على الخيط الفاصل بين الحياة والموت وقفنا

خاطرة سردية بقلم رشا السيد أحمد /سورية

على الخيط الفاصل بين الحياة والموت وقفنا

تصير بعض الأوقات جياداً تحمل على ظهورها الإلهام , لتدفعنا كسيل جارف للكتابة , منذ وقت طويل تعودت أن أسارع إلى بياض الصفحات حين تحضرني القصيدة أو أي نص كان وأجد الوقت , بين شرود وقت ورقص وقت آخر
أتهامر عليها حبات برد من هذيان , كنت حالما انتهي أقف على أطراف السطور , أطالع ما انهمر به القلب من ذاك العالم المترف برهاف الرؤى بتساؤل
لكن لماذا منذ احتلتني عيناك , وعرفَت كيف ترفع راياتها على مفازات روحي منتصرة بلا معارك !!
صارت تنهمر القصيدة والنصوص من أحداقك وحدك , ولا غير في كل حالاتها وفي كل الأوقات , مهما كان الوقت حتى لو كان بارداً أو حارا كهذا اليوم الصيفي ؟!
لافرق بالنسبة لي حارة أو باردة .. وقت عصيب أو لين , لا فرق المهم أن دفؤك الذي ينتثر داخلي بقوة الموجة الكهرومغناطيسية , يجعل من كل الأوقات داخل عوالمي دافئة منهمرة .. أي الملائك الرائعين أنت أيها الأمير البهي ؟؟ ! .
تمتد المسافات أمامي نغم , وقلبك من كان يعزف هذا النغم , ليبدو العالم سمفونية تدرج على تأملات روحي دون أن تنتهي
أحمل قلبي فوق احتراقات روحي , بسبب ما يجري للوطن وأمضي فوق طريق يحفه النار والرصاص
في هذا العام كانت حقيبة سفري ما تكاد تفرغ حتى تمتلأ , مدن كثيرة زرتها , ولكن رغم بعدك الشاسع عني , كنت تتنقل معي من مدينة إلى مدينة , ومن شارع إلى شارع دون أن تغيب طرفة عين .
انخرط مع زحمة المارة في البرامكة .. بدمشق , وكأن الجميع يسابق الزمن , لكن الحقيقة الجميع يسابق الرصاص الذي قد ينهمر في أي وقت على هذه المدينة المشتعلة , والجميع يجوس بقلبه الحذر من انفجار أو قذيفة عمياء مفاجأة قد تلتهم كالموجة الغاضبة كل من يتواجد بطريقها , بوحشية بدائية تبعثر الأجساد والمباني الساكنة وحتى الوقت الصامت .
لكن أنا الغائبة منذ سنة عن مدينتي الحبيبة دمشق , كل ما شغل فكري أن أتنشق هوائها الممزوج بالياسمين , وأنفاس التاريخ التي أشتمها من كل ما يحيط بي , وأن أزور فيها كل الأماكن التي أحب , رغم هذه الزحمة القاتلة بسبب كثرة الحواجز الأمنية , ها هي الأحداث المتسارعة حولي تتخطى وقتاً كأنه قرنا ويزيد وكل يوم تتصعد نيرانها في أحداق الجميع , وفي أعصابهم وفي قلوبهم كبركان لا يهدأ .

اتجه من الجنوب إلى الشمال أمام كلية الحقوق , وقد علت روحي لهفة لكل شبر في دمشق , انعطف إلى اليمين بإتجاه الحلبوني الناهض مع كل صباح بإشراقة لا تفتر ولا تبهت .. هذا الشارع بالذات بكل ما فيه , هو حضارة هاربة من دفاتر التاريخ
تنثر عبقها في كل مكان وتمتزج بالحضارة الحديثة… ممتدة لبقية أرجاء المدينة , التي أصبحت تنام بنصف إغماضة عين
كما يروقني المرور فوق هذه الأحجار البازلتية التي تتكلم , عن ماض عريق من الحضارة الفارهة , كلماته ما زالت منتشرة في المكان , وتأخذ بتفكيري كلما مررت من هنا إلى المتحف الوطني الواقع على شمالي , ذاك المتكلم بتأمل الحكماء ونداوة عقولهم , فكم قضيت فيه ساعات طوال من الرسم مع رفقاء الدراسة ونحن في كلية الفنون الجميلة
لكن قبل أن أزور المتحفين الوطني والحربي, لابد من زيارة بعض المكتبات هنا , لأتزود ببعض الإصدرات الجديدة
فجأة اشتم عطرك يحاذيني ويسير محاذاتي جنباً إلى جنب , دائما حضورك ينثر داخلي سعادة لا تقاوم , تشدني إلى كل تفاصيلك الرائعة
صوتك يداعب سمعي برقة جارفة ينتض من الرؤى التي رافقتني بها , بينما تشتعل في أنفي رائحة الياسمين والخضرة .. تتابعُ سردك .. تقول لي : وقتها كنت أصحو طافحاً بالجمال , طافحا بالحيوية لأغزو هذا العالم مع ولادة كل شروق جديد كنت أحب ذاك البيت في تلك المدينة القصية فوقذياك الجبل الأشم
كنت أشعر بحرقة تبتلعني ببطىء وأنا استمع إليك وأنت تحادثني ضمن عالم أنيق رهيف تأتى من خارج هذاالعالم , بينما اختنق أنا بنار تلتهمني بشدة كيف لك أن تبقى بالرؤى ولا تخرج لماذا لا تكون أمامي الآن بكل ما فيك وليس مجرد طيف يحادثني, ها أنا استمع إليك بتوق كبير .

تكمل .. كان الحي هادئا كعادته وأنا وأنت كنا نجري خارج هذا الزمان .. أشعرها أيام تداعب أحداقي الآن , كالحلم الذي لا يغيب رغم ابتعادي عنه مسافات لا أعلمها
فاجأني أنك كنت هنا قبل عهد طويل وكتمته, استشعرت ذاك بحدسي العاشق , الذي استحضرك رؤى قبل سنين طويلة منذ أمد بعيد لكني صمتُّ .. صمتَ الموقنين , استشعر دهرا رقيقاً خرج من اسطورة دمشقية , بكل عبثياتها الجميلة وسحرها ليشاركني تاريخه السابق بشقاوة المحبين
كنت أتشردق بحروفك وأنت تترنم بها , شجوك الخفي يقتلني وأنا سعيدة بحديثك هذا الصباح الذي قفز معي

أتقافز معك سعيدة كقطة دمشقية بيضاء , من حديقة منزلي بالمزة البهية , للحمرا لذاك الفرح في فندق الشام للحميدية لأيام الجامعة , لقلبك الشاسع المسافات بروعته لروحك التي أذوب فيها , لسعادتك التي انسدلت على وجع قلبي بعبثية شاسعة الأفق , لتنسدل أمامي ألف إشارة استفهام
كيف يحدث أن يكون كلينا في هذا العالم المتقارب ولم نلتق ِ , كم كنت أحب المرور والتجوال في شغب هذه المنطقة , ورغم ذلك جنون الحظ لم يسعفني حينها الزمن لألقاك .. رغم قرب روحينا الشديد , أرأيت كيف تعبث الأيام بالقلوب ؟!
أحيانا كثيرة لا نفهم القدر إلا بعد حين .. القدر لا يخطىء , فقط هو يختار الوقت المناسب ليحضر
كل اللذين يمرونني كانوا أشبه بطيوف لا أعبأ بها , نسير يدا بيد تحادثني بتعب روح وفرحها وجنونك بي و أطير بيطفك لمدن من لازورد , واستمعك بشغف , أنفاسك الحارة تلفحني كلما نظرت لعينيك العمميقة التي تبوحني بإبتسامتها ألف سر وسر عميقتان جداً كعيني مجرة , تلك التي تخفي داخلها مدينة الأسرار
سر من شغب .. وسر من فرح .. وسر من آه

تمرني طيوف الرفاق , واستاذ التصوير , ونكاتنا في المتاحف , والحارت القديمة , كفقعات ملونة يمضون أمامي إلى حديقة المتحف
ابتسم .. ونكمل الطريق بهدوء
ما زالت الأيدي متضامة وقلبي كحجلة في أحضان الربيع تتقافز .. تخطيت أنا وأنت المكتبات التي أحب , هذا اليوم هناك ما يشغلني أكبر بكثير من شغفي بالكتب هو هذه العيون !, التي ما فتأت تحدثني كإنسيابية نهر يترقرق اللازورد في عين الشمس , لا بأس هناك مكتبة ضخمة أمام البريد سنمرها معاً
أسير كأني أطير في أعالي حلم لؤلؤي , وعطرك المشاغب كأنت , يلثمني مع كل نسمة ويثمل رأسي بمشاعر عدة , وصوتك الذي يتخللني كنسيم صيفي يتراقص على أعالى قلعة الحصن , يدحرج قلبي أنى يشاء , ما زلت أتطاير معك فراشة تحط على صدرك لتستمع لتهافت نبضاتك منصبة داخلي
معدتي التي كانت تركلني هذا الصباح احتجاجا على ما حولها من أصوات للمدافع , ما أن وصلت هاهنا حتى غابت تلك الركلات الحادة تماماً , وغاب معها كل فكرة تتجه صوب الرصاص والانفجارات .. صوب اشتعالات الوطن القاتلة , من منا منذ لم يتابع الأخبار منذ عبثت بنا يد القدر ؟ .

فمنذ اندلعت الأحداث كل يوم نرى أيدي الشهداء تلوح للأهل والرفقة مودعة بإبتسامة ألم , أو بإبتسامة ساخرة رغم فظاعة الجراح كأنهم يسخرون من الوقت سخرية لاذعة , تقول : الشهيد لا يسقط وحدهم القتلة من يسقطون !! .
من منا لم يتابع الأخبار على مدار الساعة , والقلق يجتره بأنيابه الحادة دون رحمة , وكل يوم ننتظر رايات السلام ؟! .
من منا لم يمسك الخوف بتلابيبه خوفاً من أن يرد على الموبايل , أو الهاتف خيفة أن يصدمه خبر استشهاد أحدهم
من منا لم يفتك به الألم لرؤية فظاعة ما يحياه على أرض الشام أو ما يشاهده على الفضائيات , من مشاهد مؤلمة , هذا البلد الذي لم يكن يوما غير مسكنا للحمام , والعشق الإلهي , و الجمال الرباني جعله أعداء الأمة ساحة لقتال الأخوة وساحة للمواجهات العالمية
أحب أن أرى دمشق كما هي دائماً , تلك السيدة الملائكية الجمال , المتوجة بالياسمين , وعلى خصرها يلتف بردى رياناً في عناق أبدي , وقاسيون يحضنها بشموخ , دون أية أوجاع , لا يليق بها غير الرومانسية الاسطورية وأطواق الياسمين

هل أخبركَ شيئاً يا أميري .. ربما الآن عرفت أحد أسبابي الخفية لعشقي هذا المكان , والتي كنت أجهلها

في طريق العودة ما رأيكَ أن نمر المتحفين أو على الأقل سوق المهن اليدوية , أحب التمتع بالصحن الداخلي للسوق القديم بعض الأماكن تسكننا حتى تصير جزء لا يتجزأ من داخلنا , تبتسم تحضنني بذراعك الدافئة وأنا على جانبك
ـ تهمسني مشاغباً لم أخبرك عن عشقي لهذا المكان كذلك , فيه نكهة خاصة لا يعيها إلا عشاقه
استمر بالسير محاذاتك , هل تعلمين كان يجب أن ألتقيك بين اللوحات منذ زمن مضى أو في احد معسكرات التدريب صدفة , لكن راق للقدر أن ألتقيك الآن لتظل في قلبي السعادة والوجع الذي لا شفاء منه
ولتظل أنتَ النبض القاتل داخلي , ووجع الروح وفردوسها الذي تهيم به .. اجتاز وإياك مبنى البريد المركزي نصل مبنى الهجرة والجوازات , لابد من عمل هام هناك , وزيارة شخصية لدقائق سريعة .
هناك زحمة في المكان تشغله بشكل كبير جداً , و كأن الجميع يتوقع النزوح من هذا الوطن في أي لحظة عاصفة , حتى دون حقيبة سفر كيف أضحى الوطن كتلة نار كيفغزتنا البرابرة من كل جهة وبقينا وحدنا الصامدون في وجه كل الأعداء ؟! .أتوجه للمكتب المحدد الباب مفتوح بشكل دائم على ما يبدو

أقدم نفسي , فألقى ترحابا شديداً ..
ـ أهلا بك تفضلي
ـ أطرح ما أود قوله . ” أعلم المكان مزدحم كرأسي المزدحم هذا النهار بأشياء لاتنتهي , والتي علي أن أنهي منه أشياء كثيرة بأسرع وقت رغم كثرتها ”
ـ يأتيني الرد من خلف المكتب .. سيكون الكتاب هنا حالاً قبل أن تخرجي
ـ أشكرك كثيراً , بعد دقائق .. أسأله هل لي أن أشاهد الكمبيوتر لطفاً قبل أن أخرج
ـ يبتسم ألست واثقة مني لقد سوي الأمر أرتحت ؟
ـ عفواً . كلمتك ثقة , لكن ليطمأن قلبي ..
ـ حاضر .. هذه هي الشاشة هل نظرت ويبتسم
أية خدمة أخرى أنا جاهز لو طلبت أن أشطب نصف هذه الأسماء هنا لفعلت يمازحني طبعا
ـ قد فعلت .. أشكرك جدا
ـ يبتسم وبرصانة .. سيدتي لم أفعل شيئاً يوزاي روعة هذه المرايا , لا أعرف كيف أفلّتْ منه الكلمات دون توقع مني
ـ اشعر بوجهي أحمر خجلاً .. تربكني اللحظة .. اصمت .. أخاطبه ماذا ؟
ـ شعرته تبعثر عند الجواب , عذراً دون أي مغزى وأبتسم , قصدت أنا جاهز لأي مساعدة أنتم عزيزين علينا
أشكره مرة أخرى يودعني بلطف كبير وامضي بينما تتوثب عيناي للخارج بإرتياح .

أجدني من الجديد صرت خارج المبنى وأجدك تبتسم لي .. تخاطبني هل أرتحت الآن ؟!
ـ ابتسم لك … وأجيب جداً
ـ ثم تعالي ذاك الشخص كان منتهى اللطف معك !!
ـ ابتسمت هل أخبره ألا يكون لطيفا معي إنها طبيعته
ـ لا أعتقد ذلك مطلقاً بل حضورك ينثر بالقلب اللطافة كلها
ـ هل هي غيرة ؟!
ـ وكيف لا أغار بربك أخبريني يردد عيونك بارودة بصفين
ـ أيها المشاكس كم أحبك
ما زلتَ تحاذيني , أخاطبك .. إذا الآن أستطيع أن أسافر , بعد أيام سأكون ببيروت , ومن ثم برلين .. أعرف بودك أن تقول كنت أود أن أعطيه لكمة في وجهه لكنك تظل عالقا بالرؤى في عيني وقلبي , تمسك بكلتا يدي وتنظر في عيني بغيرة شديدة .. لست وحدي من آُخذ بعينيك
ـ أجيبك ” العيون الحلوين كتار ”
ـ لكنك أنت معشوقتي من العالم كله
أستنشق الهواء المعانق لوريدك .. وأهمس لكنك وحدك من امتلك قلبي بشكل خرافي
ـ أنا نفسي استغربت كيف أطلقَ الكلمات , لا عليك أحسن التعامل في مثل هذه المواقف
ـ المهم هناك حمل ثقيل انزاح عن قلبي , وكان هو يملك من الذوق واللباقة الأنيقة ما جعلني احترمه , لم أتصور الأمر سينتهي مطلقا
ـ الذوق واللباقة ؟! تبتسم وتردد كلماتي

تباً لوقت كيف صار الوقت مفخخاً من جهاته الأربعة , صار قنابلاً موقوتة , لا يعرف الشخص بأي وقت قد تنفجر وتجعله في خبر كان , بل قد يتمنى المرء أحيانا لو يصبح حينها في خبر كان ,
أمضي مرتاحة جداً , وسعيدة بك كفراشة حالمة تود أن تعانق الكون بك , أتعلم هذا اليوم تاريخي , تسألني بابتسامة خبيثة تمتلأ لؤماً ولماذا , أولا وجودك معي , ثانياً بوحك الخرافي الذي امتد من بداية السهرة حتى الفجر ذياك النهار النهار البعيد ما زال يسري بدمي وخاصة أني هنا بالذات , وأنا وأنت يجمعنا أشياء كثيرة جدا وأولها دمشق التي نعشقها فرغم المنافي التي تقصينا عن الأوطان اجتمعنا هنا لم تخبرني ولا مرة أين هي مدينتك الأخرى

كم حلمت أن نخرج معاً بكل هذه الاشتعالات داخلنا .. تجعلني أحلق معك عالياً دون أجنحة
ما رأيك أن نمر مكتبة النور أحب هذه المكتبة , أضف ما سأخذه من كتب سيكون له عبق هذا المشوار
ـ هيا سنأخذ نسختين مما يختار كلينا هيا
ـ بل نسخة يقرؤها كلينا ابتسم
أـعلم لا أشعر بالوقت وأنا بين الكتب , أشعر أنهم أصدقائي الأقرب , اللذين يقصون لي كل ما أريد وما لا أعرفه وكل ما يفتح الآفاق أمامي حلماً رهفاً بصمت ٍ ينسيني حتى الكلام لساعات طويلة و وكأني لا حاجة لي به

ها نحن نخرج مبتهجين بما اشترينا من كتب .. بضعة كتب رائعة , نسير نثرثر حكايات حب صغيرة جدا ً أشبه بزقزقة وثيرة التواترات , منذ زمن كنت أود أن نخرج معاً , عاشقين مشاغبين يستمتعان بالتجوال في روعة دمشق رغم الرصاص والبارود , تلف يدك حول خصري كخائف علي .
فجأة يضرب صوت انفجار ضخم يرتج منه المكان , وترتفع سحابة رمادية داكنة من سطح البريد نحو السماء , ويصل الغبار قدمي , بخوف شديد المارة يتراكضون في كل مكان وبسرعة خاطفة , يفرغ الشارع من المارة ومن السيارات . في أقل من دقيقة اختفت كل حركة من حولي .. الصوت كان فظيعاً يترامى في المكان .
ويختفي معه كل شيء من ذاكرتي الممتلئة بأمور لا تنتهي , يختفي كل الشخوص , وكل العالم .
بلحظة يحضرني كل الأحبة وتغيبهم اللحظة , يحضرني العالم من حولي وأغيّبه , شريط ذكريات لأحداث راائعة حضرني وغاب كبرق , وحدك من بقي معي ..
أقف مدهوشة بلا حراك في مكاني بعد أن رجعت للخلف خطوتين أطالع الأنفجار , بينما أخذتني بحضنك بسرعة وما زلت مدهوشة أكثر فيما يحصل لحبيبتنا دمشق , تَوقفَ نهر التفكير داخلي لحظات , وكأن شيئا يقول لا فائدة من الحركة , ما سيقع سيقع لا وقت للفرار , ووجدتني معك ووحدك من دون العالم معي , تنظر في أعماقي تجعلني أصحو من صدمة دهشي المفاجأة . لا تخافي ..
لست خائفة لا أخاف الموت منذ زمن طويل فقدت الخوف بذلك , حب لقائي بالله تعالى أفقدني ذلك , حينما أدركت أنه روح الكون العظمى التي تضمنا بحنانها وحبها الدائم . فقط المفاجأة اربكتني بما يحصل لدمشق لم يخطر على بالي ذلك أبدا ذات يوم كيف يحدث كل هذا لدمشق , ياألله .. الموت في حضن الأحبة حياة أخرى من دفء
تغمرني بحضنك بحنان .. يعودني صحو الفكر من جديد

الكون من حولي مفرغ , فقط أنا وأنت نقف في فضاء أبيض , حضنك كان أوسع من الكون , وأرق من الغمائم السابحة على هامات الجبال وهامتك العالية تنحني تضمني , أتنفس الصعداء الحمد لله , نحن بخير نبتسم للقيامة الجديدة التي وهبت لنا
كأن الحياة هنا أصبحت كورقة حظ , تسحبها من يد القدر فأما تكون لك وأما عليك , أتنشق أول أنفاسي من هذيان صدرك
يالهذا الحضن الذي سرقني حتى من ذاتي , كم أحبك يا أنت , حتى يغيبُ الوجود في هذه اللحظة وأجدني أغمر رأسي بحضنك , افتح عيني فجأة ليختفي طيفك كخيط من الضباب خلف عالم أراه في الرؤى ولا أعرفه

كم أحبك يا أنت حتى أنسى الكون وتكون معي , في اللحظة الفاصلة بين الحياة والموت , رغم المسافات الشاسعة بيننا
اسمع صوتك يقول غادري بسرعة من هنا سيكون ذلك أكثر أمانا , ابتسم . عد هنا هذه الروح لم تعد تشاطر أحداً بالحياة كما تشاطرني
يأتيني صوتك مشاغباً كعادتك , تعالي انتظرك على الرصيف المقابل للشارع هيا اسرعي , أجد نفسي أقف لوحدي على الرصيف مبتسمة اطالعك , وعبقك ورائحة الانفجار تلفنا معاً
بينما آخر خيط من طيفك أراه يتبخر من أمامي , وعيناي معلقة به وأبتسم لشغبك وأنا أطالع قامتك البهية .

في اللحظات الفاصلة من تحتفظ بهم الروح من يشاطرنا اللحظة لاغير , كم أنت أيها الأمير البهي داخلي !!! .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى