الفنان كامل الباشا.. فنان من العيار الثقيل ومسرحي حتى العظم

محمد زحايكة | القدس- فلسطين   

تعود علاقة الصاحب بالفنان الفلسطيني العالمي كامل الباشا إلى أيام الدراسة في المرحلة الثانوية في المعهد العربي الأردني في أبو ديس.. وأحيانا  كان الصاحب يتجادل فكريا مع الباشا كونه يحمل فكرا إسلاميا في حين أن الصاحب كان في بدايات تأثره بالفكر المادي العلماني حيث لاحظ الصاحب ميزة مهمة في شخصية الباشا وهي مقارعة الحجة بالحجة وتقبله للنقاش مهما اشتط المتناقشون بعكس كثير من ذوي التوجه الإسلامي الذين غالبا ما  يتميزون بالتعصب والتشدد وعدم الميل لتقبل الآخر المختلف.

ومرت الأيام ، ليفاجأ  الصاحب بكامل الباشا يغزو المسرح المحلي حاملا فكره الديني رافعا شعار المسرح الإسلامي في ظاهرة قد تكون غريبة على المسرح الفلسطيني المنفتح على ثقافات  وحضارات العالم. وظن الصاحب وقتها أن حركة الباشا هي فقاقيع صابون لا بد أن تتلاشى سريعا، لأن المسرح بطبيعته متمرد على الفكر المحافظ فما بالك بالفكر الديني المتزمت. كما نظر الصاحب بنوع من عدم الجدية لهذه المحاولة الباشاوية التي مصيرها الفشل وأخذ الصاحب الباشا  ” خفيف ”  في التعبير الدارج .

ولكن الصاحب أسقط في يده عندما تبين له أن الباشا ليس فنانا تقليديا كما كان يعتقد  وإنما هو فنان من العيار الثقيل ومتمرد على المسرح التعليمي الباهت وإنما يسعى إلى تكريس مسرح متجدد يغوص بجرأة في هموم وقضايا المجتمع ويعالجها بأسلوب فيه عمق وفيه تفكير ونقد لاذع لا يرحم وكأنه يهدف إلى أحداث حالة تثوير لتقويض الوضع السائد المهلهل والمتكلس بضربة قاضية واحدة وبناء عالم  جديد مفعم بالحرية والعدالة والإبداع.  كما تبين للصاحب أن هذا الفنان من نمط مختلف، اشتغل جديا على نفسه وغاص في بحار المسرح العالمي واكتسب ثقافة واسعة ومنفتحة تجلت في عديد مقالاته النقدية وفي مسرحياته التي أخرجها إلى جانب تمثيله وتقمصه للأدوار  المعروضة عليه بكل إتقان وإبهار وإبداع ليحوز على جائرة دولية عن أحد أفلامه العربية  كأحسن ممثل والتي ربما تعتبر الأولى لفنان وممثل على مستوى فلسطين.

وبالطبع  سرعان ما زعم الصاحب أن حصول الباشا على هذه الجائزة العالمية يرجع ربما إلى إقامته في السنوات الأخيرة في بلدة جبل المكبر التي كانت بمثابة  “وش السعد عليه”، والصاحب اللاهب لم يعد يعرف فيما إذا ما زال الفنان الباشا متمسكا بنهج ومفهوم المسرح الإسلامي أو إنه غادر هذا المربع، فهو انسان منفتح ومحب ومتواضع على المستوى  الشخصي كما أنه ارتبط اجتماعيا بالفنانة المعروفة ريم تلحمي وهي  من ديانة مختلفة على حد علم الصاحب،  مما يشير إلى طبيعة فكره المنفتح والبعيد عن أي فهم متشدد ومنحرف ومغلوط.

وذات لقاء جمعنا مع الفنان الباشا قبل نحو عامين في المسرح الوطني الفلسطيني ” الحكواتي” ظهر لنا  ملما بدواخل المسرح والفن عموما والرسائل المفتوحة  التي يبغي إيصالها من خلال اعماله والتي يترك فيها للمشاهدين والمتفرجين فهمها بالطريقة التي تناسبهم وتحلو لهم، فالمسرح مفتوح على شتى الاحتمالات والتخمينات.  وفي هذا اللقاء استفسر الصاحب عن مفهوم  “التمثيل بالظهر” كما قال بعض النقاد ذات مرة عن الفنان النجم الراحل  أحمد زكي،  فإذا بالفنان الباشا يجيب على هذا الاستفسار  بتجسيد  المعنى حركيا وتمثيليا بنفسه مما ادهش الحاضرين.

الفنان كامل الباشا موسوعة فنية ومسرحية متحركة..  فنان قادر على تقمص أصعب الأدوار بما فيها المركبة والمعقدة.. َكنت أسمع من بعض الفنانين في كولسات خاصة بأن الباشا ممثل وفنان  خطير  ليس عنده “يمة ارحميني”  ما أن يصعد على خشبة المسرح حتى يندمج في الدور إلى أبعد الحدود ويعيش ويعايش الشخصية وكأنه هو لحمها ودمها وروحها.  وهو فنان معتد برأيه، وإذا  حاول البعض الهجوم والمزاودة عليه  لا يتأثر بل يتمترس في مكانه ويدافع بشراسة عن قناعاته حتى آخر  نفس فهو يملك وجهة نظر منطقية وسديدة وفي محلها، فهوامش الفن وشواطئه لا تحدها  حدود. والفن الملتزم الصادق قادر على أن يكون عابرا للحدود وتأثيره يكون طاغيا  لا يقاوم.

الفنان والممثل والمخرج المسرحي والمثقف القلق كامل الباشا.. فنان صاحب أعمال دسمة مختلفة ناقدة  لا تعرف المواربة أو امساك الحبل من المنتصف وطريقة عمله واثقة لا تعرف الصراخ والجعجعة وإنما دحض الفكرة بالفكرة ومقارعة الحجة بالحجة حيث يبقى هدفه الأسمى العمل على عملقة المسرح الفلسطيني ليغدو رقما صعبا في المعادلة الثقافية الفلسطينية والإقليمية والعالمية.

تحية إكبار واجلال لهذا الفنان الطاحش بعزيمة وقوة في دهاليز المسرح والفن الفلسطيني والعربي  والعالمي ليكون سفيرا لوطنه الذبيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى