ابتهالات

د. خضر محجز | فلسطين

ما قاله أبو منصور الحلاج لربه في الليلة الأخيرة “قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ” الأنعام164

يا ربي ورب كل شيء، من صالح وطالح، مؤمن وكافر، طائع وعاصٍ.. يا إلهي وإله كل الخطائين والمذنبين، والتائبين والمصرين: هذا أنا عبدك الضعيف، أتوجه إليك بعدما غلقت الأبواب إلا بابك.
يا إله الصالحين والصالحات، والمومسات والبغايا وضاربي البانجو: احفظ يا رب السلطان الذي يغضب من مديحي له، ولا أجرؤ على ذكر اسمه ـ وأنت تعرفه ـ لشدة تواضعه، وحرصه على أن لا تعلم يمينه ما قدمت شماله، حتى لا تقطعها.
يا إله المحرومين والنهابين ومقطوعي الأصل والفصل: احفظ يا رب عبدك السلطان الغازي في البر والبحر وعلى الطرقات، وسدد رمية جنوده، وسلطهم على أعدائهم الخونة، حتى يقتلوهم على قارعة الطريق، ثم يستنكرون.
يا إله الشرفاء ومغتصبي القاصرات ومدمني الأفيون: احفظ يا رب عبدك السلطان وتنابلته فرداً فرداً، حتى يمتعوه ويمتعهم،. واحفظ وجوههم النيرة من كل سوء، لأنها كل ما يمتلكون، ووسع لهم بطونهم ليأكلوا اللحم المشوي، ثم فليمت الشعب المحاصر جوعاً، لأنه لا يعرف لمولاي حقه في الخلافة.
يا إله العلماء الحكماء والوعاظ الحمقى، وموزعي الكوبونات قبل صلاة الصبح على الأنصار: احفظ يا رب رؤساء بلاط الديوان السلطاني، حتى يمسح بهم جلالته البلاط، عندما يغلق أبناء القردة والخنازير معبر إيرز، ولا يسمحون بدخول المماسح وفوط البامبرز وكوتكس النسوان.
يا إله الناجحين الموثوقين، وإله الساقطين في الانتخابات، ويا إله القانعين والمزواجين المعنونين، وممارسي الجنس في خيالاتهم: احفظ يا رب المنافقين والتنابلة وبائعي الولاءات، وزد عددهم، واجعلهم يلعقون حذاء السلطان، طمعاً في ترقية لن ينالوها، لأن مولاي السلطان الحكيم ـ أطال الله بقاءه ـ بطبيعته يحتقر المنافقين في قرارة نفسه، ويعرف أنهم سينالونه فور مغادرته قصر الآستانة قريباً. فاللهم اجعل هذا القريب بعيداً قدر الإمكان، حتى يتمكن مولاي السلطان من أن يشفي صدره، من كل من قال فيه ما لا يعرفه عن نفسه، وما لا نعرفه عنه، وحتى تنشق صدور كل من أحبوا زوال نعمته عن مولاي… يا الله يا الله يا الله.
يا ربي ويا رب الرؤوفين الرحماء، والأفظاظ الغليظين، وكاسري الكاميرات، وحارقي الخيام، وشاتمي ناخبيهم، ويا إله الصادقين البسطاء، وإله حاملي الشهادات المزيفة، والنسوة المتصابيات اللائي يشددن ترهلات مؤخراتهن بالمشدات: احفظ يا رب سلطان البر والبحر، عبدك الغازي في سبيلك، وماحق أعدائك، السلطان الذي تعرفه ولا أجرؤ على ذكر اسمه، حتى يفرض الشعائر الإسلامية على الناس، ويطلب الشهادات من العجائز الفانيات، فيأتينه بالحجاب، فينتشر الحجاب بدل الشهادات، والتقوى بدل العلم الدنيوي الكاذب، وحسن الظن بدل الشفافية.. ويمحق الله التهتك والمتهتكات، ويعز دين السلطان، ويكبت أعداءه الذين يقولون فيه ما ليس فيه، ويصفونه بقبح المظهر والمخبر، رغم أنه أجمل شخص رأته عيناي.
يا إله العصافير والحدائق وحبات القمح، ويا إله المطر والورد والربيع وضحكات الأطفال.. ويا إله الكلاب والضباب وبنات آوى والسحالي والعظاءات والحراذين، التي كان السلطان يمسح يديه في دمائها، لكي لا يؤثر فيه ضرب المؤدب في الصغر: احفظ يا رب سلطان السلاطين، ولا تلهمه العفو عن مؤدبه، الذي ما زال سجيناً منذ توليه العرش، فلقد لا يكفي هذا المؤدب الغبي أن يظل سجيناً مدى الدهر، جزاء كل تلك الصفعات القاسية التي كان يكيلها للسلطان في الزمن الماضي، قبل ولايته الحميدة.
يا إلهي أيها الرحمن الرحيم.. يا إلهي أيها الملك القدوس، يا إلهي أيها العليم البصير.. يا إلهي يا الله: ها هو العيد يهل، وها هو السلطان يشبع وأجوع، ويشتري أولاده الهدايا الملونة، ويتحسر أطفالي على قطعة حلوى.. ها هو السلطان ينام مطمئناً وأخاف، ويقيم الاحتفالات ويدعو إليها المتخمين.. يا إلهي الرحيم التواب: أرجوك أن تتصرف بطريقة تمنع هذا السلطان الغبي من قراءة ما أقوله هنا، لأنني أنوي أن أكشف قبحه وغباءه وقلة أصله، وأن أقول له إنه: أحقر من فأر دهسته سيارة، وأقبح من ضب جائع، وأكذب من كلب جريح، وأكثر شبقاً من حمار يجري وراء أتان في السوق، وأحقد من مومس لم يدفعوا لها الأجرة، وأكثر بذاءة من امرأة يعاني زوجها العنّة.
فأما إذا قررتَ، يا إلهي العزيز الحكيم، أن تتركه يقرأ كلماتي هذه، فأرجوك أن تتصرف بطريقة تمنعه من فهم ما أقول هنا؛ فأنت تعلم أنه ـ رغم غبائه الفطري ـ يستطيع الفهم أحياناً خصوصاً عندما يكون لديه مستشارون صغار يكرهون أنفسهم ويحقدون عليك لأنك خلقهم تافهين. فكيف سيفعلون مع شخص ضعيف مثلي، وهم يعلمون كم هي الحمر المستنفرة التي يستطيعون أن ينخسوها لترفسني!

شيئاً آخر أرجوه منك يا إلهي الستار الحليم، هو أن تشغل تنابلة السلطان عني بجلودهم:

سلط التينيا على أعضائهم التناسلية، لكي ينشغلوا بهرشها عن هرشي، وبتغطيتها بالدهون والمراهم بدل تغطيتي بالأكاذيب، وأمر فطريات التينيا أن تنشط في شغلها على أعضائهم الضامرة، حتى في الشتاء، ليمشوا مباعدين ما بين أفخاذهم الملتهبة، ويرتدوا جلابياتهم من دون سراويل، فتدخل الريح الباردة أستاههم، ويزدادون مرضاً وعنّةً. ثم ارزق زوجاتهم التقزز منهم، ليطردنهم خارج الأسرّة. وامنع عنهم ـ يا إلهي الجميل ـ العلاج: فلا ترزقهم بطبيب ولا (حوفيش)، ولا ممرضة عجزاء تقودهم إلى العيادة. ولترزق عيونهم حولاً دائماً يمنعهم من النظر إلى تداول الفلقتين.. أما إذا قررت يا إلهي أن ترزقهم ـ برغم رجائي ـ طبيباً، فاجعل قلبه قاسياً، يأمرهم بالاستحمام الذي يكرهونه، وينظر إلى أعضائهم المصابة بتقزز واحتقار، ثم فليطردهم يا إلهي شر طردة، أمام الممرضة العجزاء، لتسخر منهم.. وهكذا يا إلهي ينسون الترقية، ويتحولون إلى حمير قبرصية ترفس بقوة وعناد، لأنني أعتقد بأن هذا أجدى لهم من كل هذا الصغار المجاني، الذي يمارسونه في الليل والنهار وساعة الفطور وعند السحور، وقبل أن يناموا على أسرتهم المهجورة.

يا إلهي الرحمن الرحيم: هناك شيء آخر أرجوك أن تقوم بفعله، لأجل هذا الشعب المنهوب، هو: أن تأخذ عندك (إلى الجنة) كل هؤلاء الذين يضحكون علينا بها، وأن تعجل بذلك قبل أن يسخروا من هذا الشعب، وينهبوا منه راتب سلطان متقاعد، لمجرد أن حزبهم قد سماهم لذلك حتى لا يحردوا؛ فأنت ولا شك، يا إلهي الجميل، تعلم أنهم مجرد لصوص يلبسون ربطات العنق، كما تعلم يا ربي أن عددهم صار يتكاثر في الآونة الأخيرة، كما الأحذية الصينية. لأنني يا إلهي لا أعرف كيف يمكن لهذا الشعب المنكوب أن يوفر لهم هذه المرتبات المسروقة، طوال حيواتهم التافهة، التي لا تنذر بانقضاء في الوقت الحالي، مع أن أموالهم كلها من المساعدات الخارجية. فإن قررت، يا إلهي العليم الحكيم، أن تضرب برجائي هذا عرض الحائط، وتسمح لهم ـ لحكمة لا أعلمها ـ بالاستمرار في هذا النهب المنظم، فاجعل حياتهم قصيرة، حتى نستطيع أن نوزع ما تخلف من سرقاتهم على الفقراء، الذين لا يجدون ما يأكلون.

إلهي: إنهم يأكلون سمك الولكس، وأنا لا أجد الزعتر.. ويشوون الخراف، وأنا لا أجد ثمن أنبوبة الغاز.. ويرتدون ربطات العنق الباريسية، وأنا لا أجد ثمن قميص لابني يذهب به إلى المدرسة.. ويركبون السيارات الفارهة، وأنا أذهب إلى دوامي مشياً على قدمي.. ويعددون الزوجات ويستصغرونهن ويغرون أهاليهن بالعيش الوفير، وأنا لا أجد لابني من ترضى به لعدم قدرته على توفير غرفة أسبست في المخيم.. ويرمون ما يزيد من وراء مآدبهم الفاخرة في المزابل، وأنا أنظف صحن الفول من بقاياه.. ويشربون المياه المعدنية المستوردة، وأنا لا أجد إلا ماء الحنفية المالح.. ثم إنهم، يا إلهي، يهجرون بيوت المخيم ويسكنون أرقى الأحياء. ويتركون أهلهم يذوون من ورائهم. ثم يحذروننا من عقوق الوالدين.

يا إلهي: بالأمس اعتدوا علي لأنني مررت من جانب خيمة الاعتصام، وهتفوا “الله أكبر”.. فهل أنت راض عن هذا الاستخدام المخل لاسمك العلي؟!. وأمس الأول كسروا كاميرا الصحفي، وهم يهتفون بأن العزة لك.. فهل كانت كاميرا الصحفي المسكين مهددة لعزتك؟.. أعيذك من كل هذا الهراء. وأعيذك من أن تتركهم يستغلون اسمك لتأسيس البنوك وتمزيق ما تبقى من نسيجنا الاجتماعي.

يا رب.. يا إلهي وإله كل هؤلاء الجوعى على أبواب العيد: أرجوك أن تلهم ملوك الخليج منع إرسال صدقاتهم إلى هذه الجمعيات، التي يتقاتلون عليها، فأنا لا أعرف لماذا يتصارعون بينهم على تولي أمرها، رغم أنهم يأكلون من بيوت أهاليهم كما يقولون!.. أرجوك أن تفعل ذلك. فها أنت ترى كيف ينفقون أموالاً جمعوها باسم الناس على أنفسهم وأنصارهم، ثم يقولون عن أنفسهم أمناء. وأنا، يا إلهي العليم الحكيم، لا أعرف كيف يمكن لأحد أن يسرق أموال الوقف، وينفقها على غير ما أوقفها عليه الواقف، ثم يسبل عينيه ويقرأ القرآن ويبكي.

اللهم أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي وهواني على الناس. يا أرحم الراحمين: أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني: إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملّكته أمري؟. إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن يحل بي غضبك، أو ينزل عليّ سخطك. لك العتبى حتى ترضى. ولا حول ولا قوة إلا بك”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى