وقتية أو متغيرة، ففي بعض الأحيان نكون على درجة عالية من الوعي بذاتنا وقد يغيب عنا هذا الوعي في أحيانٍ أخرى.   

رابعًا- تنظيم الذات الانفعالية Emotional self-regulation:  

يقصد بتنظيم الذات الانفعالية أو تنظيم الانفعال قدرة الشخص على الاستجابة لمطالب الخبرة المستمرة بنطاق واسع من الانفعالات بطريقة مرونة ومقبولة اجتماعية ترتكز على ردود الأفعال التلقائية فضلاً عن المقدرة على تأجيل ردود الأفعال التلقائية إذ اقتضى الموقف ذلك (Cole, Michel,& Teti, 1994) . 

وعلى ذلك يعطي تعبير “تنظيم” دلالات المقدرة على ضبط الشخص لذاته على مستوى تفكيره وانفعالاته وأفعاله تبعًا لمقتضيات مواقف الحياة وأحداثها وضرورتها، كذلك يٌعْنى به الاستجابة القائمة على التدبر والتروي والتفكير في تداعيات وعواقب أفعاله قبل الإتيان بها، وعادة ما يرتكز تنظيم الشخص لذاته الانفعالية على وعيه بذاته ووعيه الاجتماعي ووعيه بطبيعة المواقف والسياقات الحياتية المختلفة وما يحكمها من ضوابط ومعايير ثقافية واجتماعية وقيمية. 

ويمكن أن يعرف تنظيم الذات الانفعالية أيضًا بأنه “العمليات النفسية الخارجية والداخلية المسئولة عن مراقبة وتقييم وتعديل الشخص لاستجاباته وردود أفعاله الانفعالية emotional reactions (Thompson, 1994) . 

ويٌدْرج بعد تنظيم الذات الانفعالية تحت مجموعة أوسع من عمليات الانفعال ـ التنظيم emotion-regulation processes التي تتضمن تنظيم الشخص لمشاعره الذاتية وفي نفس الوقت تنظيمه وإدارته لمشاعر الآخرين (Niven, Totterdell. & Holman, 2009) . 

ويتضمن تنظيم الانفعال عمليات نفسية معقدة تشمل: المبادرة، الكف، وتعديل الشخص لحالته المزاجية أو سلوكه في موقف معين، على سبيل المثال من المكونات الأساسية لتنظيم الذات الانفعالية وتنظيم الانفعال بشكل عام: الخبرة الذاتية subjective experience المشاعر feelings، والاستجابات المعرفيةcognitive responses ، والأفكارthoughts، والاستجابات الفسيولوجية المرتبطة بالانفعال emotion-related physiological responses ، على سبيل المثال ضربات القلب heart rate أو النشاط الهرموني hormonal activity، والسلوك المرتبط أو المرتكز على الانفعال emotion-related behavior  الأفعال والتعبيرات البدنية bodily actions or expressions . 

ويشير تنظيم الانفعال على المستوى الوظيفي أيضًا إلى مجموعة من العمليات النفسية الدينامية مثل: ميل الشخص إلى تركيز انتباهه في مهمة ما، ومقدرته على قمع السلوك غير المناسب وفقًا للتعليمات أو الضوابط؛ وبناء على ذلك فإن التنظيم الانفعالي أو ضبط وإدارة الشخص للانفعالات والمشاعر Emotional regulationوظيفة مركزية في الحياة الإنسانية. 

ويتعرض الناس على نحو يومي وبصورة مستمرة لنطاق واسع ومتنوع من المثيرات المنشطة للانفعالات والمشاعر؛ وعليه فإن الاستجابات وردود الأفعال الانفعالية المتطرفة وغير المناسبة وغير المتحكم فيها لمثل هذه المثيرات يمكن أن تعوق كفاءته الوظيفية في المجتمع؛ ومن هنا يجي أن يندمج الناس في صيغة أو أخرى من ضبط وتنظيم وإدارة الانفعالات والمشاعر تقريبًا طول الوقتZeman, Cassano, Perry-Parrish, & Stegall, 2006 . 

وبصورة عامة فإن التنظيم الانفعالي المختل وظيفيًا emotional dysregulation يٌعرف بأنه “صعوبات جوهرية دالة في قدرة الشخص على ممارسة ضبط وسيطرة على استثارته الانفعالية وتنظيمها؛ الأمر الذي يؤثر بصورة سلبية على أفكاره وأفعاله وتفاعلاته”.

وغالبًا ما يٌظْهِرُ ذوي التنظيم الانفعالي المختل وظيفيًا أنماط استجابة تعكس عدم التطابق بين أهدافهم، استجاباتهم، و/أو أنماط التعبير، ومطالب البيئة الاجتماعية (Zeman, Cassano, Perry-Parrish, & Stegall, 2006) . 

على سبيل المثال، يوجد علاقات ارتباطية بين التنظيم الانفعالي المختل وظيفيًا أو سوء تنظيم وإدارة الشخص لانفعالاته ومشاعره وأعراض: القلق، الاكتئاب، اضطرابات الأكل، وتعاطي المخدرات (Aldao, Nolen-Hoeksema & Schweizer, S. , 2010; Aldao, Nolen-Hoeksema, & Schweizer, 2010) . 

من جانب آخر خلصت نتائج دراسات (Fabes, Eisenberg, Jones, Smith, Guthrie, Poulin, Shepard, & Friedman, 1999; Pulkkinen, 1982)  إلى وجود علاقات ارتباطية دالة وموجبة بين ارتفاع مستوى تنظيم الانفعالات والمشاعر وارتفاع معامل الكفاءة الاجتماعية، والتعبيرات المقبولة اجتماعيًا عن الانفعالات والمشاعر. 

خامسًا- المصادر: 

  1. Aldao, A., Nolen-Hoeksema, S., & Schweizer, S. (2010). Emotion-regulation stratgies across psychopathology: a meta-analytic review. Clinical Psychology Review, 30, 217- 237.
  2. Aldao, A.; Nolen-Hoeksema, S. (2010). Specificity of cognitive emotion regulation strategies: a transdiagnostic examination. Behaviour Research and Therapy, 48 (10): 974–983. 
  3. Baumeister, R. F., & Vohs, K. D. (2007). Selfregulation, ego depletion, and motivation. Social and Personality Psychology Compass, 1, 1–11.
  4. Burman, J. T.; Green, C. D. & Shanker, S. (2015). On the Meanings of Self-Regulation: Digital Humanities in Service of Conceptual Clarity. Child Development, 86 (5): 1507–1521.
  5. Carver, C. S. (2004). Self-regulation of action and affect. In R. F. Baumeister & K. D. Vohs (Eds.), Handbook of Self-Regulation: Research, Theory, and Applications (pp. 13–39). New York: Guilford Press.
  6. Cole, P. M., Michel, M. K., & Teti, L. O. (1994). The development of emotion regulation and dysregulation: A clinical perspective. (Vol. 59, pp. 73-100). Wiley-Blackwell. 
  7. Fabes, R. A., Eisenberg, N., Jones, S., Smith, M., Guthrie, I., Poulin, R., Shepard, S. & Friedman, J. (1999). Regulation, emotionality, and pre-schoolers’ socially competent peer interactions”. Child Development. 70 (2): 432–442. 
  8. Hofmann, W., Baumeister, R. F., Förster, G., & Vohs, K. D. (2012). Everyday temptations: An experience sampling study on desire, conflict, and selfcontrol. Journal of Personality and Social Psychology, 102, 1318–1335.
  9. Hofmann, W., Gschwendner, T., Friese, M., Wiers, R. W., & Schmitt, M. (2008). Working memory capacity and selfregulatory behavior: Toward an individual differences perspective on behavior determination by automatic versus controlled processes. Journal of Personality and Social Psychology, 95, 962–977.
  10. Koole, S. L. (2009). The psychology of emotion regulation: An integrative review. (23 ed., Vol. 1, pp. 4-41). Psychology Press. Retrieved fromhttp://www.tandfonline.com/doi/abs/10.1080/02699930802619031
  11. Niven, K.; Totterdell, P. & Holman, D. (2009). A classification of controlled interpersonal affect regulation strategies. Emotion, 9 (4): 498–509.
  12. Philip Gable and Eddie Harmon-Jones (2010). The motivational dimensional model of affect: Implications for breadth of attention, memory, and cognitive categorization.  Cognition And Emotion, 24 (2), 322-337. 
  13. Pulkkinen, L. (1982). Self-control and continuity from childhood to late adolescence. In P. B. Bakes & O. Brim Jr. (Eds.), Life-span development and behavior (Vol. 4, pp. 63-105). New York: Academic Press.
  14. Schunk, D. H., & Zimmerman, B. J. (1998). Self-regulated learning: From teaching to self-reflective practice. New York, NY: Guilford Press.
  15. Self-Regulation Research: http://selfreg4accomplishment.weebly.com/self-regulation-re
  16. Self-Regulation Theory: https://en.wikipedia.org/wiki/Self-regulation_theory
  17. Thompson, R. A. (1994). Emotion regulation: a theme in search of definition. Monographs for the Society for Research in Child Development, 59 (2–3): 25–52.
  18. Zeman, J., Cassano, M., Perry-Parrish, C. & Stegall, S. (2006). Emotion regulation in children and adolescents. Journal of Developmental and Behavioral Pediatrics, 27 (2): 155–168. 
  19. Zimmerman, B. J. & Bandura, A. (1994). Impact of self-regulatory influences on writing course attainment. American Educational Research Journal, 31, 845-862.
  20. Zimmerman, B. J. (1994). Dimensions of academic self-regulation: A conceptual framework for education. In D. H. Schunk & B. J. Zimmerman (Eds.), Self-regulation of learning and performance: Issues and educational applications (pp. 3-21). Hillsdale, NJ: Lawrence Erlbaum Associates.
  21.  Zimmerman, B. J. (1995). Self-regulation involves more than metacognition: A social-cognitive perspective. Educational Psychologist, 30(4), 217-221.
  22. Zimmerman, B. J., & Schunk, D. H. (2001). Self-regulated learning and academic achievement: Theoretical perspectives (2nd ed.). Mahwah, NJ: Erlbaum.
  23. Zimmerman, B. J., & Schunk, D. H. (2003). Educational psychology: A century of contributions. Mahwah, NJ: Erlbum.
  24. Ziv, Y., Benita, M. & Sofri, I. (2017). Self-Regulation in Childhood: A Developmental Perspective. In, I. Matson (Editor). Handbook of Social Behavior and Skills in Children, (PP, 149-173). New York: Springer International Publishing AG.
  25.  Bell, A. (2017). Why Self-Regulation Is the Most Important Thing in the World. 
  26. Shanker, S. (2012). Calm, Alert and Happy: http://www.edu.gov.on.ca/childcare/shanker.pdf
  27. Cuncic, A. (2019). How to Practice Self-Regulation.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى