الكاتب الكبير محمد سلماوي والإعلامي صبري الموجي (وجها لوجه)

القاهرة | خاص

المرء عدو ما يجهل، وليس من رأي كمن سمع، ولأنه مُعتدٌ بنفسه، أنيقٌ في ملبسه، يُفضل الصمتَ علي الثرثرة غير ذات الجدوي، وصفه بعضُ من لا يعرفونه بالكبر، وهذا ما خوفني من لقائه لعمل حوار معه حول فوزه بجائزة النيل للآداب، فكان عكس ما توقعت .. حفاوة في الاستقبال، واسترسالا في الحديث الذي جاء مصحوبا بابتسامة وجه، أكدت لي أن صاحب ” نوبل” كان يُحسن اختيار أصدقائه.

محمد سلماوي أهم حواريِّ محفوظ، الذي ترأس العديد من المؤسسات الثقافية من بينها اتحاد كتاب مصر والعالم العربي، ورأس تحرير “الأهرام إبدو” وانتخب عضوا بمجلس نقابة الصحفيين، ووكيلا لوزارة الثقافة ومساعدا لوزير الإعلام، كتب العديد من الأعمال المسرحية مثل : “القاتل خارج السجن” و “سالومي”، و” الجنزير” ، وصدرت له عدة مؤلفات قصصية وروائية منها” الخرز الملون”” وأجنحة الفراشة، و غيرهما

°°°°°

سلماوي في حواره بعد الفوز بجائزة النيل :

حذرتُ فى “الجنزير” من وقوع مصر رهينة فى يد الإخوان

نجحتْ “الأهرام إبدو” حين وجدتُها على مكتب وزير خارجية فرنسا بباريس

أحلُم بجائزة تُمنح من مصر لمثقفي دول حوض النيل

الجهود الثقافية أبعد تأثيرا فى العلاقات الدولية من السياسية والاقتصادية

الجائزة تأتى بعد ٥٠ عاما من الأشغال الشاقة

القضية الفلسطينية جزءٌ من وجداني وليس فقط من قناعاتي السياسية

قصة “ختم” نجيب محفوظ التى لا يعرفُها أحد

°°°°°

إلى الحوار…..

حصلت علي العديد من الجوائز والأوسمة من فرنسا وايطاليا وبلجيكا وفلسطين والسنغال آخرها جائزة النيل في الآداب فما أحب الجوائز لنفس الكاتب الأديب محمد سلماوي ولماذا أهديت جائزتك الأخيرة للنيل وما هو موقف المثقفين من أزمة النيل التي تواجهها مصر

كان لوسام فارس الفنون والآداب الفرنسى مكانةٌ خاصة عندى باعتباره أول وسام أحصل عليه سنة 1995 إلي أن جاءت جائزة النيل في الآداب فكانت عصا موسي التي ابتلعت كل الجوائز والأوسمة التى سبقتها، فبالفعل هي أحبها جميعا إلي قلبي لعدة أسباب :

أولها أن هذه الجائزة من بلدي الذي أعتز بانتمائي إليه، وثانيا لأنها أكبر جائزة تمنحها مصر، فرغم أنني فُزت من قبل بجائزة الدولة التقديرية في الآداب، إلا أن جائزة النيل تمثل قيمة أخري لأنها تًعطي للفائز علي مُجمل أعماله ومسيرته ومشروعه الإبداعي فهي تتويج لمسيرة مُمتدة، فلذلك تختلف عن التقديرية ولها مذاقٌ خاص وقيمة خاصة ومكانة خاصة في قلبي.

أما لماذا أهديتُها للنيل فلأنها تحمل اسمه، والنيل ليس فقط شريانَ الحياة المُتدفق في مصر عبر عشرات القرون والذي صنع أبناؤه واحدة من أعظم الحضارات في التاريخ الإنساني، ولكن أيضا لأن النيل الآن يبدو وكأن هناك من يتربصون به، نيل مصر الذي ارتبط اسمه بمصر أكثر مما ارتبط بأي دولة أخري من الدول العشر التي يمر بها من المنبع إلي المصب، لكن تاريخه الممتد منذ ما قبل التاريخ، وقيمة أبناء النيل في مصر، وعظمة تاريخهم تملئني إيمانا بأن هذه المؤامرات الصغيرة لا يمكن أن تنال من النهر الخالد الذي تتدفق مياهه في شرايين المصريين جميعا.

وعلى الصعيد الثقافي فأنا أحُلم بجائزة تمنحها مصر كلَ عام لمثقف كبير من إحدى الدول التي تنتمي لحوض النيل، فهناك عشر دول تنتمي لحوض النيل علينا أن نرتبط بها وأن نتفاعل معها ثقافيا قبل أن نتعامل سياسيا، ونتلاقي مع حضاراتها ومثقفيها وأدبائها؛ لأن هناك الكثير مما يربطنا بهم علي مختلف المستويات، لهذا أنتهز هذه الفرصة لأطرح هذا الاقتراح، وهو أن تقوم الدولة المصرية بإنشاء “جائزة وادي النيل” يضع المثقفون المصريون قواعدها ولائحتها التنفيذية لتكريم مثقفي وأدباء ومفكري دول وادي النيل العشر، ولو حسبنا السودان دولتين رغم أننى لا أحب ذلك، تكون هناك 11 دولة علينا أن نتفاعل معها ثقافيا؛ لأن العلاقات الحقيقية التي تدوم وتؤثر في الحياة هي العلاقات الثقافية، أما العلاقات السياسية فتأتي وتذهب، وقد تتحول من الصداقةُ إلي العداوة أو العكس، والعلاقات الاقتصادية بطبيعتها مُتغيرة لأن المصالح الاقتصادية ليست ثابتة وتتغير من فترة إلي أخري، أما العلاقات الثقافية فهي الدائمة والأنجح في التقريب بين الشعوب والدول، فنحن أقربُ إلي الشعوب التي نقرأ رواياتها، والتي نستمع إلي موسيقاها، والتي نشاهد أفلامها السينمائية، وهذا هو ما جمع الوطن العربي كله حول مصر بفضل الفيلم والكتاب واللوحة التشكيلية، فهذه كلها هي القوي الناعمة في مصر، التي جعلتها الرائدة في محيطها العربي.فلننفتح قليلا علي إفريقيا، ولنبدأ بدول حوض النيل من خلال هذه الجائزة.

تقصد أن الجهود الثقافية لابد أن تسير جنبا إلي جنب مع الجهود السياسية؟

بل أنا أري أن تسبق الجهود السياسية، لكن تاريخنا للأسف يسير بالعكس؛ لأننا أقمنا علاقات سياسية مع دول العالم الثالث كله في فترة الخمسينيات والستينيات، وكانت تلك العلاقات علي أفضل ما تكون، وكانت مصر هي الدولة الرائدة في دول العالم الثالث، وكانت حركاتُ التحرر تسعي للحصول علي الدعم المصري لها، وكان المجاهدون من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية يلوذون بمصر ويعيشون فيها حين يتم نفيهم خارج بلادهم، فكانت مصر حاضنة لكل أصحاب الحقوق والمضطهدين، ولكن تغيرت الظروف فى حقبة السبعينات، فسقط كل هذا ولم يبقَ منه شيء، ووجدنا دولا أخري تنافسنا علي المصالح الإفريقية، وتقتحم المجالَ الإفريقي، ونحن بعيدون تماما ولو قامت هذه العلاقات على أساس من التقارب الثقافي لظللت علاقاتنا قوية مع هذه الدول وشعوبها، لكنا للأسف ظللنا فى ظل هذه العلاقات لا نقرأ إلا الأدب الأوروبى، ولا نشاهد إلا الأفلام الأمريكية.

فلماذا لا نبدأ الآن بوضع الأسس الثقافية التي تربطنا بمحيطنا ليس فقط العربي فهذا قائم بلا شك، ولكن أيضا ببقية دول العالم الثالث ونبدأ بإفريقيا التي نتشارك معها في مصالح كثيرة أهمها قضية المياه.

نعود لجائزة النيل هل كنتَ تتوقع حصولك عليها ؟

بالتأكيد كان يحدُوني الأمل وكنتُ أتطلع إليها، خاصة أننى رُشحت لها أكثر من مرة علي مدي السنوات الأربع الأخيرة، وتنازلت في إحدي السنوات عن الترشح؛ إيثارا لصديق كان مرشحا، ولم أشأ أن أزاحمه، وقد فاز بها بالفعل.

إن ما فاجأنى حقا هذا العام هو التصويت الذي جري، والأغلبية الكبيرة التي حُزت عليها، فرغم أن كل جائزة كان لها أربع جولات للتصويت، لكنني حُزت عليها من الجولة الأولي، وهو ما أعتز به، ويجعلني مُمتنا لزملائي من المثقفين والأدباء والمفكرين أعضاء المجلس الأعلي للثقافة على تقديرهم الذى أعتز به.

عملت مُدرسا بجامعة القاهرة وتركتها لتلتحق ببلاط صاحبة الجلالة، فمسئولا بوزارة الثقافة، ورئيسا لاتحاد كتاب مصر وغيرها من الأدوار فما أحبُها لقلبك وأين تجد متعتك الحقيقية؟

أحبُ الأدوار شيء ومُتعتي شيء آخر، فأحبٌ الأدوار هي تلك التى تمكنتُ خلالها من خدمة أقراني سواء من الصحفيين أثناء عضويتى بمجلس نقابة الصحفيين لمدة أربع سنوات، أو الأدباء من خلال رئاستى لاتحاد كتاب مصر طوال عشر سنوات.

لقد تمكنتُ من خلال ترأسي للجنة الثقافية بالنقابة أن أقيم من الأنشطة الثقافية ما جعل النقابة إحدى المراكز الثقافية النشطة، كما ساهمت فى بلورة موقف الأعضاء من بعض القضايا المهمة، والتعبير عنها واتخذنا مواقف جريئة منها مثلا اعتراضنا أن تشارك إسرائيل في معرض الكتاب، فعقدنا اجتماعا طارئا وحاشدا بالنقابة أعلنا فيه مقاطعتنا للمعرض إذا ما تمت مشاركة إسرائيل في المعرض، وأعلنا عن إقامة معرض كتاب موازٍ في حديقة النقابة بمبناها القديم في حالة قبول الطلب الإسرائيلي، ودعونا لاجتماع للناشرين المصرين أصدروا فيه بيانا بأنهم سيشاركون في هذا المعرض الموازي ولن يذهب أحدٌ منهم لمعرض الكتاب إذا تم قبول مشاركة إسرائيل.

ومن الخدمات التي لا أنساها أنني تمكنتُ من الحصول علي منحٍ صحفية لأمريكا وفرنسا وألمانيا، تقدم لها عددٌ كبير من شباب الصحفيين آنذاك أذكر منهم نوال مصطفي من الأخبار، والزميل سمير غريب وغيرهما، ولم تكن تربطني بهم في ذلك الوقت أيُ علاقة، بل توطدت علاقتى بهم بعد ذلك بسبب ذلك الموقف.

نفس الدور حدث وتنامي بشكل أكبر حين انتخبتُ رئيسا لاتحاد الكتاب في مصر، ثم حين انتخبت أمينا عاما لاتحاد الكتاب العرب، ثم حين انتخبت أمينا عاما لاتحاد كتاب آسيا وإفريقيا، والذي ضممتُ إليه كُتاب أمريكا اللاتينية أيضا، فأصبح اتحاد كتاب آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، هذا هو الدور الذي أعتزُ به جدا، أما أمتعُ الممارسات إلي قلبي فهي الكتابةُ فحين أكتبُ قصة أو رواية أو مسرحية أجدُ متعة تُنسيني كلَ ما حولي وتجعلُني أنغمسُ بشكل كامل في هذه المتعة الإبداعية التي لا يعرفها إلا المبدعون.

من أعمالك المسرحية “فوت علينا بكره” و”اللي بعده” و”القاتل خارج السجن” العنوان الأخير هل كنت تقصد من ورائه غياب العدالة، وهل سبَّب لك ذلك العنوان حرجا مع السلطة فى ذلك الوقت؟

“القاتل خارج السجن” التي أخرجها لى سعد أردش كانت تعالج علاقة الفرد بالسلطة، واستوحيتُها من تجربتي داخل السجن فأثناء اعتقالي وجدتُ أن القاتل الحقيقي ليس من يتمُ اعتقالهم لمواقفهم السياسية، وإنما هو من يُزجُ بهم في غياهب السجون في غيبة من العدالة.

عالجتَ القضية الفلسطينية فى العديد من أعمالك مثل رواية “الخرز الملون” ومسرحية “سالومى” والمجموعة القصصية “وفاء إدريس وقصص فلسطينية أخري” فكيف ترى حل القضية فى ظل الظروف الحالية؟

إن إيمانى بالقضية الفلسطينية نابعٌ من إيماني بالقومية العربية والوحدة العربية والاستقلال الوطنى، وجميع المبادئ التي نشأ عليها جيلي في فترة الخمسينيات والستينيات، ولذلك فالقضيةُ الفلسطينية جزءٌ أساسيٌ من وجداني، وليس فقط من قناعاتي السياسية، ومن ثم انعكس ذلك في عدد من مؤلفاتي، وفى رأيى أن القضية الفلسطينية لا يُمكن أن تستمر علي وضعها الحالي، فهناك مثلٌ غربيٌ شهير يقول: إنك تسطيع أن تخدع شخصا واحدًا كل الوقت، وتستطيع أن تخدع كل الناس بعض الوقت، لكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت، فما حدث أخيرا من صحوة بادية في الرأي العام العالمي تُجاه القضية الفلسطينية بعد الأحداث الأخيرة أكبرُ دليل علي ذلك؛ لأنه في السابق كان الرأي العام في العالم محدودا بما يُنشر في الصحف ويُبث في أجهزة الإعلام التي يسيطر عليها النفوذ الصهيوني، والذي كان يحجب الكثير من الأخبار، ويشوه كثيرا من الحقائق، أما الآن ومع انتشار وسائل الاتصال الحديثة الإلكترونية، أصبحت هذه القيود المفروضة علي الصحافة والإعلام في العالم غيرَ ذات جدوي؛ لأن الحقيقة صارت تتسرب من خلال التليفون المحمول لتصل الى كل الناس بلا رقابة ودون تضليل أو تزييف، مُخترقة بذلك كل الحواجز التي يضعُها النفوذُ الصهيوني علي وسائل الإعلام الرسمية.

ومن هنا اكتشف العالم بعد أكثر من 70 سنة أن هناك شعبا يتعرض للاضطهاد والتفرقة العنصرية والقمع والتعذيب والتشريد، بل والقتل والاغتصاب، وبالتالي أصبح هناك رأيٌ عام قوي مساند للقضية الفلسطينية ، وأصبح هناك اتجاهٌ في الخارج يُطالب بمقاطعة إسرائيل ومنتجاتها الواردة من المستوطنات الفلسطينية المحتلة، ووجدنا من يطالبون بمحاكمة إسرائيل على جرائمها ضد الانسانية أمام محكمة العدل الدولية.

فالحق يفرض نفسه في النهاية، والقضية الفلسطينية لم ولن تموت، فقد أتت مراحل ظننا فيها أن القضية نًسيت بعدما طفت علي السطح قضايا أخري سبقت القضية الفلسطينية في أولويات اهتمام العالم، وفجأة هبَّ الشعبُ الفلسطيني، وقال كلمته في مواجهة أعمال العنف والوحشية التي مارستها قوات الاحتلال أخيرا، فحدثت صحوة تُثبت وجود نار تحت الرماد لن تنطفئ إلا بزوال الاحتلال الإسرائيلي.

علاقتك بالعملاق محفوظ تأكيدٌ علي تلاقي أرواح المبدعين فهل هي نتيجة إيمان محفوظ بإبداع سلماوي أم أن هناك جوانب أخري إنسانية جمعت بينكما؟

أعتقد أنه كلُ ذلك ولا أود أن أفيض في هذا الموضوع لأنك وضعت يدك في السؤال علي الإجابة، لكن دعني فقط أقول إن محفوظ كان يختارُ من بين أصدقائه والمقربين كل شخص لما هو مؤهلٌ له، فله مواقف كثيرة مع آخرين قريبين منه، ولكن في مجالات أخري، فربما هو رأي أنني أصلًح لما قمت به من أدوار، ورأي آخرين يصلحون لمهام أخري، فكان يسند إليَّ مهامَ بعضُها مهام كبيرة، مثل أن أكون ممثله الشخصى فى احتفالات نوبل، وأن أقرأ عنه خطابه للعالم فى هذه المناسبة، أو أن أتولى كتابة حواراته الأسبوعية فى “الأهرام”، وبعضها مهامٌ صغيرة لا يعرفُها أحدٌ لكنى أعتز بها ولها في نفسي مكانة خاصة؛ لدلالتها النفسية والعاطفية.

هل يمكن أن تعطينا مثلا؟

أذكر مثلا أنه حين تعرض لمحاولة الاغتيال الفاشلة، لم يكن يستطيع أن يستخدم يده اليمنى فى الكتابة، ولا أن يُوقع علي أي أوراق رسمية كشيكات بنكية وخلافه لارتعاش خط يده التي لم يكن يتحكم فيها بالقدر الكافي من أثر الطعنة، فطلب مني عملَ “ختم” له يستخدمُه في التوقيع علي أي أوراق رسمية، فقبلت المهمة وكلي اعتزازٌ بتلك الثقة المتناهية، وذهبت لمكان صنع الأختام بشارع محمد علي فسألني المعلم صاحب المحل أو الورشة باسم من، فقلتُ نجيب محفوظ، فاندهش قائلا “بتاع نوبل”، فقلت له بل لشخص آخر يحمل نفس الاسم، فضرب الرجل كفا بكف وقال سبحان الله ! رجلان بنفس الاسم أحدهما كاتبٌ عالمى حصل علي نوبل والثاني أمي لا يستطيعُ أن يكتب اسمه.

في ” أجنحة الفراشة” تنبأت باندلاع ثورة يناير التي كنت أحد فرسانها.. ألم تخش أن تفشل هذه الثورة ويتم التنكيل بك؟

أستحضرُ دائما طيلة حياتي هذا المثل القائل: (إن خفتّ فلا تقل، وإذا قلتَ فلا تخف)، فدائما أقول وأتخذُ الموقف المعبر عني وأكون مُستعدا لدفع الثمن، فقد فُصلت من عملي في “الأهرام” أكثر من مرة سواء في فترة السادات، أو في فترة حكم الإخوان، واعتقلت أيضا، فمن غير المعقول أن أخاف أن أتخذ موقفا أو أساند ثورة شعبية، بل العكس فمن خلال موقعي باتحاد الكتاب ساهمتُ في بلورة موقف الكتاب المصريين إزاء هذه الثورة، وكذلك دعمتٌ موقف المثقفين الذين اعتصموا في مكتب وزير الثقافة في عهد الإخوان للمطالبة بإبعاده، وأيضا عقدنا في اتحاد الكتاب جمعية عمومية طارئة وسحبنا الثقة من رئيس الجمهورية آنذاك د. محمد مرسي في واقعة غير مسبوقة ولا ملحوقة في تاريخ مصر، فإما أن تأخذ موقفا جريئا يُعبر عن رأيك أو تخشي العواقب فتسكت، وأنا اخترتُ طيلة حياتي الطريق الأول.

“يوما أو بعض يوم” عنوانٌ جذاب لسيرة ذاتية مليئة بالصراحة الشديدة، فهل تري صراحتها سرَ رواجها ؟

أعتقدُ أنها أحد أسباب رواجها بالفعل؛ لأن الناس حين تلمسُ الصدق في أي عمل تُقبل عليه، لهذا التزمتُ بمعايير منها الصدق الشديد، فرويت كلَّ ما حدث لي رغم اعتراض البعض علي ذكر بعض المواقف، مثل قولي أنني في سنوات المراهقة وقعتُ في الإلحاد تأثُرا بالفلسفة العالمية، حتي اكتشفت بعد ذلك في سنوات النضج أن داخلي إنسانٌ مؤمن، رغم أي قناعات ذهنية سابقة، ولكني أصررتُ علي ذكر ذلك من منطلق الصدق مع القارئ، فالمذكراتُ لابد لها أن تكتب فيها كل شيء ما لك وما عليك، هذا أول معيار، المعيار الثاني الذى التزمت به هو التوثيق فلم أذكر معلومة واحدة إلا وهي موثقة إما بمستند أصورُه وأضعُه في الكتاب، أو ببعض قصاصات الصحف، أو بصورة فوتوغرافية تُثبت صدق ما أقول، والمعيار الثالث هو التواضع، خلافا لما فعله الكثيرون من كُتاب السير الذين اعتمدوا علي المثالية المفرطة وصورة ” السوبر مان” مثل أنه كان الأول علي المدرسة، أو أنه كان يقول الصح ولم يستمعوا إليه، ولو استمعوا لما تعرضوا لهذا المأزق أو ذاك، ومن هنا كان اختيارى لعنوان الكتاب وهو من سورة “المؤمنون” لأنه يشير إلى أن هذه الحياة الطويلة التي تقدمها المذكرات لا تساوي فى النهاية إلا يوما، ثم يستدرك الحقُ أو بعض يوم وكأن اليوم أيضا كثير.

توقفتَ فى مذكراتك عند مقتل الرئيس السادات، فأين بقية المذكرات؟

لقد انتهيت بالفعل من الجزء الثاني من المذكرات وسيصدر خلال هذا الشهر ليلحق معرض الكتاب، وهو يُعالج فترة ثانية من حياتي، فيبدأ من حيث انتهي الجزءُ الأول، ويتناول مرحلة مبارك، ثم مرحلة الثورة وما حدث بها، ومرحلة حكم الإخوان، ومرحلة الدستور وكتابته الذي شرفت خلاله بأن أكون أحد أعضاء لجنة الخمسين التي شاركت في صياغته، وأدخلت بابا جديدا عن ” الثقافة” باسم ” المقومات الثقافية ” أسوة بباب المقومات الاقتصادية والسياسية، وسيحمل هذا الكتاب عنوان ” العصف والريحان” وهو مستمدٌ أيضا من سورة “الرحمن”، والعصف هو قشر القمح بعد “درسه” وهو الذي يطير في الهواء ولا تعود له قيمة، أما الريحان فهو ما يبقي معك من رائحة زكية حتي بعد أن تزول هذه الزهرة، فالعصف والريحان، هما الغث والسمين وهو مُلخص حياتنا كلها.

في مسرحية “الجنزير” تنبأت بغلو ظاهرة الإرهاب وهذا ربما أدخلك في صراعات مع بعض التيارات ؟

لقد حذرتْ المسرحيةُ مما حدث في مصر بالفعل أثناء حكم الإخوان، فهى تصورُ قصة عائلة مصرية تم احتجازُها من قبل بعض الجماعات الإسلامية رهينة مثلما حدث لمصر عندما وقعت رهينة في يد الإخوان بعد الثورة، وهو ما سبب لي مشاكل وتهديدات تطلبت تعيين حراسة لى فى ذلك الوقت.

وهل جاء توالي الإبداع وكثرة المهام علي حساب الأسرة والبيت؟

أتصور أننى كنت دائما حريصا علي أسرتي وبيتي، بل وزيادة في الحرص خصصتُ سنواتي الأخيرة للأسرة والبيت فاتخذت قرارا بأنني عندما أصل لسن معينة سأعتزل كل المهام التنفيذية لأتفرغ لأسرتى، فاستقلتُ من رئاسة اتحاد الكتاب رغم عدم انقضاء مدتي، وتركتُ رئاسة تحرير “الأهرام إبدو” دون صدور قرار من مجلس الشورى بإعفائي، وكذلك اتحاد الكتاب العرب، لأتفرغ لأسرتي ونفسي، فلنفسي علي حق بعد أكثر من نصف قرن من العمل الجاد والمتواصل، كانت أشبه بخمسين سنة” أشغال شاقة”، لأنني في أي عمل أسند إليَّ كنتُ أبذل جهدا كبيرا من منطلق المسئولية، أما الآن فأنا مستمتع بحياتى مع أسرتى وأحفادى، وبقراءة الكتب التى لم يكن وقتى يتسع لقراءتها والكتابة، ولولا هذا التفرغ ما استطعت أن أكتب مُذكراتى .

وكيف نتعامل مع الآخر بصورة لا تنتقص منه ولا منا؟

لقد عانينا دائما من مشكلة مخاطبة الآخر، فكنا كثيرا ما نقع في فخ مخاطبة الآخر بلغتنا نحن، وليس بلغته هو، ولا أقصد باللغة المُفردات، بل أقصد بمنطقنا وثقافتنا وطريقة تفكيرنا نحن، فكان خطابنا يُعبر عن طريقة تفكيرنا أكثر مما يسعى لاقناع الآخر بالمنطق الذى يفهمه، وهذا أكبر خطأ؛ لأن الصحيح أن نخاطب الآخر بمنطقه وبلغته؛ لنتفادي جهود المتربصين بمصر ممن يريدون لها الفوضي عن طريق تشويه الحقائق وتسفيه الجهود المبذولة لنهضتها ورقيها.

ولقد كان هذا همنا الأول فى تحديد سياسة التحرير فى “الأهرام إبدو”، ومن هنا كان نجاح الجريدة وانتشارها، ولا أنس يوم لقائى بوزير خارجية فرنسا “فيدرين” لعمل حوار معه، فعندما أردت أن أعرفه بهذه الصحيفة قال أنا أعرفها جيدا وهي علي مكتبي كل يوم أربعاء ؛ لأننا نعتمد عليها فى متابعتنا لما يجرى فى بلدكم، عندها عرفت أننا نجحنا فى التواصل مع العالم .

في رئاستك اتحاد الكتاب كيف وازنت بن مطالب المثقفين وجهود الدولة؟

عندما ترأست الاتحاد وجدته يعتمد علي الحكومة في موارده، فضاعفتُ المبلغ الذي كان مُخصصا للكتاب من وزارة الثقافة، لكنى نوعت مصادر دخل الاتحاد حتي لا أعتمد اعتمادا كاملا علي الدولة، وذلك بفتح باب التبرعات الذي جلب لنا ملايين الجنيهات، ومن تلك التبرعات قمنا بترميم مبني مؤتمرات اتحاد الكتاب بالقلعة والذى تكلف 2مليون جنيه لم يدفع فيها الاتحادُ مليما واحدا، وحققت استقلالية للاتحاد سمحت لي باتخاذ المواقف التى تعبر عن جموع أدباء مصر .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى