من أقلام كهنة الشعر نذهب نتجه نحوى طائر الفينيق أسعد الجبوري ومخزونه الابستمولوجية في الشرق الأوسط والعالم العربي

بقلم:  الناقدة  والشاعرة د . هدلا القصار

تعلمنا “أن التمسك بالوطن وخياراته، ميزة كل كاتب مؤثر” كما لدي الأديب و الشاعر والروائي العراقي “أسعد الجبوري، المقيم في الدنمارك، المحمل بهموم الوطن والإنسان على الأرض.. إنه شاعر من طراز فيكتور  هوجو، أكبر الشخصيات تفوقا في أعماله الشعرية والمسرحية والروائية والخطابية…كما استطاع الشاعر أسعد الحبوري، كباحثاً ومترجماً وقارئا أن ينجز أعمالاً  إبداعية متنوعة، تكشف للمتلقي عن كينونة رؤيته الخاصة بمستقبل العالم.

 مما  ساعد الشاعر على  صياغة الحركة الشعرية المحملة بصورة الإنسان، باعتباره قادراً على التحكم في أعمال العقل، وما بداخل الفرد والجنس البشري، الذي غزاه قلم الشاعر المتحدث عن نتائج الشقاء الإنساني، وعزلة الفرد… من خلال موهبة شاعرنا التأملية  التي نقلها للمتلقي، والمتخيل، والمجرد، بوسائله التي تقوم على معالجة مواضيع  كينونات الفرد في المجتمعات العربية والغربية من خلال قدسية الكلمة، ليتوحد جدل الفرد بالإدراك الفلسفي المعبر عن اتجاهه  الواقعي… وليبقى أدبه في طليعة الصفوف، في معادلة ادبية قائمة، ما بين الشرق والغرب. وما بين التاريخيين من رموز الشعر العالمين.

بينما  يقدم الجبوري للقارئ أعماله المصورة  من حياة الشعوب التي مر بها، وما اتسمت به الطبيعة،  واطلاعه على الحقائق التاريخية من مختلف نواحي الحياة، وتتبعه العلاقات القائمة في تاريخ  الشرق والغرب، ونزعته المتطابقة مع الأدب الغربي، مع الحفاظ على نقاط شرقيته  في  مجمل أدبه القائم من  وقائع حياة البشرية، والحقائق والتاريخ  و طبائع البشر  وسخريته الفلسفية  وتصوره  للمجتمع العربي الجاف، وحساسيته المفرطة إزاء العالم المضطرب ، هذا من خلال نصوصه السردية  التي رصدت سيميائي نصوصه المبرمج  .

وكأن الشاعر يمشي على قاعدة الأديب والفيلسوف الشاعر بابلوا نيرودا، في الالتزام الاجتماعي، والدفاع عن قضايا العدل والحرية، كاشف  الحقائق والمظالم التي تواجه الإنسانية…. في ما تشاء كتاباته المحملة بوجدانية ترصد عالم التناقضات والهزائم الاجتماعية في العالم،  كشاعر  متجول في القارات، يجمع من  نكهناته الإبداعية،  نبرته التي تترك للمتلقي المبدع والقارئ إمكانية التفاعل الذاتي مع تجربته القلمية المثيرة للاهتمام… ولعل التعرف عليها يمد المتلقي بماء الوضوء للكشف عن مكامن النفس المعبرة عن كل المشاعر التي يعيشها الفرد  ففي مجمل نصوصه المتنوعة والشجاعة في طرح ما يجب تغييره لمعالجة الواقع من نكسات ادبية انسانية اجتماعية وحى سياسية ومهنية .

يحاول الأديب والشاعر الجبوري أن يطرق باب المتلقي بسعيه لارتقاء الإنسان الى مجتمع متوازن، كما في شجنه وسعيه لخلاص الشعوب من التناقضات والصراعات.. بالبحث عن السلام المفقود من العالم …. ومن هذه الطريق يضع الأديب  الجبوري، أعشاش تجربته في رؤية العالم. وتفكيك أنظمة الداخل الأكثر سرية وعمقا واضطرابا من الواقع الحياتي  .

 بينما نتلمس درجات إيقاعه الذي يخضع لمحولاته الثقافية، التي تتناسب مع لغته الشعرية، وحواسه المنتهي برجفة الجسد وما يذهب بينهما من رؤى واستلهام   .

لذا نرى من الضرورة التقرب من ثقافة هذا الشاعر، والتعرف على مخزون تجربته المكتظة بالمعرفة المتوغلة في الذات، والموضوعات التي تشكل أبرز السيمات الأساسية في المشهد الشعر العالمي والعربي  الحديث في إبداعات فرشت على مائدة اللغة، برموزه معبرة عن موقفه من الحياة التي يرى فيها صور الإنسان المعكوسة.

لننظر من جديد إلى بنية أعماله المغناطيسية، ومنظوماته الأدبية المحتكة بثقافة الغرب الموصولة برنات  الشاعر الملموسة على فم قصائده المتأثرة بفلسفة “هيجل وتيوفيل وجوتيه”، اللذين كشفوا عن أبواب إحساس الفرد وعلاقتهم بالجمال الروحي، والقيمة النفسية، والوجودية المطلقة، وعلاقتهم بالزمكان وتحولاته، كما في تجربة اسعد الجبوري، ومؤثراته الثقافية اللافتة في تميز نصوصه الهلالية، وأسلوب لغته في سرد الحدث لتبدو كبؤرة مركزية منفردة في أعماله الشاملة جميع النواحي الإبداعية والفكرية والفلسفية، على صعيد الوطن العربي والعالمي، لثقافته المعرفية الهامة في إبداعه المحمل بآفاق إنـسانـية واسعة، وشاعرية منصهرة في مـنظوماته “الأنثروبولوجية” وفلسفته العميقة في نسيجه العربي الحضاري، كما تتميزة أعمال الجبوري بالصدق ودقة الوصف، وحسن الطرح، وبراعة تحليل نفسية الشخصيات في كتاباته التصويري، مما جعله يقترب من عظام شعراء الغرب قديماً وحديثاً, أمثال:

 الشاعر البلجيكي رودنباخ، والروسي وفرها يرن وداريو، وأخيراً في نقده الذي يشبه سخرية “مونتسكيو”، من المجتمع في رسائله الفارسية، المشيرة إلى أسطورة بمثلها الشاعر في لحظة التفاعل ….

ليبقى الخيار للكلم الذي شكل أرضيته التي انطلق منها إلى عالم الإبداع في العالمين،  ما  حول  تأثيرات عوامله الداخلية والذاتية، وظروفه الطارئة إلى مكتسبات البيئة المحيطة به وسـط غربة مترامية الأجنحة، رغم بحثه المكثف عن كينونة مكانته التي يستحقها الأديب والشاعر اسعد الجبوري، لأعماله الأدبية، التي قاودتنا  إلى مواقف لا تغيب عن معاناة الإنسان وخارجه الميتافيزيقي، المتمثل بأعمال الشاعر “الاسكتلندي آدمس روبت”، “وجون باربر”، اللذان عالجوا قضايا الإنسان وظروفه الموضوعية، والموضوعات الإنسانية والاجتماعية والسياسية،  وهموم المجتمع الذي ينادي بحلول المسائل الوجودية الأخلاقية والإنسانية، لتقترب ذاته المتعبة من ذات الأخر المنفصلة عنه، مع المحافظة على أصالته العربية العراقية العريقة، والميزات التي نلمسها في تجربته، وتواجده مع معظم شعراء العالم العربي والغربي، على صعيد التجربة الحياتية  وانجذابه نحو تخليد أعمال الفرد ، لنرى تلك المشاعر الاستكانية الهارمونية،في نبرة الشاعر العميقة، واندفاعه العفوي في أعماله الإبداعية، إضافة إلى طلاقاته في الكوميديا الإنسانية، بما أنها أفضل الطرق لبوح الحقيقة ،  ونحن من أنصار الخروج عن المألوف والذهاب الى ما نراه في الأفق، انه كبستان مختلف التراكيب والانماط  في قاموسه وفلسفته التي تلف العالم بفضائه

أن مثل هذا الإبداع لا يستهان  في ترسيخ  ثقافته الشعرية العربية العالمية، التي سنذهب بها للجيل الرابع، من خلال رسائله المفتوحة على عالمه، ونضاله في الادبي  المتعدد المناهج،  ليبدوا  كما لو اننا  تعيش بين الشعر والخيال، وبين الجمال وتذوقه …

 ما دعانا لنتعرف على مسالك تجربة الشاعر وإشاراته، ورموزه، وانفعالات عواطفه، ومحبته وعنفه ودماثته، للمشاركة في تجربته الخارقة التي حولت موضوع الشعر إلى رمز لكل الأشياء في أعماله المتمثلة بالسرد العربي قديما وحديثاً،  من جهة الفكر العربي والعالمي لنجمع من خلالهم جوانبه الفلسفية وتأويلها، وآثارهم على الفكر والمعرفة التي رفعت من شأن مجمل أفكاره .

 لذا نجد معظم أعمال اسعد الجبوري، تمثل فلسفة جان جاك روسو، ودينيس، وديدرو، وفولتير.. وهم من أشهر رجال الأدب في العصر الحديث، كما الجبوري المحلق بأجنحة الفرد في ظل ثقافة إنسانية تستطيع أن توحد التعددية الثقافة، والعقائدية، وطبائعها … إذا يحمل شاعرنا مشروع فكري عربي مستقل في تجربته التي أتت في سياق تطور الفكر العرب، كما صرح في قصيدة ” مقاطع من مياه الكائنات المضطربة” .

حيواني يا غرامي
ستأكلُ ناراً قبل جسدي
فأنا لَيْلتُكَ بالليل
دون بردٍ بشهوةٍ أو دمٍ ينامُ
على سَبورةٍ

أهو عرشٌ أم سفينة تحاولُ الإقلاع
بجسدٍ من مخاطبات الوردِ
فيما المنشغلُ بالتأمل يزدادُ شغفاً
بأنين البئر

2

كأنها الريم ُ في تيهٍ
وخلفها شمسٌ لملامسةِ
أثيرٍ يتشكلُ من مرايا اللحوم

3

الثمرةُ محمولةٌ
ونمرٌ يحاولُ سدّ فراغِ سيدهِ
في رحمٍ
مَهجورٍ في كتابِ الأساطير

4

تريدهُ من الضواري
لا من سلالة القناع
هي المنغمسةُ بالرسم تشريحاً
لآلامٍ تلتهبُ في الأعماق

5

يبحثُ جلجامشُ عن خلودٍ لها في الغابةِ
الزرقاء
فيما هي في حضنِ الزئير
مع السيف تلعبُ

6

تحاولُ الفرارَ من سجنها
فيأتيها الطيرُ بالأكسجين هائماً
وهنا السمواتُ فنادقٌ لأسلحة
الجمال

7

أنا على ظهركَ يا حبّي
بأجنتي وأجنحتي وطاقمِ
الحُراس
فالليلة قَنْصٌ بين طبقاتِ اللُحومِ
العاصفة

8

وما دمنا من العراة
أيها الثملُ
سأتلو عليكَ قصائدي حتى تذوبَ البومةُ
أو يُمحى كتابي

9

كلما ابتعدتَ عني خطوةً
رأيتني على وسادتي
أو في كأسٍ تملؤهُ العينُ
بنبيذٍ مُستخلصٍ من الذكريات

يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى