جسد الأنثى في مدونة الشاعرة ضحى بوترعة^.. قراءة ذكورية

الدكتور خضر محجز | غزة – فلسطين

تقديم منهجي:

ليست لغة الكتابة النسوية مجرد تعبير، بل هي سلوك بيولوجي لجسد يخرج انفعالاته كتابة. أي أن المرأة ــ في هذا النوع من النصوص ــ تنصهر “طبيعة وفكراً وتجربة وإبداعاً في جسد الكتابة”(1)؛ فتكتب انفعالات جسدها بجسدها، حيث يغدو الإبداع فعلاً، يتصف بما في الأفعال، من توتر وحركة ونمو؛ الأمر الذي يعني أن اللغة الخارجية لا يمكن لها وصف سيرورة هذا الفعل، بل اللغة الشاردة المتمردة، المكلفة بالتعبير عن الجانب البري الجامح في شخصية المرأة.(2).

في كتابة الجسد (writing the body) تحاول ذات الأنثى إقامة معادل موضوعي، يحقق توقها المقموع إلى التحرر الخالص، من خلال الكلام المنبثق من أعماق اللاشعور. إن أعماقها المجهولة لديها ترغب في تحقيق الشكل الأمثل للقصيدة، الشعر الخالص، الانطلاق خارج بوابة اللاشعور المغلقة. لكنها سرعان ما تواجَه بالشعور، الحارس المتيقظ عند البوابة، فيحور كلامها ويعيد إنتاجه ليوافق متطلبات الخروج إلى العلن. وهكذا تقع الذات بين توترين كلاهما مستحيل الإرضاء: توتر الجسد، وعلاقات المجتمع. وبقدر ما يستطيع كلامها الداخلي أن يتفلت، يكتب جسدها. وبقدر ما يخضع كلامها للرقيب، يكتب وعيها. الجسد والوعي متناقضان هنا، بل متصارعان. من هنا يأتي النص النسوي واقعاً في شراك مأزق لا فكاك منه. وتلك هي محاولة الوثوب إلى المستحيل، التي تجعل النص النسوي “مشروعاً يستهدف غاية لا سبيل إلى الوصول إليها”(3) بالكامل.

تلك هي حركة التوتر المتصاعدة والمترددة في آن، داخل الذات الشاعرة في القصيدة. وتلك هي أهم ملامح النصوص النسوية الهادفة إلى تحقيق كتابة الجسد. إن كل صعود متمرد في النص هو منطقة بصيرة، وكل تراجع أو نزول تحت وطأة الرقيب هو منطقة عمى. وهذه الدراسة تزعم أنها ستحاول كشف مقدار هذا التباين، في مفاصل النص، بين كل من العمى والبصيرة.

أولاً: الجسد هو اللغة:

أولاً/1: فحص أولي:

تحتوي مدونة الشاعرة على أربع وثلاثين قصيدة نثرية، تم اختيار أربع منها لغرض الدراسة. وقد حكم هذا الاختيار أمران: الأول هو خلوها من الأخطاء النحوية، الموجودة بشكل لافت في قصائد المدونة، والثاني هو ذوق الباحث، إذ رأى فيها شيئاً من التميز الجمالي نسبة إلى الباقي. لكن قبل الخوض في محاولات التفسير للقصائد المختارة، أحببنا أن نستهدي بإحصاء المفردات التي يكثر ترددها في قصائد المدونة، تمهيداً لمقارنة ذلك بما نتوصل إليه في قصائد العينة المختارة. ربما لأننا قد نظن ــ للوهلة الأولى ــ بأن هناك نسقاً دلالياً ما يحكم علاقات نصوص الشاعرة في مجملها.

سنقسم المفردات المترددة بكثرة في المدونة وفق ما تحيل إليه من علاقات في العادة ــ خصوصاً في قصيدة الأنثى العربية ــ وهي: الجسد والروح وما يتردد بينهما.

أولاً/1ــ أ: المفردات المتعلقة بدلالات الجسد:

1ــ الحب: ماء 56 + جسد 22  + ليل 21 + + طين 7 + ظلام 4 + عشق 17 = 127 مرة

2ــ القسوة: دم 23 + جحيم 4 + نار 3 + جمر 3  + لظى 1 = 34 مرة

المجموع الكلي= 161 مرة

أولاً/1ــ ب: المفردات المتعلقة بدلالات الروح:

1ــ التحليق: قلب 33 + روح 18 + سماء 7 + حب 5 = 63 مرة

2ــ الواقع: عشب 6 + ألوان 10 + أزهار 7 = 23

المجموع الكلي= 86 مرة.

أولاً/1ــ ج: العلاقات المترددة بين العلاقتين:

غياب 9 + رحيل 7 + قلق 5 + انتظار 3 + سفر 3 = 27 مرة.

أولاً/1ــ د: النتيجة:

الماء والليل والجسد، هي المفردات الأكثر حضوراً في مجموع قصائد المدونة. لا جرم أن الماء في الليل يحيل إلى الجسد. وهل يأتي الماء إلا بعد كل هذا التطاحن اللذيذ ــ الوقاع في الظلام ــ بين الجسدين؟.

أولاً/2: فحص أكثر تحديداً:

لدينا الآن المجموعة المختارة للدراسة، وهي على التوالي: (الفاكهة والكوابيس مجازان للرّوح ــ صيحة أغصاني ــ كان ليلاً… كان بحراً ــ ومضة عاشقة). وعندما نحاول في البدء إحصاء المفردات الأكثر حضوراً في قصائد المجموعة، سوف نجد أن من الممكن تصنيفها في حزمتين: حزمة العلاقات الناعمة، وحزمة العلاقات الخشنة.

 

أولاً/2ــ أ: حزمة العلاقات الخشنة: الجسد وما يحيل إليه:  

2ــ الجسد (جسد، عشق، قبلة، حواس، دم، ثمالة، خيانة، تفاحة، أنوثة، فاكهة) = 16 مرة.

2ــ الماء (ماء، بحر، طوفان، مطر، جدول، نهر، ندى) = 14 مرة.

3ــ الليل = 9 مرات.

4ــ النار (جحيم، جمر، عرق) = 3 مرات.

المجموع الكلي = 42 مرة.

أولاً/2ــ ب: حزمة العلاقات الناعمة: القلب وما يحيل إليه: 1ــ قلب 2 + روح 4 + عشب 1 + ألوان 1 = 8 مرات.

أولاً/2ــ ج: علاقات مترددة بين الحدين:

قلق 1 + انتظار 1 + قفز 1 = 3 مرات.

أولاً/3: غياب لافت:

مع أن مفردة حب ومشتقاتها حاضرة خمس مرات فقط في قصائد المدونة، إلا أنها غائبة هنا في قصائد هذه العينة.

أولاً/4: نتيجة العينة الرباعية:

سيادة العلاقات القاسية، أو علاقات الجسد، حيث تتردد المفردات المحيلة إليه اثنتين وأربعين مرة، مقابل تأخر علاقات الروح، حيث لا ترد مفرداتها إلا ثماني مرات فقط.

أولاً/5: ملاحظة أخيرة:

أما إذا أردنا تحديد أكثر المفردات حضوراً، فإن النتيجة التي ظهرت لنا في فحص مجموع قصائد المدونة، ستعاود الظهور هنا في العينة الرباعية، مع تغير لافت يؤكد النتيجة السابقة القاضية بسيادة علاقات الجسد، إذ تسود مفردة (جسد) تماماً، فيتكرر حضورها ست عشرة مرة. تليها في ذلك المفردات المحيلة إلى الماء، التي ترد أربع عشرة مرة. والنتيجة أن الماء والجسد هما سيدا الكلام في العينة الدراسية، فيما الماء والليل سيدا الحضور في كامل قصائد المدونة!. ولعمري إنه لتلازم يقول شيئاً هذا الذي يحكم العلاقة بين الماء والجسد والليل، في القصيدة والحياة.

إن هذا التلازم يقول: إن المقصود هو الكبت الجنسي، المتسبب في جوعة لا يزال الوعي البشري يفصح عنها، بأساليب متنوعة من التعمية، تحاول أن تقفز فوق المنغصات. “فالكلام في الظاهر قد لا يكون موضع الاعتبار الكبير، ولكن المحظورات التي تطوقه سرعان ما تكشف عن صلاتها”(4). ونحن نعلم كم يحمل هذا الحشد من الكلمات الخاصة ــ في الوعي العربي وفي قصيدة الأنثى بالذات ــ من المحمولات الجنسية؟. فالماء، في الآية القرآنية، يحيل إلى الدفق لحظة النشوة(5)؛ وفي الحديث النبوي، إلى الاغتسال بعدها(6). والماء غرق وعرق: فهو غرق في جنون اللذة، وهو عرق بازغ من جهد اللذة. وكل ذلك يحدث عادة، لدى الأنثى الشرقية، في الليل، في الخفاء، بعيداً عن الرقابة.

لا تتخلى الأنثى الشرقية عن شرقيتها، وما ورثت عن أمها. ولإثبات ذلك يمكن تذكر كيف كانت النسوة في الماضي، يحرصن على رشق ماء الطشت في الشارع صباحاً، أمام أعين الجارات، على سبيل المباهاة في النهار بما كان في الليل. بل ربما يمكن القول بأنهن ما زلن يفعلن ذلك، في كثير من المناطق الشعبية والقرى. يحدث ذلك في الشعر كما يحدث في الحياة: ماء الطشت في الصباح أنوثة معلنة، كما يصنع نبض الماء أنوثة الشاعرة، في قصيدة ذات عنوان دال، حين تقول: “كانت أنوثتي من صنع يديّ ونبض الماء”(7).

بعد الماء والليل والجسد، تحقق الكلمات المحيلة إلى النار (جحيم، نار، جمر، لظى)، حضوراً يبلغ إحدى عشرة مرة؛ أما في القصائد الأربع المختارة فتحقق حضورها ثلاث مرات. أي أنها تأتي في المرتبة التالية مباشرة. والعلاقة واضحة، فالماء يطفئ النار التي يشعلها الجسد في الليل!. إذن فالماء ليس غرقاً، بل هو نشوة. والجحيم ليس حريقاً، بل هو صراع اللذة ونار العرق والجهد. إن النار هنا لا تُحرق، كما الماء لا يُغرق!. إنهما يجسدان حلم الأنثى بانتصار الماء، انتصار الشهوة، انتصار الجسد المقموع، حتى إن العالم ليتحول إلى ماء ونار يمشي بينهما جسد الشاعرة، بعنفوان أنوثةٍ طال قمعها: “العالم جحيم في آخره أمشي/ لا النّار تحرقني ولا الماء يغرقني/ كطيف أجسد حلم العالم”(8)؛ حيث ينتصر الماء على النار، في نهاية الشوط: “كنت الهزيع الأخير من الخطوة… كنت انتصار الماء”(9).

فإذا ما تابعنا فحص أواليات تتابع الحضور، فسوف نكتشف أن مفردة العشق ومشتقاتها، ترد في قصائد المدونة إحدى عشرة مرة، بعدد يساوي عدد حضور الجسد؛ فيما تحضر في قصائد المجموعة المختارة مرتين: أي أنها تلي مفردتي الجسد والجحيم مباشرة. وإن حضور العشق مع الجسد والجحيم ــ أو بعدهما بترتب ضئيل، سوف ينقلنا حتماً إلى السؤال المتردد: هل العشق ــ في وعي العشاق ــ إلا نار الجسد التي لا يطفئها إلا الماء؟. أينبغي للماء أن يحضر كلما حضر العشق والجسد؟. إنها لملاحظة دالة.

أما إذا ما تذكرنا بأن حضور كلمة (دم) تحضر في قصائد المدونة ثلاثاً وعشرين مرة، ثم أضفنا الدم إلى الجسد العاشق الملتهب ناراً ــ وهو بهذه المعاني خليق ونسيب ــ فسوف ندرك إلى أي مدى تقودنا غواية الالتحام الجسدي، في مدونة الشاعرة!. هو ذا الجسد الأنثوي يعلن بصيرته. فلنحاول فحص كيفية تحقق ذلك في تحليل النصوص الأربعة المختارة.

ثانياً: التفسير النصي:

ثانياً/1: النص الأول: الفاكهة والكوابيس مجازان للرّوح:

“تتقرّح في سميق العمر/ سلّة ملأى كوابيس/ تجادل الفاكهة/ المتدلّية بين جسور/ تخاف سيول الرّيح/ أما/ الرّوح فنسغ/ في مجادب الأرض/ تقفز بين هذا وذاك/ كشهقة/ أضاعت الطريق/ الرّوح تلعق الجمر/ ثملة بخطيئتها/ والجسد يرفع صخر المساحيق/ يبني جدولاً من صخب الزّمان/ وكانت الكوابيس والفاكهة/ مجازين للرّوح/ ينضج فيهما الحلم انعتاقا”.

ثانياً/1ــ أ: سترپتيز (Striptease):

الفن أسلوب شخصي يصوغ العالم والذات كليهما، أو هو كما يقول بودلير: “سحر إيحائي، يحتوي في آن واحد على الموضوع والفاعل: العالم الخارجي بالنسبة إلى الفنان، والفنان نفسه”(10). وإذا كان الأسلوب هو الشخص؛ وكان هذا الشخص جسداً يكتب لمتلقين غير محددين ــ كما هو الحال في النصوص النسوية ــ فلا ريب أننا نحن المتلقين سوف نشعر بحق أننا جمهور نظارة، بين يدي مشهد يُعرض على خشبة، يفصلنا عنها جدار رابع (Fourth wall): أي أننا نشاهد القصيدة المرأة من مسافة. وهذه المسافة كذلك هي إحدى أساليب العرض.

عندما تكون القصيدة أنثى، وموضوعها الحب ــ كما هو النص الذي بين يدينا ــ فسوف يكون بديهياً أن الذكر هو المخاطب بها ومتلقيها في آن، والمسافة تفعل في الذكر المقصى بعيداً أفاعيلها!. حيث يوحي المشهد المعروض بكثير من التصورات الذكورية الخالصة، عن أنثى خالصة، كتبت جسدها نصاً، ثم أخذت تنتظر سماع المديح من ذكور متوهجين. وما ذاك إلا لأن “أشد سحر للنساء نشعر به من بعيد… نتأمله من مسافة. لكن للوصول إلى ذلك، تلزم قبل كل شيء المسافة”(11).

والسؤال الآن هو: ما هو ذلك الشيء، الذي تعرف المرأة أنه يستثير الرجل، فتعرضه عليه؟. أليس جسدها؟. إنه هو ولا شك: فلا ذكرَ يبحث في المرأة عن أهم من ذلك. وكل ما يقوله بعض الرجال عن تفضيلهم لعقلها، لا يعدو كونه أحدى محاولات التمويه، التمويه الخادع للوصول إلى الهدف. ولنضرب لذلك مثلاً بعارضات الأزياء. ماذا تعرض علينا عارضة الأزياء؟. علينا الاعتراف بأنها تعرض جسدها!. لكنها لا تقول ذلك: إنها تقول إنها تعرض ملابسها. إنه نداء الطبيعة، الطبيعة التي يحاول الإنسان المتحضر أن يلتف على مقولاتها الأولى. والقصيدة النسوية في نظر المتلقي ــ الذكر على الأقل ــ هي هذا النداء المكبوت. وحتى الروح عندما تتحدث في قصيدة الأنثى، فإنها لا تعدو كونها رسول الجسد!.

يقول النص إن الروح ليست كائناً نورانياً، مطهراً، قائماً بذاته، مستعلياً على علاقات المادة الأرضية، بل هو مادة لا تجد تحققها إلا من خلال الجسد. وهو دونه مجرد (نسغ في مجادب الأرض)، وهذا النسغ يقفز بين هذه المجادب الأرضية (كشهقة أضاعت الطريق)، وعندما تجد الشهقة هذا الطريق، بعد طول بحث وسط الجدب، وتكتشف أنه جمر، تبادر إلى لعقه بنهم ثمل، متحدية كل عوامل الكبت المقررة أن هذا اللعق خطيئة اجتماعية (ثملة بخطيئتها). وهذه منطقة بصيرة.

تشبه الشاعرة الروح بشهقة. ولأن درس البلاغة قد علمنا مبكراً أن المشبه يتوق إلى الوصول إلى حالة المشبه به؛ فإن هذا التركيب اللغوي في القصيدة يريد أن يقول لنا إن الروح شهقة، وهذه الشهقة لا تتوق إلى الخطيئة فحسب بل هي ثملة بها. أي أنها تصل بها إلى ذروة اللذة. واللذة تحققٌ. لا يتحقق الوصال الجنسي دون لذة، ولا تتحقق اللذة إلا بالخطيئة. إذن فلا يتحقق الروح ــ في خطاب النص ــ إلا بالخطيئة. والخطيئة، التي هي اللذة، لا تتم إلا مع تحرر الجسد من (صخر المساحيق) التجميلية الخادعة، كاشفاً عن عريه الأول، لــ(يبني جدولاً من صخب الزمان).

هكذا تتحقق وحدة الروح والجسد في قصيدة الأنثى، لكن لحساب الجسد، وصرخاته المحمومة الثملة. إذن فالروح النوراني الذي نعرفه لا وجود له هنا. لدينا هنا جسد يتحكم في الروح، لا العكس. أو فلنقل: إن الجسد ينتشر في القصيدة، ويقدم مطالبه الطبيعية الملحة. ولأنها مطالب صاخبة، فهي بطبيعتها لا تستطيع أن تبوح من خلال النثر اليومي، الذي يخدش حياء المجتمع. إذن فلم يعد لها إلا لغة الشعر، فهي القادرة وحدها على البوح الآمن، في مجتمع يقرر مسبقاً أن الشعراء يقولون ما لا يفعلون(12).

يقول نيتشه: “تخجلنا الطبيعة، لأنها تبدو وكأنها تطاولت على ممتلكاتنا، بأدنس الطرق، فنغلق آذاننا حتى لا نسمع صوت الفسيولوجيا، ونقرر ضمنياً: لا أريد أن أسمع بواقع أن الإنسان شيء آخر غير الروح والشكل”(13). ولكي يتضح ما ذهبنا إليه، يمكن تأمل كيفية ورود لفظة (شهقة) في قول الشاعرة: (أما/ الرّوح فنسغ/ في مجادب الأرض/ تقفز بين هذا وذاك/ كشهقة/ أضاعت الطريق/ الرّوح تلعق الجمر/ ثملة بخطيئتها).

للوهلة الأولى سوف تبدهنا حقيقة وقوع الشهقة بين تعبيرين: مجادب الأرض، والروح الثملة بلعق الخطيئة!. وإن هذه لمجاورةٌ لفظية لا تدع لنا خياراً، غير أن نعتبر الشهقة مجازاً يستحضر ارتعاشة الذروة الجنسية.

ثانياً/1ــ ب: صراع الأعماق:

إذن فالأعماق النفسية هنا هي التي تتكلم، اللاشعور هنا هو الذي يقف من وراء الكلمة في العبارة. قلنا: اللاشعور، لأنه المعبر الأمين عن الأعماق النفسية. أما إذا استعرنا لغة علم النفس، فيمكن لنا القول بأن هذا التعبير الشعري (عَرَض). و”إن وجود العَرَض مشروط بإعاقة عملية نفسية عن أن تصل إلى نهايتها الطبيعية؛ بحيث لا يتسنى لها أن تصبح شعورية. فيكون العَرَض بديلاً عن شيء لم يتم ويكتمل”(14).

إن العملية النفسية، التي لم تكتمل هنا، هي تعبير مكبوت، لا يستطيع الخروج إلى العلن، فيشير إلى نفسه بدلالته: إن دلالة الكلمة (شهقة) هنا تحل محل لحظة المواقعة والذروة هناك. نحن هنا أمام الأعماق النفسية، أو اللاشعور. و”الأعماق النفسية هي الطبيعة. والطبيعة هي حياة خلاقة”(15). لهذا يأتي الشعر هنا جميلاً وخلاقاً كما نرى، ولأجل هذا جاءت كل هذه النشاطات اللغوية في القصيدة مجرد مجازات، هدفها تحقيق الهروب من الكبت، وقذف ما هو في اللاشعور إلى الخارج الذي هو القصيدة.

وحين يعزز خطاب القصيدة ما ذهبنا إليه ــ بقوله نصاً، وبعد ذلك مباشرة: (وكانت الكوابيس والفاكهة/ مجازين للرّوح/ ينضج فيهما الحلم انعتاقا) ــ نشعر بكثير من الاطمئنان إلى صحة ما ذهبنا إليه سابقاً: فالكوابيس أحلام مزعجة، والفاكهة حضور الخطيئة، كما هو مقرر في قراءات الميثيولوجيا القديمة للكتاب المقدس(16)؛ والجامع بينهما هو التوق إلى إنكار ما يكون: يقول المجتمع إن الخطيئة كابوس، وتقول القصيدة: مرحى لهذا الكابوس إن كان يحقق حضور الثمرة المحرمة!.

ثانياً/1ــ ج: فوبيا الأعالي (achrophobia):

ورغم ذلك لا تستطيع القصيدة أن تحلق إلا وعينها على المجتمع، أي أنها لا تحقق بصيرتها إلا والعمى يهددها. فلنتأمل (الفاكهة/ المتدلّية بين جسور/ تخاف سيول الرّيح) لنرى كيف أنه لا سبيل للوصول إلى غايةٍ مكتملةٍ لمشروع كتابة الجسد. لقد قلنا ذلك في السابق، ولكننا لم نقل إنه مستحيل التحقق بتاتاً، لأن الوصول الجزئي قد يتحقق بين الفينة والأخرى، في هذه المنطقة من النص أو تلك. وكلما انطلق الجسد إلى الأعلى، محققاً مثل هذا الوصول المنقوص، نظر تحته مرتعباً من هذا العلو الذي لم يتعود على تسلقه، وهو يرى الرقيب الحارس يلوح له من تحت بضرورة النزول.

لن يكون صعباً علينا أن نتأمل كيف رأت الأنثى ذكرها متشوقاً لنوال الفاكهة، المدلاة له من علو، من مسافة!. يبدو لنا الذكر هنا مفعولاً به، أو هكذا تراه بصيرة النص. لكن تأملاً أعمق في صورة هذا التدلي سوف يكشف لنا أن المفعول به هو الفاعل، لأن الفاكهة المدلاة هنا تعاني من رهاب الأماكن العالية. إذن فهذا التدلي لن يستمر طويلاً، لأن الثمرة مدركة أنها واقعة في نهاية المطاف في حضن الذكر. لقد أصعدت الرغبة الجسد إلى الفوق، فيما أخافه تأمل نفسه وهو ينظر من هذا الفوق إلى التحت. ألا يعني هذا “أن هذا العلو يحمل في داخله هشاشته، مقارنة مع الأمان النسبي على الأرض”(17)؟. تقول بصيرة الذات إن الجسد الأنثوي يعلو، فيما يقول عماها ــ الذي ينيره التفسير ــ إن الاستكانة مع الأمان النسبي، أفضل من الخوف مع التمرد الذي لا يوصل إلى نهاية. والنص يدور بين هاتين المنطقتين متردداً.

إنها ليست ملكة النحل التي تعلو، كما أن المجتمع ليس ذكر النحل الذي يلاحقها صعداً، قبل أن تسمح له بنوالها فيموت. الحالة معكوسة هنا: فالذكر ينتظر تحت ملوحاً، واثقاً من نفسه، والأنثى تواصل الصعود لبرهة، ثم لا تلبث أن تتوقف خائفة، تحدث نفسها بالاستجابة لدواعي السقوط.

صحيح أن لغة النص ضاجّةٌ ومتمردة، لكنها لا تستطيع التحقق إلا من وراء الأقنعة. وإن تحقق هذه اللغة المقنّعة ليحمل في طياته دواعي انهياره، بسبب من طبيعة القناع. الشاعرة تتقنع لتبوح، لكنها سرعان ما تخشى من سيطرة القناع على الوجه، فتقرر أن تسمح للوجه بأن يطل من وراء القناع رغبة في البوح، لكن بوحها لا يتحقق إلا جزئياً، بسبب الانضباط الذاتي. والمجاز هو السبيل المتاح لذلك. المجاز تحققٌ منضبطٌ ذاتياً، لأنه غير صريح، ويستطيع التخفي مؤولاً كل ما قاله من قبل. وهذا لا يتأتى إلا إذا كانت لغة النص حاملة في داخلها عوامل انهيارها، كما يقول التفكيكيون(18).

المجاز هنا عمى، يخفي في ظلماته حقيقة الرغبة الواعية بذاتها، وتتوق إلى الانعتاق من رقابة الأنا الأعلى. وهذا ما يعيدنا إلى بداية النص: (تتقرّح في سميق العمر/ سلّة ملأى كوابيس/ تجادل الفاكهة/ المتدلّية بين جسور/ تخاف سيول الرّيح)، إذ يوجز في المفتتح ما سيقوم بعرضه تفصيلاً في المتن: (وكانت الكوابيس والفاكهة/ مجازين للرّوح…).

وإذا كنا نعلم أن كلمة (تتقرّح) في الدارجة التونسية تعني شدة الشوق، فلن يضيرنا ألا نعرف معنى كلمة (سميق) في التركيب اللغوي (سميق العمر). ربما كان السميق يحيل إلى مرحلة زمنية. لكن أياً ما تكون هذه المرحلة، فإن النص محمل بإشارات الإنكار: إنكار ما يتوق إليه الجسد، قبيل مناقشته ــ من بعدُ ــ خلال عرض الأنثى لكلام جسدها في القصيدة: فرغم أن الفاكهة المحرمة متدلية بين جسور خائفة من البوح (سيول الريح)، إلا أن العَرَض لا بد له من الظهور، ليعلن أن كل ما قاله آنفاً إنما هو مجاز، مهمته الالتفاف على بوح اللاشعور المكبوت، ويجب الحفر من تحته عن الحقيقة، التي تقول إن الفاكهة الناضجة المدلاة هي خطيئة الوصال. وبتحققها ينعتق الحلم من إسار التوق، إلى مباشرة الفعل جسدياً؛ فقد علمنا من فرويد مبكراً أن “العَرَض بديل عن شيء لم يتم ويكتمل(19).

سيقول الرجال عن القصيدة إنها جميلة ــ وهذا حق ــ لكنهم لن يقولوا لم هي جميلة، لأنهم لن يقولوا إن سبب ذلك هو ثورة الكبت من خلال اللغة. لقد ظهر لهم المحتوى المكبوت الذي يدغدغ شهوتهم ويطمعها، مع أنهم سوف يظلون مصرين ــ بفعل المواضعات الاجتماعية ــ على تسمية الطبيعة البدائية بأسماء أخرى، أقل مباشرة وأضعف حدة في التعبير عن الحقيقة، التي تقول: “أن لا جدل في أن لفكرة الجميل جذوراً في التهييج الجنسي، وأنه أصلاً [أي الجميل] لا يشير إلى شيء آخر، غير ما يهيج جنسياً”(20).

تتخذ القصيدة لدى الأنثى شكل الجسد: الجسد في الداخل هو المحتوى، والكلمات هي شكل هذا المحتوى. إن صورة المرأة التي تعرض جمالها على الملأ، تثير في الرجال رغبة الامتلاك، رغبة المواقعة الجنسية. وإن هذه الرغبة لتحاول أن تصور نفسها في صورة مقبولة لدى المجتمع، كالصداقة أو الإعجاب. المرأة تعلن أنها لا تتوخى، من عرض جمالها، سوى نيل الإعجاب. والرجل يعلن أنه لا يقصد، من كل إقباله على هذا العرض، سوى الصداقة!. وكلاهما كاذب، ويعلم أنه كاذب. يحدث هذا في الفن كما يحدث في الحياة.

هي ذي الحسية البشرية تحاول التشكل في نظر الذات والآخر!. إنه نوع من الكبت الذي يحقق تنفيسه في تأمل الصورة، وتخيل حدوث فعل، أو مقدمات فعل، ما بعد التأمل، الذي يدعونه ــ يا للسخرية ــ أفلاطونياً!. إن الشهوة الجنسية لامرأة بعينها، تُستبدل ــ ولو مؤقتاً ــ بتأمل صورتها.

إن قصيدة الأنثى هي صورة الأنثى عن جسدها في نظر الذات. وهي إذ تدرك ذلك بغريزتها؛ فإنها تمعن في العرض، لكي تحقق سيطرة أنوثتها على الذكر. ويمكن رؤية مثل ذلك في تأمل علاقة إناث الطيور مع ذكورها. باختصار: كلما توهج الجسد بالكتابة كان التفكير الواعي نشاطاً تالياً لنشاط الغريزة، لا في أواليات الحضور فحسب، بل في القيمة النفعية كذلك. يريد جسد الأنثى أن يقول إنه إذا ما تحكم الوعي في الحياة، دون الغرائز، أفسدها. يقول نيتشه: “الوعي هو آخر طور من أطوار نمو الحياة العضوية؛ وهو بالتالي أقل ما فيها كمالاً، وأكثرها هشاشة. تنبثق عن الحياة الواعية زلات لا تحصى، وأفعال ناقصة تؤدي إلى فناء حيوان أو كائن إنساني قبل أوانه… لو لم يكن موضع الغرائز ــ هذه الفضيلة المنظمة ــ أقوى بكثير من الوعي، لو لم يكن يلعب بالإجمال دور المنظم، لكانت البشرية قد هلكت تحت وطأة أحكامها العبثية، وهذيانها، وطيشها، وسرعة تصديقها. باختصار: لكانت قد هلكت من حياتها الواعية بالذات”(21).

والنتيجة أن النص النسوي هنا هو نوع من عملية بيولوجية متقنعة بالفن، عملية دافعها الغريزة، التي تريد القصيدة أن تقول إنها تتعارض مع الوعي، البصيرة التي تحاول التحرر من قبضة العمى.

ثانياً/2: النص الثاني: صيحة أغصاني:

“القميص يغدو في يدي حجراً/ أبصر العشاق يتناوبون على ذاكرتي… كنت أيقنت في ساعة متأخرة/ أن لليل بلاغة الخيانات… وأن صيحة أغصاني صهاريج بلا ماء. كنت أيقنت أن جسدي والشعراء لا يعبرون النهر دائماً/ وأن الجدارن لا تخون حواس اللّيل. ليس بعد….. ليس للقبلة مفرّ تخرج أحيانا كالماء وأحيانا متوترة. وأحياناً تسعف الحدائق من اتجاه الرّياح. كنت أيقنت أن الجحيم يجهز نفسه لجسد لوثته تفاحة البدء/ ليس بعد. أيّها العابر في البيت الذي يربي المطر والأقمار والمشاكسين. احتضنتك في وجهي المحجوز في الندى… تماما كما العبارة في الألوان/ تماما كما يأتي كفك إلى خلاصة العشب في آخر اللّيل/ هناك فتيان وملائكة لا يثقون بمشهد ملوّث بدم البكاء/ هناك سطوة النّدى تنفلت من القلب”.

ثانياً/2ــ أ: في شعرية الانزياح (deviation):

يقوم التعبير اللغوي على قاعدتين: نحوية وبلاغية. فأما النحوية فتراعي ضرورة تحقق المستوى العادي للغة، وأما البلاغية فتنتهك هذا الاستعمال النحوي قفزاً نحو الأداء الفني(22). وعندما نتأمل في الأسطر الشعرية السابقة، ونرى هذا القفز غير المبرر ــ نحوياً ــ من كل ما سبق عبارة (… ليس بعد…) إليها، ثم هذا الصمت الذي توحي به النقط المترددة قبلها وبعدها؛ ندرك أننا أمام حالة من حالات الانزياح: “المتمثل في وصل فكرتين لا يتوفران على أية علاقة منطقية بينهما”(23).

يهدف الانزياح إلى خلق حالة من الانتهاك ــ أو الانحراف ــ البلاغي في القصيدة: إذ بدأت الشاعرة القول بأن صيحة أغصانها صهاريج بلا ماء، وأن جسدها والشعراء لا يعبرون النهر دائماً، وأن الجدران لا تخون حواس الليل. ثم توقفت عن الكلام المباح لهنيهةٍ صامتةٍ، قبل أن تقول: (ليس بعد)، ثم أتبعت هاتين الكلمتين بصمت مماثل، قبل أن تفاجئنا بوصفها للطريقة التي تتحقق بها القبلة!.

نحوياً، ليس لما قبل عبارة (ليس بعد) صلة نحوية بما بعدها، وكذلك ليس لما بعدها صلة نحوية بها!. إن العبارة (ليس بعد) هنا تقف وحدها معزولة بين صمتين. فلماذا؟. يجب أن يكون الهدف بلاغياً إذن!. ولكي يتضح لنا كيف تحقق هذا الانحراف ــ من النحوية إلى البلاغية ــ فيجب أن نرى كيف جاء الكلام الذي سبق عبارة (ليس بعد) وصفاً تعبيرياً لوعي الشاعرة الداخلي بما حولها، حين قالت: (القميص يغدو في يدي حجراً/ أبصر العشاق يتناوبون على ذاكرتي… كنت أيقنت في ساعة متأخرة/ أن لليل بلاغة الخيانات… وأن صيحة أغصاني صهاريج بلا ماء. كنت أيقنت أن جسدي والشعراء لا يعبرون النهر دائماً/ وأن الجدران لا تخون حواس اللّيل…).

ثانياً/2ــ ب: المفارقة (paradox):

لا تكتفي الشاعرة بالنقط المتكررة في نهاية السطر الشعري، بل تبدأ السطر التالي بنقط متكررة مشابهة، قبل أن تقول: (ليس بعد)!. إن هذا القدوم المتأخر لعبارة الرفض المؤقت هذه، ينشئ مفارقة لغوية هدفها إظهار التمنع الأنثوي ــ المعهود ــ أمام رقصات الذكر المحمومة، لكن إلى حين!. وقد قلنا إن هذا الأداء اللغوي مفارقة، لما نراه من أن النفي الذي تحيل إليه (ليس)، هو نفي صوري، على المخاطَب أن يدرك علاقته بقرينة (بعد).

لدينا هنا مخاطبان في مرحلتين:

1: المخاطَب في المرحلة الأولى وعيها الداخلي، كلامها غير المعلن الموجه إلى ذاتها.

2: أما المخاطَب في المرحلة التالية فآخر، والكلام الموجه إليه معلن.

إذن، فنحن هنا بين يدي أسلوب التفات غير معهود مهمته نقلنا من مخاطب إلى آخر(24). وإن هذا الانتقال ــ الذي يدركه وعي القصيدة ــ يستلزم عدداً من النقط المتتابعة (…) الموحية بالصمت، كتمهيد فاصل يؤكد تغير المخاطَب. ورغم ذلك يبقى هذا القفز بين المخاطبين عنيفاً. وإن شعورنا بهذا القفز (العنيف) من مخاطَب إلى آخر، ومن فكرة إلى أخرى، دون أدوات الربط المعهودة، مرتبط بفكرتنا عن الزمن الضروري لتهيئة المرور، حيث يجد الزمن نفسه متلاشياً فجأة، وتقف الشاعرة وحيدة وسط عواصف جسدها المتمرد، تحاول تأجيل اللحظة المشتهاة، رغبة في استدامتها: إذ كل بداية تقود إلى نهاية. والنهاية ليست مرغوبة الآن. لدينا ها هنا رغبة حادة في التحرر من قيود كل من الزمان والمكان، إلى الحرية، حيث ينفس الجسد من قيود الكبت(25).

ولكي نؤكد ما ذهبنا إليه، يمكن تأمل كيف تكررت عبارة (ليس بعد) مرة أخرى في النص، لكنها جاءت هذه المرة بطريقة أوضح في دلالة تحول الخطاب، من وعي الذات إلى وعي الآخر، بأسلوب الالتفات المعهود ــ القاضي بالعدول من ضمير المتكلم إلى ضمير المخاطب ــ بهذه الطريقة: (كنت أيقنت أن الجحيم يجهز نفسه لجسد لوثته تفاحة البدء/ ليس بعد. أيّها العابر في البيت الذي يربي المطر والأقمار والمشاكسين): فالجحيم ــ الذي هو الرجل ــ يجهز نفسه للجسد: الذي هو المرأة (بدلالة تفاحة البدء)، ثمرة الخطيئة. إلى هنا والكلام من الوعي الداخلي للشاعرة، والمخاطَب به هو الذات بضمير المتكلم (أنا). لكن ورود عبارة (ليس بعد) للمرة الثانية في القصيدة، ثم تغيير المخاطَب ليصبح (هو) حين تقول: (أيها العابر في البيت الذي يربي المطر والأقمار والمشاكسين)، بعد التمهيد بالنقط المتكررة (…) هو الذي يعطينا الإشارة على أن ما قلناه آنفاً، يصلح للتكرار هنا: تكرار محاولة الجسد الأنثوي تأجيل اللحظة المشتهاة، لا رغبة عنها، بل رغبة بها، وحرصاً على استدامتها عبر منعها مما يؤدي بها إلى النفاد.

ثانياً/3: النص الثالث: كان ليلاً… كان بحراً:

“كان ليلاً… كان بحراً/ كان ليلاً بدون شجن الجدران/ وارتجاف العشاق في غرفة قديمة/ كان بحراً. وكنت أسرق النبض من خلاياه النائمة/ وانقشاع الضجر من بصيرته المتلفة/ لم يكن غيري وأنا أخوض الهمس اللّيلي/ كان صوتا يلمّع الوهم/ يوقظني أحيانا من صحو دائخ/ كان ليلاً. يتسلّل بين غرفة ورجفة عاشق/ كنت أنتظر/ كلاما ينحدر من بلاغة الألوان/ ما ليس لي/ قلب يستغيث بالمجازات/ وكفّ يرتدي القلق/ كانت أنوثتي من صنع يدي/ ونبض الماء/ لم أكن أكثر إلحاحاً من/ أصوات تتعثر بعرق الحلم الكادح/ وهذا المدى امرأة يحرّكها الوهم/ كان بحراً. يتسلّل بين دمي ومضيق التأمل”.

ثانياً/3ــ أ: في بنية الشكل:

رغم أن النظرية الأدبية الكلاسيكية ــ المتوارثة منذ الإغريق ــ ظلت حريصة دائماً على رفض اعتبار الشعر الغنائي نوعاً من أنواع المحاكاة، إلا أننا رأينا البحوث السردية الحديثة وقد اختارت وجهة أخرى، إذ وسعت مجال نظرية المحاكاة الأرسطية، بحيث أدرجت فيها الشعر الغنائي الصرف كذلك. يقول جيرار جينيت: “إن الشعر الغنائي كذلك محاكاة، فهو يحاكي الأحاسيس… فالشعر الغنائي يندرج بصفة طبيعية ــ بل وضرورة ــ في المحاكاة، مع فارق وحيد يميزه ويبرره؛ أنها [أي الأحاسيس] الموضوع الخاص به: فالمادة الأساسية لأنواع الشعر الأخرى هي الأحداث، أما الشعر الغنائي فكله مخصص للأحاسيس: إنها موضوعه ومادته الجوهرية”(26).

وإذا كان من الممكن لهذه المقولة، أن توجه حركة تفسير جديدة للقصيدة الغنائية، التي طالما اعتبرتها نظرية المحاكاة(27) ذاتية صرفة؛ فلقد نرى كيف تظهر البنية السردية لقصيدة ضحى بوترعة هذه واضحة، وفق أركانها الخمسة الآتية:

1: الراوي: عاشقة تصوغ خطابها بضمير المتكلم (أنا).

2: الشخصيات: العاشقة ومعشوقها الذي ترى فيه عدداً من الصفات المتراوحة الحضور: فهو تارة ليل وبحر، وهو في أحيان أخرى صوت.

3: الزمن: ليل مستمر.

4: المكان: غرفة قديمة.

5: الحكاية: الشخص نائم بدرجة كافية لإغراء المرأة الوحيدة بسرقة نبض خلاياه وانقشاع ضجر بصيرته. ولأنه ليل مستمر فإن بمقدوره مراوحة التسلل بين غرفة العاشقة ورجفتها، فيما تستمر المرأة في انتظار سماع كلام ليس لها.

وعندما نتمعن في صفات الشخصيتين في النص، فسوف نلاحظ الآتي:

1: هو: ليل، وبحر، وصوت، ويوقظ، ويتسلل.

2: هي: تسرق، وتهمس، وتنتظر، وتتوهم.

هكذا بدت لنا حركة الفعل في القصيدة، أو هكذا تم عرض الشخصيات علينا. ولا شك أن أسلوب العرض هذا يقدم لنا الكيفية التي يتحرك بها الحدث في القصيدة الحكاية: امرأة مشغولة ــ ككل امرأة شرقية ــ بصناعة أنوثتها بيديها، في انتظار عاشقها الأسطوري، الذي فيه من صفات الليل تسلله في دمها وغرفتها ورجفتها، وفيه من صفات البحر اتساعه وماؤه وثورته، فيما يلمع صوته وهمها ويوقظها. أما هي فبيته الذي ينام فيه، لتخوض الهمس الليلي وحدها، وتتسلى بسرقة نبض خلاياه، مواصلة انتظار كلامه وقلبه وكفه!.

ثانياً/3ــ ب: إرادة القوة:

هي ذي المرأة الشرقية بصفاتها النمطية: امرأة تجيد ممارسة صحو سلبي دائخ، في انتظار مجيء القمر لينام في حضنها. وأقسى ما في هذه العلاقة ،هو أنها لا تتوقع منه ــ ولا تتمنى ــ أكثر من ذلك؛ لأنها تدرك في أعماقها أن كلامه وقلبه أكبر من طموحها. إنها لا تراه إلا رجلاً أسطورياً، يتشكل تارة بحراً، وأخرى ليلاً، وثالثة صمتاً!. ولأنه إنسان كوني فيجب أن تقنع بأنه أكبر من يكون لها وحدها. يكفيها أن تنتظر متوهمة هبوط القمر إلى حجرها لينام!.

الأنثى (البيت) تواصل الانتظار والوهم، فيما الذكر (الصياد) يعود بعد العمل إلى إتمام نومه في حضنها!. هي ذي حركة الطبيعة في لاشعور النص: امرأة لازمنية تتمثل مقولة إرادة القوة، في انتظار رجل لازمني تؤمن غريزتها (الطبيعة) بتفوقه، فيما يردد لسانها (الثقافة) مقولات واهمة تنسبها إلى الوعي، الذي بات ــ منذ نيتشه على الأقل ــ غير منفصل عن الغريزة، كما قدمنا في سطور سابقة من هذه الدراسة.

الرجل هنا هو لازمني كذلك، وإلا فمن هو هذا الذي يشار إليه بضمير الغائب، ويقدم له هذا الوصف المبهم: (كان ليلاً، كان بحراً)؟. إن القصيدة لا تقول لنا عنه شيئاً. إن المشار إليه هنا غائب نحوياً وحاضر دلالياً. ولأنه لا مسمى، فإنه يحيل إلى كل الذكور، ولا يحيل إلى رجل بذاته. ولأنه ليس شخصاً معروفاً بعينه، ونجهل هويته، فإننا نستطيع القول بأنه رجل جوهري، موجود في كل زمان ومكان.

إن الأمر هنا يعني أننا في القصيدة أمام مطلق جنس الرجل، في علاقته بمطلق جنس الأنثى. إنهما رمزان لكلية شكل العلاقة بين الرجل والمرأة، في لاشعور الشاعرة. وتأكيداً لذلك يمكن لنا أن نتأمل تعريف ضحى ــ الشاعرة الحداثية ــ للحداثة، باعتبارها “حصان نيتشه”(28)، ثم نقارنه بمقولة فيلسوف القوة نفسه عن الفرق بين الجنسين. فإذا كانت الحداثة في نظر ضحى فرساً ونيتشه هو فارسها، فإن ذلك يعني أن لاشعورها ــ وعي الطبيعة والجسد ــ هو الذي يستحضر قانون الجنسين النيتشوي القائل: “إن طبيعة الرجل هي الإرادة، وطبيعة المرأة هي القبول”(29).

هي ذي النتيجة اللافتة في أكثر ما تردده المرأة عن الحرية والمساواة: إنهما لفظتان يرددهما وعيها في الخطاب المعلن، فيما يقول جسدها في النص ــ أو خطابها المضمر ــ غير ذلك بالمرة. إنها نفس مقولة التعارض الدائم بين الثقافة والطبيعة؛ إذ يحيل الخطاب المعلن إلى الثقافة، فيما يحيل المضمر إلى الطبيعة.

ثانياً/4: النص الرابع: ومضة عاشقة:

“أنا الصوت حين يهب/ في ليلك الوحيد/ وإن خانني فيض الحصى في المسافات/ أقف على بابك أهيئ الأنوثة في الضوء/ وأفق العبارة… سأمشي إليك بأقدام الطوفان في سنوات القحط/ ادخل عبارتي وأمتلئ بي… أيها الهدهد القادم من سفينة نوح/ لن ينحسر الماء ولن تعود”.

ثانياً/4ــ أ: في شعرية العنوان:

إن الأنثى هي التي قدمت هذا النص بعنوانه اللافت: (ومضة عاشقة). ونحن نعرف أن الومضة إشارة، إنها ليست ضوءاً مستمراً ممتداً يفسح الطريق للرؤية، بل هي مجرد لحظة ضوء خاطفة. فلأي شيء كانت هذه الومضة الخاطفة، إن لم تكن تريد أن تقول: انتبه وافهم وحلل وفسر ما لمحت إشارته: هنا جسد جائع يرتدي حلة زائفة من الشبع، والذي يمنعه من إعلان جوعه هو الانضباط الذاتي بقوانين لا يؤمن بها. إنه جسد جائع، والويل للفريسة حين تقع في الشبكة: (لن ينحسر الماء ولن تعود).

ثانياً/4ــ ب: في تعارض الخطابات:

المرأة تهيئ الأنوثة في الضوء وأفق العبارة، فيما هي واقفة على باب الذكر. فهل كان الذكر يهيئ شيئاً مقابلاً، أم أنه ظل مكتفياً بانتظار سقوط الثمرة المحرمة، واثقاً من الفوز بالجائزة عند خط النهاية؟. يقول جان كوهن: “ليس الشعر اللغة الجميلة، لكن الشعر لغة يبدعها الشاعر لأجل أن يقول شيئاً لا يمكن قوله بشكل آخر”(30).

يقول ظاهر الخطاب إن الأنثى تنتظر بالباب، فيما يقول مضمره إن الذكر وراء هذا الباب في الداخل، ينتظر متعالياً وقد اطمأن إلى النتيجة. إنها تهيئ أنوثتها حسياً ولغوياً، وتتحدى في سبيل الحصول على رجلها كل الموانع، ليدخل في جسدها الذي تهيئه على شكل عبارة، تظهر في تشكيل لغوي يقول: (أهيئ الأنوثة في الضوء/ وأفق العبارة). اللغة هي التي تمشي إلى الذكر، في سنوات القحط، باحثة عن الامتلاء، الذي لا يتحقق إلا بدخوله في عبارتها: (ادخل عبارتي وأمتلئ بي)!. ألم نقل إن لغة الجسد، في النصوص النسوية، هي سلوك بيولوجي لجسد ينفس عن كبته بالكتابة!.

العبارة عباءة، بدليل هذا التوافق الصوتي شبه التام، بين الكلمة المكتوبة (عبارتي) والأخرى المضمرة (عباءتي). والأخيرة هي التي تشكل حضوراً أقوى، كما هو كل مضمر في الشعر. على الذكر أن يدخل العباءة الأنثوية ليفر من الطوفان. وإذا كانت الشاعرة ترى في جسدها سفينة نوح، فلم هي واقفة بباب الذكر؟. ولم لا يكون هو الذي يطرق بابها فتتمنع كما هو شأن المرأة في العادة؟. إن سفينة نوح هي التي تمتلئ بالمخلوقات، وليست المخلوقات هي التي تمتلئ بسفينة نوح؛ فلسان الأنثى يقول: (ادخل عبارتي وامتلئ بي)، فيما يقول جسدها: ادخل أيها الهدهد سفينتي لأمتلئ بك. وهكذا يحقق النص حضور الذكر، أكثر مما يحقق خطاب التمرد.

 

ثانياً/4ــ ج: في العمى والبصيرة:

إن هذا التوق الأعمى للامتلاء بالذكر، هو منطقة العمى، التي لا يستطيع النص أن يصرح بها، بسبب من إدراكه القوي بأن ثورته هي ثورة منضبطة في حدود المتاح. إن الأنثى هنا تعبر بالمتاح، رغبة في الوصول إلى غير المتاح. لهذا جاء النص متعامياً، فهو إذ يعلن الثورة والتمرد، ينسى أن لغته تفضح رغبته في الانهدام تحت الذكر. ولتأكيد ذلك دعنا نتأمل قولها: (سأمشي إليك بأقدام الطوفان في سنوات القحط). فرغم أن ظاهر الطوفان هو العنفوان، إلا أن تأمل وعي الثقافة لعلاقته بالقحط، يقدم لنا علاقة معكوسة، وأكثر عمقاً: فرغم أن الدلالة المباشرة لعلاقة الطوفان في العادة هي القوة والافتراس، إلا أن الدلالة غير المباشرة في النص تحيل إلى الضعف والاستكانة: فبدلاً من أن يدهم الطوفان سنوات القحط، نرى سنوات القحط هي التي تأكله، كما هو شأن البقرات السمان اللاتي أكلتها العجاف، والسنبلات الخضر اللاتي أكلتها اليابسات، في قوله تعالى: “وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَات”(31).

الذكر يعاني من سنوات القحط!. فهل نحتاج ــ نحن معشر الذكور ــ إلى ذكاء شديد لنفهم المراد!. الذكر يعاني من الجوع الجنسي، فيما تحاول الأنثى القول بأنها تقدم له الامتلاء، أو الشبع. فبم سيشبع الذكر إن لم يكن بالتهام جسدها؟!. الطريف هنا أن الأنثى لا تزال تستخدم نفس لغة حواء؛ إذ تتمنع وهي الراغبة ــ فالطوفان هو الذي يمشي إلى سنوات القحط لتأكله ــ ثم تتهم الذكور بأنهم يقولونها ما لم تقل!.

ثالثاً: النتائج:

تظهر حركة التفسير صورة الجسد الأنثوي ــ في أعماق وعيه الخافي (اللاشعور) ــ الباحث بجنون عن الإشباع/ الحرية. ورغم أن علاقات الواقع تجعل هذا الإشباع متعذراً في الغالب، إلا أن شهوة التكوين تقوده من عماه إلى مقاربة (الخطيئة/ الانطلاق) كلامياً، فيحقق في الخطاب على الأقل ما يتوق إليه في الحياة.

يصاب الخطاب بالعمى، فيقول نصاً ما ينقضه خطابه: يقول الخطاب إن المرأة لا ترى في الرجل إلا (ذكرها). إنها تحلق وتطير إليه تارة؛ ثم تتعرى أمامه تارة أخرى ــ من مسافة ــ لتلهب حواسه، متعامية عن هذا التناقض بين ما تقول وتفعل، غير مدركة أنها بهذا تؤكد أولوية حكم الطبيعة على وعي الثقافة.

والخلاصة: أن مجمل خطاب الأنثى، في هذه النصوص، مشغول بتقديم الجسد، والرقص حوله ومعه، فيما يواصل الذكر انتظاره الواثق. ولأنه مصور من وعي أنثى، فلقد نراه كائناً خرافياً محاطاً بكل ما من شأنه أن يوقع الأنثى في شباكه آخر الأمر.

مجلة فصول. العدد79. شتاء/ ربيع2011

ــــــــــــــــ

الإحالات:

^ مدونة الشاعرة. رابط:http://dhouhabouteraa.maktoobblog.com /

1ــ نبيلة إبراهيم. النقد الثقافي في إطار النقد النسوي. كتاب لمجموعة من المؤلفين بعنوان: النقد الثقافي والنقد النسوي. سلسلة النقد الأدبي على مشارف القرن(2). إشراف عز الدين إسماعيل. ط1. دار غريب للطباعة والنشر. القاهرة. 2003. ص267

2ــ انظر: نبيلة إبراهيم. نفس المصدر. ص263

3ــ پول دي مان. العمى والبصيرة: مقالات في بلاغة النقد المعاصر. تحرير ڤلاد غوزيتش. ترجمة سعيد الغانمي. المجلس الأعلى للثقافة. المشروع القومي للترجمة. القاهرة. 2000. ص81

4ــ ميشيل فوكو. نقلاً عن: إدوارد سعيد. العالم والنص والناقد. ترجمة عبد الكريم محفوض. دمشق. اتحاد الكتاب العرب. 2000. ص52

5ــ “خلق من ماء دافق” سورة الطارق. آية6

6ــ “إنما الماء من الماء”. صحيح مسلم. تحقيق أبي قتيبة نظر محمد الفاريابي. م1. ط1. دار طيبة. الرياض. 2006. حديث رقم343. ص166

7ــ المدونة. كان ليلاً.. كان بحراً.

8ــ المدونة. جحيم الطوفان.

9ــ المدونة. عزلة الغائب.

10ــ انظر: سوزان برنار. قصيدة النثر. ترجمة زهير مجيد مغامس. مراجعة علي جواد الطاهر. ط2. آفاق الترجمة. الهيئة العامة لقصور الثقافة. القاهرة. 1996. ص63

11ــ فريدريك نيتشه. فريدريك نيتشه. العلم الجذل. ترجمة سعاد حرب. دار المنتخب العربي. بيروت. 2001. ص74

12ــ والإحالة إلى الآية في سورة الشعراء واضحة. كما هي واضحة في الافتتاحية الحسية لقصيدة كعب بن زهير في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم. فلم يكن كعب مستطيعاً أن يقول ما قاله، أمام من قاله، خارج الشعر.

13ــ فريدريك نيتشه. مصدر سبق ذكره. ص72

14ــ سيجموند فرويد. محاضرات تمهيدية في التحليل النفسي. ترجمة أحمد عزت راجح. مراجعة محمد فتحي. مكتبة الأنجلو مصرية. القاهرة. دون تاريخ. ص324

15ــ كارل. ج. يونج. علم النفس التحليلي. ترجمة نهاد خياطة. مكتبة الأسرة. مهرجان القراءة للجميع. القاهرة. 2003. ص344

16ــ انظر: الكتاب المقدس. جمعية الكتاب المقدس في لبنان. بيروت. 1993. سفر التكوين. 3/1ــ7

17ــ پول دي مان. مصدر سبق ذكره. ص83

18ــ انظر: كريستوفر بتلر. التفسير والتفكيك والأيديولوجيا. كتاب لمجموعة من المؤلفين بعنوان: التفسير والتفكيك والأيديولوجيا ودراسات أخرى. ترجمة وتقديم نهاد صليحة. الهيئة المصرية العامة للكتاب. القاهرة. 2000. ص100

19ــ سيجموند فرويد. مصدر سبق ذكره. ص324

20ــ جان بيلمان نويل. التحليل النفسي والأدب. ترجمة حسن المودن. المجلس الأعلى للثقافة. المشروع القومي للترجمة. القاهرة. 1997. ص42

21ــ فريدريك نيتشه. مصدر سبق ذكره. ص41

22ــ انظر: محمد عبد المطلب. البلاغة والأسلوبية. ط1. مكتبة لبنان ناشرون والشركة المصرية العالمية للنشر لونجمان. بيروت والقاهرة. 1994. ص268ــ269.

23ــ جان كوهن. بنية اللغة الشعرية. ترجمة محمد الولي ومحمد العمري. ط1. دار توبقال للنشر. سلسلة المعرفة الأدبية. الدار البيضاء. 1986. ص163 ــ 164

24ــ التعريف القديم للالتفات هو الانتقال: “من الغيبة إلى الخطاب، ومن الخطاب إلى الغيبة، ومن الغيبة إلى التكلم”. (الزمخشري. الكشاف. ط1. ج1. تحقيق عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض. مكتبة العبيكان. الرياض. 1998. ص118ــ119). لكننا هنا نتبنى تعريف يحي العلوي الذي نقله لنا الدكتور محمد عبد المطلب، ويقول بأن الالتفات هو “العدول من أسلوب في الكلام إلى أسلوب آخر”. البلاغة والأسلوبية. مصدر سبق ذكره. ص276

25ــ انظر: سوزان برنار. مصدر سبق ذكره. ص151

26ــ جيرار جينيت. مدخل إلى النص الجامع: بحث في المنهج. ترجمة عبد العزيز شبيل. مراجعة حمادي صمود. المشروع القومي للترجمة. المجلس الأعلى للثقافة. القاهرة. 1999. ص31

27ــ في رأينا أن النقد السردي الحديث لم يستطع أن يخرج من قيود نظرية أرسطو في المحاكاة؛ رغم كل المحاولات التي أتى بها. ولولا تخصص هذا البحث، لألقينا الضوء على عقم مثل هذه المحاولات.

28ــ المدونة. حوار مع الشاعرة بتاريخ 6 مايو 2008 أجراه محمد داني.

29ــ فريدريك نيتشه. مصدر سبق ذكره. ص76

30ــ جان كوهن. مصدر سبق ذكره. ص155

31ــ سورة يوسف. الآية43

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى