الأخلاق أساس رقيّ الشعوب

رحاب يوسف | قاصة وكاتبة تربوية

الأخلاق عنوان رقيّ الشعوب، حثت عليها جميع الأديان، وتغنى بها الشعراء في كلّ زمان، يقول أحمد شوقي:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت

فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
والرسول – صلى الله عليه وسلم – كان من أحسن الناس خُلُقا، فقد قال: “إنما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق”، فقد حدّد بهذه الكلمات الغاية من بعثته، يريد أن يتمّم مكارم الأخلاق في أمته والناس أجمعين، ويريد للبشرية أن تتعامل بقانون الخُلق الحسن الذي ليس فوقه قانون.
أيُّ خُلقٍ هذا؟ كل النصائح التي تتكلم عن الأخلاق لاتُقارَن بالتطبيق النبوي مع أنس ابن مالك؟ فقد مكث أنس بن مالك عشر سنين وهو يخدم الرسول، والرسول – صلى الله عليه وسلم – لمْ يعاتبْه قط “لِمَ فعلت هذا؟ ولِمَ لمْ تفعل هذا؟”.
يعرّف علماء اللغة الخُلق بأنه: “تصرفاتك التي تتصرفها بشكل طبيعي دون تخطيط أو تفكير”، ويلخّص الإمام الماوردي الخُلق فيقول: “صاحب الخُلق الحسن سهل العريكة ليّن الجانب، طَلقُ الوجه، قليل النّفور، طيّب الكلمة”.
لا تعقّد المسائل، أحسِنْ النية، ومرّر القضايا، ولا تجعلها مشكلة، تعامل بسماحة ولين، عندما سُئِلت السيدة عائشة عن أخلاق النبي قالت: “كان خُلقُه القرآن”، فقضية حُسن الخلق ليست هيّنة، ويبلغ صاحبها بها درجة الصائم القائم، أيّ شيء أعظم من هذا؟
يقول الرسول – صلى الله عليه وسلم – : ”إن الله يبغض الفاحش البذيء”، صاحبّ اللسان، القذر، والألفاظ البذيئة الفظّة، يقول الرسول – صلى الله عليه وسلم – : ”إنَّ مِن أَحَبِّكُم إِلَيَّ، وَأَقرَبِكُم مِنِّي مَجلِسًا يَومَ القِيامَةِ أَحَاسِنَكُم أَخلَاقا، وَإِنَّ أَبغَضَكُم إِلَيَّ وَأَبعَدَكُم مِنِّي مَجلِسا يَومَ القِيَامَةِ الثَّرثارُونَ، وَالمُتَشَدِّقُونَ، وَالمُتَفَيهِقُونَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، قَد عَلِمنَا الثَّرثَارين وَالمُتَشَدِّقُينَ، فَمَا المُتَفَيهِقُونَ؟ قَالَ: المُتَكَبِّرُونَ”.

ولو فهمنا الدين بعمق لوجدنا أن الإنسان مهما قصّر مع الله يمكنه أن يعوّض ذلك بمعاملة الناس معاملة حسنة هيّنة ليّنة، لقد لخّص الرسول الأخلاق بقوله: “الدين المعاملة“، إن الأخلاق لا تنفصل عن الدين، والدين ليس فقط صياما وقياما، بل ينبغي التحلّي بأخلاقيات العمل، وأخلاقيات المواطنة، وغيرها.
لا يمكن أن تكون صاحب خُلق إذا تطابقت أخلاقك مع مصالحك، فتختفي الابتسامة، والمعاملة الحسنة في ثانية؛ لأنك افتقدت المصلحة.
هناك نوعيات من الأخلاق لها أولويّة؛ لأن غيابها سلبيٌّ وخطيرٌ جدا، أخلاقية القيادة والقيادة الأخلاقية، أي أنّ صاحب العمل يقود العمل بأخلاق، والمسؤول عنك يقودك بأخلاق .
حُسن الخُلق له أساسان: الأمر بالمعروف، وكفّ الأذى، ويكون كلاهما قولاً وفعلا، ولا يقوم مفهوم الأخلاق الحقيقي ما لم تتوفر أركانه، وأول هذه الأركان: العلم الذي يعرّف الإنسان بمعالي الأخلاق، وثانيها الجود، والجود ليس الكرم، بل نفسٌ سمحةٌ تتنازل عن حظٍّ وحقّ؛ لتطيّب خاطراً، أو تؤلّف قلوبا، أوتطوي صفحة، يقول الله – سبحانه وتعالى–: “وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” (الحشر9)، والركن الثالث هو الصبر، فالصبر يؤسس النفس على الخير، و يعطيها ارتفاعاً في الأخلاق، والرابع هو الطيبة، فطيّب النفس غير معقّد، يرجع ويتراجع بسرعة في أية مشكلة، والركن الخامس هو صحّة الإسلام، والقيم التي يتبناها، والتي تقوده نحو الخير.
أما عن سوء الخلق فله أربعة مصادر، الأول: الجهل، وعلاجه العلم، والثاني: الظلم، كوضع الشيء في غير موضعه، ولم أرَ ظلماً في بلادنا مثل ظلم أرباب العمل للعُمّال، وبعض الموظفين تمرّ عليهم سنة دون أن ينالوا حقوقهم، ولا يلتفت اليهم ربّ العمل، والمصدر الثالث: الشهوة التي قد تظهر على شكل بُخلٍ، أو حِرص وجشع، أو شهوة جسد تَجُرّ إلى انحطاط أخلاقي، وتصرفاتٍ لا أخلاقية تصل إلى درجة الحيوانية، يقول تعالى: ”إن هم كالأنعام بل هم أضل سبيلا“ (الفرقان44)
يمثل احترام الغرب للأخلاق بناءً على خوفهم من الشرطة، ففي إحدى الليالي التي قُطعت فيها الكهرباء عن نيويورك، وصلت السرقات إلى اثنَي بليون دولار، بينما نحن المسلمين تكون أخلاقنا متأصلة، فبعد مرور مئات الأعوام على ظهور الإسلام، لم تُقطع سوى أربع أيادٍ بسبب السرقة.
أما المصدر الرابع فهو الغضب، وعدم التحكم به، فيُطلِق المرءُ العنانَ للغضب دون التفكير في العواقب الوخيمة، فتراه منطلقاً مثل أمواج متلاطمة من السباب والشتم تصل إلى العراك بالأيدي، فخلاصة الأخلاق أن يقيم الإنسان أركانها، ويبتعد عن مصادرها.
هناك حالات تظهر فيها الأخلاق السيئة عندما يتولي الإنسان مناصب عليا، يتكبر وينسى الأهل والأصحاب وتنقلب أخلاقه، والذي يفقد منصباً تظهر أخلاقه السيئة، ليس فقط تجاه الناس، بل تجاه الله أيضاً، وتظهر الأخلاق السيئة لدى الفقير إذا أصبح غنيا، أو العكس، وفي المهموم حين يفقد تفكيره إذا سيطر عليه الهم، وحين يفقد المريض الصبر أيضاً، فتراه يتأفف، ويشتم، ويسب، ويفقد توازنه، وأخطر المواقف التي تظهر فيها سوء الأخلاق عند إخفاء المنطق السيء والبرهان، فتجد مَن يفتقد المنطق والحُجّة يتفاعل بشكل غير عادي؛ لتغطيته جهله بالصراخ والتشنج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى