إشراقات الوطن على ربى إبداع الشاعر التونسي د. طاهر مشي

محمد المحسن | تونس

حب الوطن شغف أثار الكثير من الشعراء العرب الذين اتخذوا من الشعر منبعاً لهم،يغذون بمائه حبهم لوطنهم الذي من أجله توسدوا الكلمة،أثاروا بها حماسة الجميع،وأولئك الذين منحوا أرواحهم فداءً للوطن،متسلحين بشعرهم بما جادت به قرائحهم من قصائد امتلأت جوانبها بكلمات لا تزال تفوح منها رائحة عطر الوطن وتشبعت بحبه.
هدرت الكلمة بقوتها وعنفوانها في قصيدة «تونس الحب» للشاعر القدير د-طاهر مشي والتي احتوت على صور شعرية متميزة تشير إلى الوطن وعزته وعلو شأنه آخذا من «تونس الخضراء» مشهدا شعريا متوهجا بالحب ليقول :
تونس الحب
يا طاغيا ما جبت في أرضي و لن
فالعز في أرضي لها طول الزمنْ
والمجد يسري في دماء شعوبنا
نأبى الهوان ولا يناجينا الشجنْ
من أين جئت لتستبيح مدامعي
كالنصل في قلبي يخضبه الدرنْ
ستعود أوردتي تعانق عزّها
وتثور ألحاني يرددها الزمنْ
وتسيح أشعاري على طول المدى
فخرا بأمجادي بسري والعلنْ
فبيارق العز التي رفعت هنا
سيصونها الأبطال من فتك المحنْ
سنعيش في كنف الحماة وعزهم
لا لن نخون وشعبنا يأبى الفتن
والعابثون نذيقهم طعم الردى
نبني قصور المجد نجتاح المدنْ
والظالمون نردهم أدنى الدّنى
والحاقدون نذيقهم ماء أسن
يا زهرة الأوطان يا بدر الدجى
يا تونس الخضراء يا أغلى وطن
ستهابك الأوغاد يا أرض الهدى
فالدين أصلا في حشاشتنا سكنْ
والأمن يرعاك الحنين يشده
في أرضنا كم من شهيد قد دفنْ
منهم رعاة الحق لا ما همهم
إلا البلاد وحكمها والمؤتمنْ
أهدي دمائي في سبيل رخائها
كل الدروب بعطرها نبضي كمن
(طاهر مشي)
حينما قرأت هذا النص توقفت عند عتباته المهمة من حيث التشكيل في الصورة والسينوغرافيا والالوان واللغة والمشاعر من جهة،،والابداع والتألق والانطلاق في عالم كتابة الشعر..
لغة الشاعر التونسي القدير د-طاهر مشي تتميز بالدلالات المتغيرة (غير ثابته) لوصف الصورة التي تتشابك في ذهنه وخياله،ويعصف لنا صورا شعرية متحركة..لأن الصورة الشعرية وبحجم الشاعرية التي تحملها تكون جوهراً للشعر،كما هي روح القصيدة التي تمتد من اول عتبة الى اخر عتبة لتثبت للقارئ الصلة بين الواقع والتأثير المهم جداً،لذلك تأتي الصور قوية..كل مفردة لها خصوصية في حواس القارئ وشعوره،لأن فن الصورة مرتبط بمفهوم الفن لدى الشاعر-د-طاهر مشي-والناقد بطبيعة الحال يبحث عن الجمالي في الصورة وعن التجربة الفنية والحالة النفسية للشاعر..وايضا يبحث الناقد في مستويات الشاعر المتميز من حيث كيفية تجدد الصورة ونشاتها في فكره وخياله وعكسها للقاريء لان الحواس وحدها غير كافية بتوصيل ما نصبو اليه،بالاضافة الى بحثه عن الانزياح اللغوي وتحديث اللغة عند الشاعر،وبين الذاتية والموضوعية نتوقف كثيرا،لأن حجم الشاعرية والانزياح اللغوي،وتشكيل الصورة الجديدة،وسعة الخيال والمخيلة وسائل نكتشف بها معايير مهمة لجمالية الصورة الشعرية عند اي شاعر،وهي بصراحة مفاتيح للناقد مهمة لتفكيك اي نص شعري،حتى نصل الى جوهر النص وجمالياته الفنية..
الشاعر البارع د-طاهر مشي لم يأت بالصدفة ابدا إنما هو ثمار تجارب عديدة حاولت أن تمزقه لكنه كان قويا من الداخل،حيث يمتلك الذائقة الشعرية لتبوح نتتكلم وتصرخ ،لها الشغف الكبير والمعرفة في حب الوطن،لذلك جعل اهتمامه في الشعر في قلب اهتماماته،وجعله صوته المنحدر من أي مكان يسكنه صوب الوطن ..وليس رجع صدى .
الصوت والكلمة والطاقة التي يمتلكها الشاعر ضمان كبير في تركيبة الصورة وانعكاسا لحياته، وبنفس الوقت انعكاس لمفهوم المكان -الوطن -لأن الزمان ماعاد يشكل شيئاً الآن ..فالذاكرة تعتمد المكان اولا ًثم تخوض في الازمنة لاحقاً لتثبت من قبل الاسماء كدلالات معروفة للقاصي والداني،ومن اهتم بشأن الادب والتاريخ .
وإذن؟
التجربة الشعرية للشاعرالتونسي المتميز طاهر مشي،إذا غنية وحافلة بالعطاء الإبداعي والتنوع الموضوعاتي،كتب عن الوطن (تونس) وعن الحب بأبعاده الإنسانية والحياة والوجدان والقصيدة..
وتحضر تيمة الوطن في قصيدة «تونس الحب» موضوع هذه القراءة المتعجلة،بشكل قوي ومهيمن،حيث يحتفي فيه الشاعر بوطنه تونس التحرير،يجعله في قلب الشعر والخيال والتفكير وفي قلب الأحداث،هو المحور المركزي وفي فضائه الأنا والجماعة روحا وجسدا.
لغة الشاعر الألمعي طاهر مشي أنيقة تتميز بخصائص مختلفة،نجده يعبر عن ارتباطه بوطنه بلغة الحب والحنين الشفيفة..
هوذا الشاعر طاهر مشي شاعر تـفـجر الشعـر في قـلبـه كما تفـجرت الصخرة بالماء لقوم موسى دون سابق عهد،فتعهده بالشكر والجهد فما انبجس كما انبجست،ومد يديه إلى السماء،ورنا ببصره إلى العلياء،واستسقى من الله،وطلب منه العطاء فأعطاه،و اشترط عليه الجهد،فاجتهد واستحال شعره إلى سيل جارف من الألم والأمل،وحنان قلب مفعم بالحب،البهاء والعطاء..
سألته ذات مرة عن حبه لبلاده فقال:”إن لم يتغن الشاعر بالوطن فمن الذي يتغنى به؟ فالشاعر يتجسد في مشاعر،وانتمائه صورة الوطن بكل جمالياتها المتعمقة في ذاته،وبمقدار هذه الامتدادات وتجذرها في داخله يكون انصهاره وذوبانه ورقة أحاسيسه وشعوره،إذ هو يرى ما لا يراه الآخرون”.
وأنا أقول: قبعتي..يا شاعرنا العظيم
أخيرا،لا يسعنا إلا أن نجيب كقراء-لهذه القصيدة العذبة-نعم أنت الفرد.واحد بصيغة الجمع صيغتنا جميعا،حسنا أبدعت أيها الشاعر الفذ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى