وحدة العمل الفلسطيني تتوطد عبر التركيز على تحطيم الأبارتهايد

سعيد مضيه | فلسطين

استهل إدوارد سعيد الفصل التاسع من كتاب مذكراته ” خارج المكان” بالفقرة التالية: في مطلع أيلول 1991م، بعد أربعين سنة تماما على مغادرتي الشرق الأوسط الى الولايات كنت في لندن للمشاركة في ندوة دعوت اليها مثقفين وناشطين فلسطينيين عشية مؤتمر مدريد . في أعقاب حرب الخليج، والموقف الانتحاري الذي اتخذته القيادة الفلسطينية بوقوفها الى جانب صدام حسين. كنا في موقع تفاوضي ضعيف جدا. فكان غرضي من الندوة إثارة مجموعة من الموضوعات المشتركة التي من شأنها دفع مسيرتنا الى امام نحو تحقيق حقنا كشعب في تقرير المصير.

توافدنا من أصقاع العالم الفلسطيني – من الضفة الغربية وغزة، ومن الشتات الفلسطيني، من البلدان العربية المختلفة، ومن أوروبا وأميركا الشمالية.على أن المؤتمر انتهى بخيبة مروعة. التكرار اللامتناهي لحجج مألوفة، وعجزُنا عن تحديد هدف جمعي، والرغبة الظاهرة في أن لا نصغي إلا لأصواتنا. باختصار لم ينجم عنه شيء خلا الشعور الاستباقي المخيف بالإخفاق الفلسطيني اللاحق في أوسلو.

وسط الإستراحات في المؤتمر أبلغ إدوارد سعيد خلال مهاتفة مع طبيبه إصابته بمرض “سرطان الدم الليمفاوي المزمن”.غصص وخيبات تراكمت.

من المؤسف أن يتواصل المرَض المزمن الذي شخصه إدوارد سعيد عام 1991، متحكما في العمل الفلسطيني منذ نشأته قبل قرن من الزمن.” التكرار اللامتناهي لحجج مألوفة، وعجزُنا عن تحديد هدف جمعي، والرغبة الظاهرة في أن لا نصغي إلا لأصواتنا ” حمولة ثقيلة كاسدة وفدت مع التنظيمين الرئيسين الى القاهرة، وتلقى التنظيمان ومجمل حركة المقاومة الفلسطينية بسببها اللطمة المهينة.

ما زالت المقاومة الفلسطينية عاجزة ورافضة قراءة الواقع المتشكل في كل مرحلة من نكساتها، لأن فصائلها كافة تجهل المراجعة النقدية والتفكير النقدي، لا تقر بفشل وترفض بذلك تقصي أسباب وعوامل النكسات، وتصر على طرق الأساليب المفضية الى الخيبة.

أثناء ما سمي الانتفاضة الثانية تسارعت فصائل للمشاركة في المواجهة المسلحة في غزة والضفة معا، وانتهت باستباحة الضفة الغربية وشل كل مقاومة لحملة سرقة الأراضي وتوسيع الاستيطان. ورغم عقدين من التفاوض العقيم نجد من جديد الدعوة للمفاوضات. بغض النظر عن الجهة المشرفة فإن تكرارتجرربة التفاوض مقامرة خاسرة لن تسفر إلا عن تفريط يهدر الحقوق الوطنية، أو تحميل الطرف الفلسطيني مسئولية الفشل لأنه لم يبارك لإسرائيل عما اغتصبته، ويرفض نظام الأبارتهايد .

لعل مذكرات الوزير البريطاني السابق، سير آلان دونكان تؤكد أين تقبع سلطة القرارلدى الدول الامبريالية: تقول المذكرات “في البرلمان البريطاني مجموعتان: المحافظون أصدقاء إسرائيل والعمال أصدقاء إسرائيل. يلتقون دوما بالموظف بالسفارة الإسرائيلية بلندن، بشاي ماسوت. حرض هذا على تدميرنائب وزير الخارجية كي لا يكون الوزير المسؤول عن الشرق الأوسط، وافقته المجموعتان. “يجب عدم تعيينه”.

يفسر الحملة ” دعوتي لإنصاف الفلسطينيين ومنحهم حقوقهم”. يقول دونكان، في موقفه تجاه الوضع الفلسطيني” أنا متفق مع السياسة البريطانية المعلنة لكنهم جميعا كاذبون… ثلث أعضاء الحكومة الحالية انتخبوا بدعم المال الإسرائيلي “. ونقل عن المذكرات: “مورست ضغوط منسقة ، هم عازمون على تدمير جميع الدعاة الحقيقيين لنصرة فلسطين ..إنهم يريدون مجرد التقليل من أهمية الشعب الفلسطيني وإخضاعه”.

الوقائع المذكورة بالمذكرات لم تأت على ذكرها الصحافة البريطانية؛ أوردها مات كينارد، صحفي التقصي رئيس مؤسسة “ديكلاسيفايد يو كي” (غير المصنف – المخفي- في المملكة المتحدة) المؤسسة تتقصى ما تغفله الصحافة البريطانية من أدوار تؤديها السياسة البريطانية عبر العالم. استعرض كينارد كتاب مذكرات الوزير البريطاني السابق، دونكان، ويضيف كينارد الى ما سبق منقولا عن كتاب دونكان، في كشف العديد من القضايا الفضائحية، ” عندما كان بوريس جونسون وزير خارجية، كان الاعتقاد السائد أنني سأخلفه إذا حدث شيء له؛ وبذا يجب تدميري… رؤية تظهر الذهنية الإسرائلية”.

في 16 تموز 2016 كتب دونكان ” بدا واضحا أن الجميع وافقوا على أن أكون وزير الخارجية لشئون الشرق الأوسط. أبلغ الوكيل الدائم لوزير الخارجية نأ الجميع قد وافقوا وأنه سيوصي بذلك وزير الخارجية. فجأة تحركت الضغوط لدرجة أن رئيس الوزراء ذهل حين أٌيقن مما عاناه من معارضة لهذا التوجه “.

زار وزير خارجية بريطانيا ، دومينيك راب، إسرائيل للقاء نتنياهو. شكر الأخير رئيس الحكومة البريطانية على ” تأييده القوي بلا تردد” للعدوان على غزة ، ورد راب ” بإمكانك دوما التعويل علينا”. النفوذ الإسرائيلي هنا وهناك لا يستمد من قدراتها ومنجزاتها، حتى أنه لا يستمد من دورها الوظيفي بالمنطقة؛ بل يُستمد من علاقتها العضوية المباشرة الى جانب الحركة الصهيونية، بالاحتكارات الامبريالية، خاصة احتكارات التجمع الصناعي العسكري الأمني، وهذه القوى الاقتصادية الهائلة تتشبث بدور تقرير مصائر العالم.هي التي تعين الكوادر لإدارة السياسة الخارجية لبريطانيا.

مثل الأواني المستطرقة نجد العلاقة مماثلة وبصورة أوضح في الولايات المتحدة، أوجزها الفنان وخبير الاقتصاد السياسي روب أوري، في المثال الواقعي التالي: “ليس بمقدور القادة الساسيين إرغام (احتكار النفط) إكس موبيل على التوافق مع الخطوات المطلوبة لحل مشكلة المناخ..لكن الاحتمال الأكبر أن إكس موبيل تنجح في تغيير القيادة السياسية، ولا تفلح القيادة السياسية في انتزاع تغيرات من جانبها.”

يشرح أوري، خبير الاقتصاد السياسي ظروف تشكل الحالة: بعد خمسة عقود من سيطرة الليبرالية الجديدة أخضعت السياسة لمصالح الاحتكارات؛ ابتداءً من سبعينات القرن الماضي انتعشت رأسمالية الليبرالية الجديدة وضخمت ووترت مشاعر الفاشية، وصعدت شكلا متوحشا من الرأسمال المالي قام بتدمير التخيل المدني وأفرغ الدولة الاجتماعية من المضمون وخلق تشكيلة سياسية جديدة، مسخت الحلم الأميركي المزعوم كابوسا أميركيا. استنادا للنظام فرضت قيود تعطل الذاكرة التاريخية والتفكير النقدي. في نظام التعليم، حظر على المدرسين، باسم” الروح الوطنية” تدريس النظام العنصري بالولايات المتحدة.”

انطلاقا من الواقع المتشكل يبدي الرئيس الأميركي، وهو المتمرس بالسياسة الدولية طوال أربعين عاما في خدمة الاحتكارات، التنكر للحقيقة والموضوعية في أكثر من قضية، إصرارا على متابعة نهج سلفه. حيال الاتفاق النووي مع إيران ما زال متمسكا بالفوقية الأميركية، أو جنون العظمة كما يقول الصينيون. لم يتخل عن سياسة العقوبات. وفي الموضوع اليمني حمّل الحوثيين مسئولية “تعطيل الاتفاق على وقف الحرب”، حيث يريد للمفاوضات اللاحقة المقترحة أن تجري في ظل ضغوط الحصار المحكم والتجويع المتواصلين على شعب اليمن.

كما وافق وزيير خارجية الولايات المتحدة على قرار ترامب ضم الجولان الى إسرائيل، ولكن بمبررات سخيفة. ولا يستبعد ان ينداح الموقف الأميركي على الضفة والمستوطنات غير الشرعية.

وفي مذكرة وجهها مؤخرا نواب بريطانيون منتصرون لجوليان أسانج الى الرئيس الأميركي، وهو يشارك في قمة السبعة، أوردوا “عارض نائب الرئيس، بايدن، عام 2011 اضطهاد أسانج. انت، مثلنا، يجب ان تشعر بالخيبة عندما وجه سلفك تهما تبلغ عقوبتها 175 عاما ضد ناشر مشهور على نطاق العالم.” كتبوا أيضا لبايدن ان قضية أسانج “تضعف حق النشر”، وأن مطاردة أسانج ثم اعتقاله قد تم “بطلب من حكومة الولايات المتحدة “. أسانج لم يزل يقبع في سجن بريطاني رهيب بأمر من الولايات المتحدة.

وقائع تلقي الضوء على حقيقة المجموعة الدولية التي تنشد من خلالها السلطة الفلسطينية انتزاع الحقوق. فما من دولة مستعدة للحزم مع إسرئيل وفرض تنازلات عليها تفضي الى حل عادل يشكم العدوان الإسرائيلي المتواصل؛ ربما تلتزم حيادا منافقا تترك الضعيف ضحية للقوي. ومن ثم لن تلتزم إسرائيل بأي قرارات تعطل مشروعها الاقتلاعي. لن تسفر المفاوضات عن دولة فلسطينية ذات سيادة بعيدة عن النفوذ والتحكم الإسرائيليين. الظروف الراهنة غير مواتية للبحث عن حلول، ويجب تصعيد هبة 18 أيار لتضم إرادات الفلسطينيين في مختلف البقاع.

ان تهميش الفلسطينيين كما حاول ترامب ونتنياهو لم يتغير نتيجة الأحداث الأخيرة؛ وكما بينت الاستفزازات الجارية كل يوم فلم ينتزع الرئيس المصري أثناء تكليفه بالوساطة للتهدئة، أدنى تنازل أو وعد إيجابي من الرئيس الأميركي. اقتصر اتفاق ” التهدئة” على مجرد وقف “الحرب”. وقد رد بالإيجاب القائد الحمساوي أسامة حمدان على سؤال: هل تسلمتم تطمينات بعدول إسرائيل عن محفزات الهبة، وجهه الإعلامي بفضائية الميدان، كمال خلف، في برنامجه مساء الخميس قبيل وقف العدوان على غزة؛ فجاء رده: وهو يبدي الموافقة على “التهدئة”، بمثابة التفكير الرغبي بعيد المنال. اسرائيل واصلت استفزازاتها وعدوانها حيث يسقط الضحايا ويعتقل المنتنفضون بدل الاستجابة لمطالبهم المشروعة.

العلاقة العضوية بين الصهيونية والامبريالية واقع موضوعي تجاهلته قيادات المقاومة الفلسطينية عبر جميع المراحل، وظلت تُصدَم بالهزائم التي أتاحت لإسرائيل قضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، الى أن حاصرت التجمعات الفلسطينية بالمستوطنات والطرق الاستيطانية. هذا التغافل الخطيئة يقتضي أن يعيه أنصار المقاومة المسلحة، ويدمجوه ضمن تعقيدات الموقف الفلسطيني التي يجب التصدي لتفكيكها قبل الوثوب إلى انتزاع الحق في ” فلسطين التاريخية” كاملة ودفعة واحدة وحاسمة! قبل هذا وذاك يجب التذكر أن الاحتلال الإسرائيلي يفرض على شعب فلسطين وقياداته السياسية حالة دونية تتماهى مع فوقية العنصرية الأميركية.

الدعاية الشائعة في أوساط المجتمع اليهودي أن الفلسطينيين أشباه وحوش لا يستحقون دولة. المقاومة الفلسطينية تواجه جدارا منيعا منه تنطلق الحروب العدوانية علي شعوب المنطقة؛ صحيح انه عاجز عن ممارسة دوره الوظيفي العدواني، لكنه قادر على الدفاع، حيث يمتلك القنبلة النووية، فكر في استخدامها أثناء هزيمته في حرب العبور وتحطيم خط بارليف. وهو يلوح بها من أجل فرض البقاء قوة مهيمنة. ما زالت المقاومة الفلسطينية تتعثر وتصاب بالخيبة إن هي حاربت أو فاوضت أو جنحت للتهدئة و”الاعتدال”؛ فهي لم تطرق بجدية تصعيد وتوسيع المقاومة الشعبية، وروابطها ضعيفة بالجماهير الشعبية.

من منطلق فوقية العرق الأبيض والنهج العنصري لحكوماته تساند قوى الامبريالية مجتمعة انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني وترفض إقامة دولته المستقلة. حسب تقديرات ستانلي كوهين، المحامي الدولي، يهودي الديانة، المقيم في نيويورك، “دول الغرب تبرر لإسرائيل نظام التمييز العنصري نظرًا لكونها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.” ويتساءل: “ماهي الديمقراطية؟ الا تتنافى مُثُل الديمقراطية وقيمها مع تلك الممارسات التي روعت ودمرت الشعوب الأصلية في أرجاء أميركا الشمالية؟ أو تلك التي ألهمت تدبير العدوان على مجتمعات في إفريقيا واختطفت المواطنين وحولتهم الى سلعة للبيع كعبيد في أسواق الجنوب الأميركي؟ ومع هذا فديمقراطية إسرائيل لا يشق لها غبار من حيث الكوارث الإجرامية التي أنزلتها بشعب خطيئته انه أقام منذ دهور على الأرض المدعاة وطن الأباء؛ فخلقت بذلك مشكلة دولية “.

باتت العنصرية توجها ملازما للرأسمالية، والعلاقة عضوية بين الرأسمالية والعنصرية . في دراسة للأوضاع الأميركية نشرها الأكاديمي الأميركي هنري غيروكس في 4حزيران، نقل مقتطفا من دراسة روبين كيلي تكشف وتقرر : “الرأسمالية والعنصرية لا تتميز الواحدة عن الأخرى، وان السلالات العرقية هي المبدأ الحاكم للرأسمالية. في ظل هذه الظروف ليس ممكنا القضاء على الرأسمالية، والإطاحة بها بدون القضاء التام على تفوق العرق الأبيض وعلى النظام العنصري الذي أقامته…. وبالمثل تقتضي الضرورة الملحة تحليل كيف أتاحت النيوليبرالية إعادة بروز تفوق العرق الأبيض وقومية العرق الأبيض والعنصرية الممنهجة باعتبارها الأسس لدمج النيوليبرالية مع نسخة محدثة من سياسات الفاشية”.

يبين هذا العرض أن ثورية المقاومة الفلسطينية لا تنسجم مع التوجه لدول الامبريالية والاحتكام اليها. ثورية المقاومة الفلسطينية تحتم العداء للامبريالية ومناهضة عرقية الجنس الأبيض والمشاركة في النضالات الإقليمية والدولية ضد فاشيتها وعدوانيتها وعنصريتها.

انطلاقا من مأزق الحالة الفلسطينية لايجدي القفز على معطيات الواقع ولا الترويع الانهزامي بين أيدي الاحتلال. قدم باتريك كوكبيرن مخرجا من المأزق؛ هو محلل سياسي شهير ومطلع على أوضاع المنطقة، وكان صديقا متعاونا مع الراحل روبرت فيسك وتعرضا معا لعنت شديد من الدوائر الحكومية والإعلامية. أستهل المقالة بتاكيد أن ” حصيلة الحرب على غزة ربما تظهر أن الفلسطينيين لا يمكن تهميشهم وتجاهلهم كما يحاول ترامب ونتنياهو… فالترحيل العدواني والقيود المفروضة حفزت النهوض الوطني في شهر ايار”. يضيف كوكبيرن ” في أي مستقبل سياسي منظور لا ينتظر سوى تجمع بانتوستانات محاصرة”. يورد خلاصة دراسة مفصلة أجرتها منظمة “كارنيجي إندومينت من أجل السلام العالمي “، عنوانها “كسر الوضع القائم بالشرق الأوسط” ، توصي الخلاصة ب “تحرير الشعب الفلسطيني من عمليات مصادرة الأملاك والتمييز وتأكيد حقهم في حرية الحراك. وهذا من شأنه دعم مطالبة بيتسيلم ، المنظمة الإسرائيلية لحقوق الإنسان، وكذلك مطلب هيومان رايتس ووتش، وكلتاهما استنكر نظام الأبارتهايد، الذي يدعم دونية الحالة الفلسطينية”. حقا تصاعدالمقاومة يصعد التضامن الدولي والإقليمي.

اختصار الهدف الاستراتيجي أو توزيعه على مراحل إجراء مألوف في الحركات الثورية؛ إحداث ثغرة بالقلعة خير من الطواف حولها بدون طائل والاكتفاء بالشتائم. وحيث تحول الامكانات الذاتية وترتيب القوى الدولية دون ثني الإرادة الإسرائيلية ، فإن قوة الضغط الشعبي من مختلف أرجاء المعمورة كفيلة بإلزامها الامتثال للقانون الدولي الإنساني وتعطيل التضامن معها. وليس ميزة نضالية التركيز على تحرير فلسطين من النهر الى البحر بينما نعجز في الدفاع عن حرمة الأقصى! تغدو الاستراتيجية الأمثل انتزاع حق تفكيك نظام الأبارتهايد وحق الشعب الفلسطيني بمقتضى القانون الدولي الإنساني، مثلما حدث في جنوب إفريقيا؛ حينئذ يرحل المتطفلون على نظام الأبارتهايد، ويمارسون الاستثمار في أماكن أخرى. وبذلك يحصل النضال الفلسطيني على مجال أرحب لمواصلة النضال.

كأنّ غيروكس يجمل محنة الشعب الفلسطيني، وهو يسرد محنة السود في أميركا في ظل فاشية الليبرالية الجديدة ؛ فالتماهيبارز بين أوضاع الفئتين وقد أدركا ضرورة النضال المشترك: “إن ثقافة القصاص والسخط والعنصرية تتوترحين ينظر الى السود، خاصة، تهديدا للقانون والنظام ، وتسليح الشرطة بأسلحة جد قوية تعززها ثقافة أوحت لضباط الشرطة ان يتعلموا ويفكروا ويتصرفوا كجنود منهمكين في معركة حربية. وقد خدمت الدعوة ل”النظام والقانون” قنابل دخانية تتستر على الممارسات العنصرية والعسكرية للشرطة، تلك التي تساوي بين سلوك السود والإجرام، وفوضت استخدام القوة ضدهم. إنه المبدأ المنظم لذهنية الحرب تطبقها الشرطة في كل أرجاء الولايات المتحدة ، حيث تجرم تصرفات السود”. وسبق أن دمغ ترامب حركات السود بالإرهاب، وأثني على إرهاب الميليشيات التي تقتل المشاركين بالاحتجاجات دون أن يتعرض أحدهم للمساءلة.

يستدرك غيروكس: “لايعني هذاالتقليل من أهمية النضال الذي تخوضه حركات مقاومة بازغة تهدف تحرير الخيال العام من قبضة إيديولوجيا الليبرالية الجديدة وقومية البيض، ومن عسكرة السياسات والعرقية الممنهجة والشعبوية اليمينية”

احتضنت هذه النضالات القضية الفلسطينية وروجتها ضحية نظام الأبارتهايد المدعوم من قبل الدول المتنفذة بالحياة السياسية الدولية. ألهمت الهبة الفلسطينية الشاملة يوم 18 أيار حركة تضامن دولية لم تلهمها دعوات استجداء التضامن والطلب من “المجتمع الدولي أن يقوم بواجبه”؛ إذ أخطرت العالم بنظام عنصري مارس فاشيته ضد الشعب الفلسطيني تنتهك حقوقه الإنسانية الأساس. احتضنت حركة “حياة السود مهمة” القضية الفلسطينية ورفعت في مظاهراتها يافطات حملت الشعار ” حياة الفلسطينيين مهمة”. النضالات المتنامية من أجل المناخ وتلك المناهضة لعنصرية البيض وضد الحروب العدوانية وضد العنصرية الممنهجة كشفت إسرائيل دولة أبارتهايد مارقة، والمظاهرات الحاشدة التي انطلقت استنكارا لهذه الممارسات والنوايا الإحلالية لم تسمح للميديا الرئيسة بالولايات المتحدة أو بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي أن تصمت وتتجاهل ما يجري في فلسطين المحتلة، فضائح سياسية لدولة إسرائيل. اضطرت الميديا الرئيسة نشر انتقادات للاستيطان اليهودي؛ التجمعات الفلسطينية الباقية المقترحة دولة فلسطينية لا تضمن الحياة للدولة، ناهيك عن الازدهار والتنمية ليست سوى معازل شبهت ببانتوستانت عصر الأبارتهايد المندثر في جنوب إفريقيا؛ وإبقاؤها ضمن الواقع الذي خلقه الاحتلال إنما هي مرحلة تليها تضييقات سبل العيش وممارسات العدوان وانتهاك الحقوق المدنية، ترغم الفلسطينيين الى التسليم للمشيئة الصهيونية بالرحيل التام والنهائي عن أرض الوطن.

الآفاق مفتوحة لتوسيع وتعميق الحراك الشعبي وسيلة مامونة النتائج. عندما يتعاظم الحراك الشعبي يستقطب تضامن ذوي الضمائر والمكتوين بنار الفاشية الرأسمالية، وهم ينهضون للنضال. والمقاومة الشعبية مدرسة تعليمية للجماهير اتوقظ وتضوي على ما يغني الوعي بوقائع الحياة الدولية؛ والمقاومة الشعبية تنمي الإدراك بأهمية الديمقراطية والقوة المحولة للجماهير، كما تكشف تمسك الأنظمة الأبوية بالتبعية للامبريالية، ومن ثم خذلان المقاومة الفلسطينية. في كل هبة للجماهير يتكشف تكلس الأنظمة الأبوية في الحكم وكذلك في الأحزاب والفصائل المعنية بالتغيير الاجتماعي. الجماهير تتقدم على الأحزاب لكنها تجهل المخرج للتغيير وتنتكس. الأزمة الراهنة لحركات التحرر في العالم العربي مزدوجة: ازمة الحكم وأزمة قوى التغيير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى