قمر عبد الرحمن في ديوان هايكو جديد (ريشة الهايكست.. صلاة الدموع)

محمود الرجبي | الأردن

إن شعر الهايكو هو شعر وصف في الأساس, يعتمد على قدرة عينيك على إرسال الإشارة إلى عقلك و قلبك, وحسب حالتك النفسية وثقافتك المتراكمة, وزاوية الرؤية الداخلية والخارجية التي تقف عندها, وتنظر إلى ما يحدث لحظة رؤيتك لمشهد ما أو حتى تخيله, فيقوم العقل أو القلب دون تدخل منك, بإعادة النظر مرة أخرى وتحليل الرموز والإشارات التي وردت من البصر في حالة الرؤية المباشرة أو من البصيرة في حالة التخيل وبطريقة سريعة ومعقدة, يتم ميلاد (رؤيا ) خاصة بك, قد تقتلها لغتك فورا أو قد تحييها إلى الأبد, لذلك اعتقد أن الهايكو فن لغوي بامتياز, يسبح ويعوم ويغطس كما يشاء في بحر اللغة, فإذا كانت اللغة هي جسد الهايكو, فإن الوصف عيناه ويداه !!

 

الهايكو قصيدة اللحظة.. التقاط المشهد الذي لا ينتبه إليه العابرون.. وعندما يقرؤون نصك تصيبهم الدهشة ويقولون “يا الله كيف لم ننتبه لهذا؟!”.. الهايكو أشبه بالتوقيعة والإبيجراما.. تجد فيه كلَّ شيء ولكنك تجد فيه روحك أولا!!

هي اللحظات الزائلة المتحركة والمتغيرة إلى الأبد, عين الهايكست أسرع من حركتها, يراها وحده فجأة, وكأن الزمن يتوقف عندها, يقول قصيدة يصف ما يرى لنفسه أولا وآخرا, فهو زائل يتحدث عن لحظة زائلة, لذا لا ينساها أبدا ويظل يكررها حتى يتذكرها بعد زوالها, الذين حوله يكتبونها على الورق لتخليدها, لأنهم لم يستمتعوا برؤيتها بعينيه فيرونها بخيالهم, فيخلد وصف اللحظة الزائلة, ويزول الشاعر واللحظة نفسها!

الهايكو ليس عدسة رؤية ثابتة أو متحركة, تنقل ما ترى وما يحدث أمامها, بكل تجرد وصدق وأمانة, مثل كاميرات المراقبة المنتشرة مثلنا في كل مكان !!

الهايكو ليس صورة للذكرى أو اعتقال لحظة ثابتة من الزمن, لا تعكس سوى حقيقتها الظاهرة دون الكامنة, كما يريدها الحمقى من مستسهلي الإبداع ومن معاقي اللغة ومحدودي الدخل من ثروة الخيال, ومن المصابين بفيروس وهم المعرفة, من المؤمنين بحتمية التنحي ونظرية مؤامرة الذاتية على الهايكو النقي !!

الهايكو الحقيقي والقابل للحياة, يولد كإستنارة ناتجة عن تلقيح مَنيّ اللغة والمعرفة المتراكمة لبيوض الرؤيا في رحم ظلمات الوهم الثلاث:

– ظلام الحقيقة الناقصة.

– ظلام الجهل.

– ظلام الثرثرة.

الهايكو الحقيقي يخرج إلى الحياة, ليتصل بأرواحنا بحبل سرّة الدهشة, التي لا يمكن رؤيتها, إلا دفعة واحدة, عن طريق عدسات متتالية ثلاث:

– عدسة الكاميرا (العينان).

– عدسة المصور (اللغة والمعرفة و الأحاسيس والذوق).

– عدسة الروح (البصيرة أو عين القلب).

لو كان الهايكو مجرد صورة أو تصوير, أو مجرد نقل للمشهد أو الحدث كما هو, دون معنى أو بلاغة أو إحساس أو ذاتية, لكان الفائز في أي معرض مدهش للصور, هي عدسات الكاميرات وليس أصحابها !!

أصدقائي..يسعدني أن أقدم لكم … الكتاب الرابع والثلاثون في سلسلة (ريشة الهايكست) للشاعرة الرائعة قمر عبد الرحمن وهو بعنوان (صلاة الدموع)….استمتعوا مثلما استمتعت بكل قصيدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى