السماوات الرقمية تنهال أدبًا وفنَّا على الرغم من قيود كوفيد

 شيخة الفجرية | سلطنة عمان

تُسجل المصادر التاريخية أسوأ الذكريات في العلاقة بين الجوائح أو الأوبئة وعُمان، إذ قضت هذه الجوائح والأوبئة على 61% من الشعب العُماني في عدة موجات وبائية وجوائح في القرون القليلة الماضية على أبلغ تقدير. واليوم، تعود لتطل علينا جائحة أخرى، هي الأكثر خطورة واتساع وطول مكث، إذ مضى عام على جائحة كورونا وما يزال الناس في هذا العالم بأكمله على صفيح القلق والترقب. وانعكس الضرر كذلك على الفن والأدب، يلخص الكاتب كريستوس تسيولكاس ذلك في قوله: “الآن فقط، بعد انفصالي جسديًا عن أصدقائي وزملائي أدركت مقدار الدعم والإلهام الذي أتلقاه من آرائهم ومحادثتهم وحججهم. غرفة خاصة لكل شخص أمر ضروري، لكنه غير كاف”.

وعليه أقام النادي الثقافي جلسة تستطلع من خلالها تأثير هذا الوباء أو الجائحة المستجدة على الفنانين والأدباء، وكانت الجلسة بعنوان: تأثير جائحة كورونا (كوفيد19) على الأدب والفن.

بدأت الجلسة بسؤالٍ للدكتورة آمنة الربيع عن تأثير الجائحة على الفن التشكيلي، فأجابت الدكتورة فخرية اليحيائي: “أن الفنانين يستطيعوا أن يتأقلموا”. والحديث عن التأقلم في الفن يعيدنا إلى جداريات لوحة “الطاعون” للرسام السويسري أرنولد بوكلين (1827/‏‏1901)، واللوحة الجدارية التي عنوانها “موكب القديس غريغوري” في كنيسة القديس بطرس في روما(1300م)، و”طاعون مرسيليا” (1720) لوحتان للفنان الفرنسي ميشال سيري (1658/‏‏1733)، رُسمت جميعها في ظلِّ الأوبئة تعبيرًا عن تأقلم الرسامين مع الظروف الآنية التي يعيشونها في أي زمن.

في المقابل كانت الصين قائدة التأقلم في الجائحة الراهنة، فهي أول دولة تفرض الحجر الصحي على سكانها، وقدمت خدماتها بالطريقة الرقمية الجديدة لتنهال الإبداعات الفنية على العالم عبر هاشتاغ عديدة في تويتر؛ لاقت شهرة كبيرة في العالم.

 أمَّا عن المسرح، فالمخرج الأردني غنام الغنام يقول: أنه “مختلف”، بسبب العمل الجماعي وصعوبة ذلك في ظلِّ كورونا، وشاطرته الفنانة البحرينية غادة الفيحاني ذات الرأي، ثم تحدثت عن التأثير في جميع أنواع الفنون: “بتجميد الأنشطة، خاصة الأنشطة ذات الحضور الجماهيري” فالمسرح والسينما والمعارض التشكيلية والفنون التعبيرية بدون حضور. ولو جئنا للفعاليات العالمية، مثل مهرجان أدنبرة، الذي لم يتوقف منذ انطلق بعد الحرب العالمية الثانية، ولكنه أغلق بسبب كورونا. وسارت على نهجه جميع المهرجانات والعروض والمسرحيات الأوركسترالية ومهرجانات وحفلات توزيع الجوائز ومعارض الكتاب في العالم، مما أدى إلى التدفق المباشر المجاني عبر الإنترنت للكتب  وللعروض المسجلة سابقًا؛ وشاهد العالم عروضًا مسائية من أوبرا متروبوليتان في نيويورك، و أوبرا دير رينغ ديس نيبلنغين، و شركة بولشوي باليه في موسكو، وكذلك فعل همايون شجريان ببث قطع أوركسترالية بالتعاون مع الفنانة عبير نعمة في لبنان عبر الانترنيت وكذلك فعل فنانون مختلف الأفكار الفنية عبر العالم كان أبرزها وأشهرها موسيقى الشرفات التي انتقلت فكرتها في العديد من العواصم.

وعن الأدب، قال الشاعر الدكتور أحمد الهلالي؛ إن: “كورونا أو كوفيد عندما أتى، انقسم الأدباء والشعراء تجاهه إلى قسمين، قسم استبد به القلق والترقب، وعزف حتى عن كتابة الإبداع، أو تحاشى أن يكتب فيما يخص كورونا تحديدًا، وهناك شعراء عبَّروا عن أحاسيسهم ومشاعرهم تجاه هذه الجائحة الكونية”. الدكتور سعيد السيابي بدوره وافق كل من تحدثوا عن الصعوبات، على الرغم من أن أكثر أمرين تمت متابعتها في ظلَّ هذه الأزمة كانت “الأخبار عن هذا المرض، والأعمال الدرامية”، وهنا ينبّه الدكتور السيابي عن واحدة من فوائد الدراما. فقد ساهمت الدراما السينمائية والتلفازية والإذاعية المتسربة عبر وسائل التواصل الاجتماعي واليوتيوب على إشغال الناس بمتابعتها في ظل الفراغ الكبير الذي فرضته الجائحة عليهم. على الرغم مما حلَّ بهذا القطاع من خسائر فادحة بلغت عشرات المليارات بمقدار 40% من الأرباح (مقارنةً مع 2019)، إثر تعليق إنتاج الأفلام والمسلسلات، وظهرت أفكار مربحة جديدة وكانت مربحة جدًا، بدأتها استديوهات يونيفرسال، وشركة إتش بي أو، ونتفليكس وهي تأجير الأفلام برسوم فورية أو شهرية، من خلال عرضها مباشرةً بشكل رقمي.

وإذ تُعدُّ الجوائح صنو الظلم والجور، فإن كتب التاريخ تحتفظ بالعديد من الأحداث انتهت بوباءٍ أو جائحة، منها: الحرب بين حلفاء أثينا وحلفاء إسبرطة(عام 430 ق م). و الإلياذة حيث تبدأ أحداثها بأن يأسر أجاممنون بنت قسيس للإله أبولو، فيتفشى الطاعون في جيش اليونان كما جاء في النصوص الأدبية اليونانية، وهو ذات الأمر  في رائعة سوفوكليس “أوديب ملكاً”(ق5/ ق م)، و” صحيفة يوم الطاعون 1722م ” للإنجليزي دانييل ديفو (1660-1731)، و” قناع الموت الأحمر “، نشرت في عام 1842، للروائي الأميركي إدغار آلان بو (1809-1849)، ورواية “الخطيبان” و”تاريخ عمود العار”، للروائي الإيطالي أليساندرو مانزوني (1785-1873)، ورواية “الطاعون القرمزي”1912، والتي كتبها جاك لندن، وكذلك رواية” الطاعون” لألبير كامو (1913-1960) الحائز جائزة نوبل في الأدب الفرنسي والذي قال: “الواقع أن أحدا لم يفكر في أن يتحرك ما دام كل طبيب لم يقف إلا على حالتين أو ثلاث، ولكن كان بحسب بعضهم أن يفكر بجمع الأرقام فيذعر ويبهت”. 

وفي العصر العربي الحديث، تصدرت شهرت قصيدة الشاعرة “نازك الملائكة” قصيدة “الكوليرا”، على غرار ذلك انتشرت رواية “الحب في زمن الكوليرا” لجابرييل غارسيا ماركيز، كذلك رواية “استئصال” للروائي طاهر بن جلون، ويقول المؤلف جيمس باترسون عن الكتب: “أعتقد أن الكتب ضرورية جدًا، فهي تجعلنا بشرًا أكثر لطفًا وتعاطفًا. ولديها القدرة على إبعادنا -حتى للحظات- عن الشعور بالإرهاق والقلق والخوف”. هذا ما فعله ويفعله الجلوس الإجباري في البيت، فالسماوات الرقمية تنهال أدبًا وفنَّا على الرغم من الظروف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى