التونة وقلوب الأفاعي

بقلم: د. إلهام الدسوقي| خبير السلوك المهني

لمحتها من بعيد زائغة العينين وكأنها تبحث عن ملاذ لها، تتمايل على الجانبين تنتفخ بطنها وتتعثر من ثقلها غير المعتاد، ملطخة أرجلها بطمي الحديقة الكبيرة في المكان الشهير، لا تبالي بالمارين ممن لا يرون إلا أنفسهم متجاهلين وجودها.

نظرت إليها بنظرة عطف فتبعتني ترقب خطواتي تقلدها في إشارة واضحة لاحتياجها لعطف وحنان ورعاية ولكن لم يكن بيدي أكثر من نظرة حنان فأنا في طريقي للعمل، فاكتفت بتحسس موضع قدمي واستحضار رائحة عطري المميز وتتبع أثار أقدامي تطلبها كل يوم صباحاً متمنية أن تكون نظرتي مصدر الأمان.

استمر الحال أياماً حتى جاء اليوم الذي اختفت فيه عن ناظري فأعتقد أنها فقدت الشغف بنظراتي ووجدت من يرعاها ويلاطفها في طريق أخر ولكم حدثني ضميري بتأنيب: لم تأخرت عليها اليوم فقد كنت سبب ذهابها لغيرك.
ظهرت مرة ثانية في طريقي فانشرح صدري لمن اعتبرت نفسي مسئولً عنها ولكن هذه المرة يسير خلفها صغارها يقفون تارة ويقعون الأخرى وتجاهد في تعليمهم بعد أن ظهرت عليها علامات الاعياء والاحتياج للعطف عليهم جميعاً.
تحسست جسدها الواهن فلم تعترض وتحسست أجساد الصغار النامية فناموا على كفى في براءة لم أعهدها من قبل. وأخذت على نفسي العهد بالرعاية والعطف وأصبحت وصغارها جزءًا من روتيني الصباحي، بل والجزء الأهم.
أعددت لها اليوم وجبة شهية تليق بمحبوبتي، مع علبة من اللبن لصغارها، ونويت أن اخصص وقتا أطول للجلوس بجانبها ودار بخلدي أن أستضيفها وصغارها في مسكني المتواضع المطل على الحديقة ولكن لن أجبرها إذا رفضت صحبتي.

أسرعت إلى مكانها المعتاد ألمحها عن بعد هي وصغارها تتعالى أصواتهم بالأنين غير معلنين عما بهم وان كان الشاهد خير دليل على الألم الدفين.

فكان مشهد النهاية واللعاب يسيل من أفواههم وتتمدد أرجلهم تفترش الرصيف المطل على الحديقة الكبيرة وتجحظ عيونهم متعلقة بعلب التونة المفتوحة الفارغة أمامهم بعد أن كانت إفطاراً شهياً. فقد قررت الأفاعي تسميم الهرة وصغارها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى