الثّقافة وعبادة العجول

 

جميل السلحوت | فلسطين

        في ثقافتنا الشّعبيّة أمثال وحكايات أفرزتها الطّبقات المستبّدة التي خرّبت البلاد وأهلكت العباد، ومع أنّ الطبقات المستبدّة والنّفعيّة انسلخت عن تراث شعوبها، إلا أنّها رسّخت ثقافة الخنوع لعامّة النّاس، ومن هنا فإنّ كثيرين يردّدونها باستهبال واضح حتّى أصبحت سلوكا ومنها: ” اللي يتجوّز أمّي هو عمّي”و “حُط راسك مع هالرّوس وقول يا قطّاع الرّوس” و”اليد اللي ما بتقدر تقطعها بوسها وادعِ عليها بالقطع” و”إذا لقيت ناس يعبدوا عجل حشّ واطعمه” و”اخدمني وأنا سيدك”وغيرها كثير. وبما أنّ شعوبنا بمسلميها ومسيحيّيها في غالبيّتها متديّنة، فإنّها لم تأخذ بدينها لمحاربة الفساد، فثقافتنا الدّينيّة تقول:” من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان” وبما أنّ ثقافة التّغيير باليد أصبحت في خبر كان عند حكومات العربان وعند شعوبهم، فإنّ البعض يعتبر ثقافة التّغيير باللسان تشهيرا غير لائق، أمّا ثقافة التّغيير بالقلب فتلك أمور فيها “خيانة للضّمير”!، وبالتّالي فإنّنا استسغنا “عبادة العجول” مع ما تحمله من شرك وكفر، ومع أنّ المطلوب أن لا “نحشّ للعجل المعبود ولا نطعمه” بل نهدي عبدته ونذبح العجل ونأكله وإيّاهم. وهذا ما لا يحصل عندنا.

         وقد يغضب البعض من هذا الكلام، ولا يحبّ سماعه انطلاقا من ثقافة الخنوع المستأصلة؛ لذا فإنّ الفساد يستشري في الكثير من مؤسّساتنا الثّقافيّة وغير الثّقافيّة، وهو واضح للعيان، لكنّ المفسدين يواصلون ممارسة الفساد والتّخريب، والأنكى من هذا كلّه أنّ بعضهم على قناعة تامّة بأنّه على حقّ، وأنّ ابتعاده عن المؤسّسة قد يكون سببا في إغلاقها وانهائها، وبالتّالي فإنّه يخرق دستور ولوائح مؤسّسته، ولا يؤمن بالانتخابات إلا لمرّة واحدة وهي التي أوصلته إلى دفّة الإدارة. خصوصا وأنّه لا يجد من يحاسبه، أو يوقفه عند حدوده، أي أنّه ” يتفرعن لعدم وجود من يردعه عن فرعنته” وامعانا منه في “الفرعنة” والاستمراريّة فإنّه يحصر عضويّة الهيئة العامّة في المؤسّسة بأفراد من شاكلته “يحشّون لعجله ويطعمونه” وإذا ما غيّبه الموت فإنّ البدائل له من هذه الشاكلة جاهزة، ولنبقى ندور في حلقة مفرغة، وكأنّ المؤسّسات العامة ملكيّة خاصّة لبعض العائلات المتنفّذة، مع أنّ بعضها له تاريخ أسود.

       وعندما تقع مؤسّسات “عبدة العجول” في مآزق ماليّة، فإنّ البحث يجري حول كيفيّة حلّ هذه المشاكل دون البحث عن أسبابها، لنعود مرّة أخرى لتسمين”عجولنا”.

    وعبادة العجول تذكّرني بما يروى:

” أنّه كان في نيودلهي سفير بريطانيا يمرُّ بسيّارته مع قنصل بلاده حين رأى شابّا جامعيّا يركل بقرة، فأمر السّفير سائقه بأن يتوقّف بسرعة، ونزل من السّيّارة مُسرعا باتّجاه البقرة “المقدّسة”؛ ليدفع عنها الشّابّ صارخًا في وجهه، ويمسّد على جسدها طالبًا الصّفح والمغفرة وسط دهشة المارّة الذين إجتمعوا بعد سماع صراخه.

ووسط ذهول الحاضرين اغتسل السّفير البريطانيّ ببول البقرة، ومسح به وجهه، فما كان من المارّة إلا أن يسجدوا تقديرا لربّهم البقرة، ذلك الربُّ الذي سجد له الغريب، وأتوا بعدها بالشّابّ الذي ركلها؛ ليسحقوه أمام البقرة انتقاما لقدس مقامها ورفعة جلالها!

وبربطته وقميصه المُبلّل بالبول وشعره المنثور عاد السّفير ليركب سيارة السّفارة إلى جانب القنصل الذي بادره السّؤال عن سبب مافعله، وهل هو مقتنع حقّا بعقيدة عبادة البقر؟

فأجابه السّفير: ركلة الشّابّ للبقرة هي صحوة وركلة للعقيدة التي نريدها! ولو سمحنا للهنود بركل العقائد، لتقدّمت الهند 50 عاما إلى الأمام. وحينها سنخسر وجودنا ومصالحنا الحيويّة، فواجبنا الوظيفيّ هنا، أن لا نسمح بذلك أبدا؛ لأنّنا نُدرك بأنّ الجهل والخرافة وسفاهة العقيدة هي جيوشنا في تسخير المجتمعات.”

     وبغضّ النّظر عن صحّة هذه الحكاية أو عدمه، إلا أنّها تحمل في طيّاتها معنى عميقا، وهي أنّ الهبل والخرافات تغييب للعقول ومفسدة للبشر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى