الطلاقة الرقمية Digital Fluency: تعريفها وموجباتها

 

د. محمد السعيد أبو حلاوة | أستاذ الصحة النفسية المساعد، كلية التربية، جامعة دمنهور

استخدمت مصطلحات عديد لوصف قدرة وكفاءة ومهارة الشخص في استخدام تكنولوجيا المعلومات information technology منها: التنور الرقمي digital literacy ـ يترجم هذا المصطلح أحيانًا إلى محو الأمية الرقمية ـ (Gilster 1997)، التنور الحاسوبي computer literacy ـ يترجم هذا المصطلح أحيانًا إلى محو الأمية الكمبيوترية ــ (Ktoridou & EteokleousGrigoriou, 2011)، التنور المعلوماتي التكنولوجي Information Technology (IT) literacy (Ferro, etal., 2011)، الكفاءة الرقمية digital competence (Calvani, etal., 2009; Li & Ranieri, 2010)، فاعلية الذات الكمبيوترية computer self-efficacy (Compeau & Higgins, 1995)، أو كفاءة “كفايات” تكنولوجيا المعلومات والاتصالات Information and Communication Technology (ICT) competency (Guo, etal., 2008).

ورغم أن هذه المصطلحات تستخدم بالتبادل، أشار Wang, Q., Myers. MD. & Sundaram (2013) إلى أن مصطلح “الطلاقة الرقمية digital fluency” أفضل طريقة للتمييز بين ما يعرف بالمهاجريين الرقميينdigital immigrants ، والأشخاص الرقميين digital natives.
وتُعْرفُ الطلاقة الرقمية Digital fluency بأنها “القدرة على إعادة تكوين المعلومات في التعبير عن الذات بإبداعية وبصورة مناسبة، فضلاً عن إنتاج وتقديم المعلومات أكثر من مجرد فهمها” (Wang, et al. 2012; National Research Council 1999: VIII).

ويعطي مصطلح “الطلاقة الرقمية” دلالات تتجاوز دلالات “التنور الرقمي digital literacy” والذي يركز فقط على تعليم الطلاب تكوين واستخدام التعبيرات الصحيحة بنائيًا ونحويًا (National Research Council 1999).
ويوصف الشخص المتسم بالطلاقة الرقمية بأنه لا يعرف فقط طرائق الاندماج في التكنولوجيا، بل يتسم كذلك بالقدرة على إنتاج أشياء عديدة ومفيدة وهامة من خلالها (Papert & Resnick 1995).

ويأتي استخدام مصطلح “الطلاقة الرقمية” في سياق المقارنة بين “المهاجرين الرقميين digital immigrants”، و”الأشخاص الرقميين Digital natives”، ويقصد بالأشخاص الرقميين الجيل الجديد من الصغار الذين ولدوا وتربوا في العصر الرقمي digital age، بينما يقصد بالمهاجريين الرقميين الأشخاص الذي تعلموا استخدام الحواسيب الآلية والمستحدثات التقنية والفضاء الشبكي الإلكتروني الإنترنتي في مرحلة عمرية متقدمة من حياتهم.
وبينما يتمتع المواطنون الرقميون بما يعرف بالدهاء والبراعة التكنولوجية بطبيعتهم، يواجه المهاجرين الرقميين صعوبات بالغة في التعامل مع المستحدثات التقنية وتكنولوجيا المعلومات.
ويجدر الإشارة إلى أن المسألة هنا لا تتعلق بالتصنيف الفئوي إن جاز التعبير بين هاتين الفئتين من الناس بمعنى ذلك التصنيف التقليدي الثنائي بين “مهاجرين رقميين” في مقابل “أشخاص رقميين” بل يتعلق الأمر بما يصح تسميته “المتصل continuum” الذين يمكن توزيع الناس عليه وفقًا لمحك “الطلاقة الرقمية digital fluency”.
ورغم ما تقدم ما المقصود بالضبط بالطلاقة الرقمية؟ What is digital fluency؟
اشتقت مصطلح Fluency من كلمة Flow وتعني التدفق، وعندما نفكر في كون شخص ما يتسم بـ”الطلاقة” في أي سياق أو موقف فإننا نعني أن أداؤه يتسم بـ:المرونة، التلقائية، الدقة، الفاعلية والكفاءة، والملائمة.
بمعنى آخر فإن الطرائق التي نستخدم بها: المهارات، اللغة، والكلام تنساب منا بسلاسة وتلقائية ويسر، وعند تطبيق هذا المعنى في السياق الرقمي للتعلم digital context for learning تتضمن الطلاقة استخدام المستحدثات التكنولوجية وتكنولوجيا المعلومات بيسر وتلقائية وفاعلية ودقة وإثمار من أجل: التعلم، العمل، واللعب، فضلاً عن دمج التكنولوجيات والتقنيات المستحدثة في التدريس والتعلم لتحسين نواتج التعلم لدى كل المتعلمين.
وبصورة عامة يمكن القول أن “الطلاقة الرقمية” دالة للتفاعل بين تركيبة تتضمن المكونات التالية:
– الكفاءة الرقمية أو التقنية “الفنية” digital, or technical, proficiency: وتتضمن القدرة على فهم واختيار واستخدام التقنيات والنظم التكنولوجية.
– التنور الرقمي digital literacy: ويشير الكفايات والكفاءات المعرفية أو الذهنية التي تتضمن القدرة على القدرة القراءة والتكوين والتقييم وصنع الأحكام وتطبيق المهارات الفنية أو التقنية أثناء العمل أو التعلم.
– الكفاءة الاجتماعية أو المعرفة الاستعدادية الشخصية ذات الطابع الأخلاقي social competence, or dispositional knowledge: وتجسد القدرة على الارتباط بالآخرين والتواصل معهم بفاعلية واقتدار ورقة وتقبل ولطف وحس إنساني.
وقد يكون من المفيد أن نفكر في “الطلاقة” تأسيسًا على ذلك على أنها “إظهارٌ للحكمة والثقة في تطبيق واستخدام التقنيات الرقمية، كما يعبر عنها المخطط التوضيحي المرفق (Wenmoth, 2015).
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد على المستوى العالمي تعريفًا محددًا للطلاقة الرقمية digital fluency، وتستخدم نيابة عنه في بعض الأوقات مصطلحات أخرى مثل: الطلاقة في التواصل واستخدام تكنولوجيا المعلومات ICT fluency، التنور الرقمي Digital literacy ، الكفاءة الرقمية Digital competence، المواطنة الرقمية Digital citizenship (White, 2013).
وما يمكن التنويه إليه أن “الطلاقة” مفهومًا أوسع من “التنور literacy”، إذ أن إطلاق وسم “متنور رقميًا digitally literate” على شخص أو متعلم يعني أنه اكتسب المهارات التي تجعله يستخدم ويفهم الدلالات والمعاني ويختار التقنيات للقيام بهذا الأمر.
على الجانب الآخر عند اسقاط وسم “طلق ” على شخص أو متعلم فإننا نعني أنه متمكن من كفايات وقدرات تتجاوز مجرد مستوى المهارة؛ وبالتالي فالشخص أو المتعلم “الطلق رقميًا digitally fluent” لا يختار فقط الوسائل والأدوات ويعرف ما يعرف فعله، بل يستطيع كذلك وصف وتفسير لماذا يعمل بهذه الطريقة بل وكيف يعدل ما يفعله ويعيد تكييفه إذا تغيرت الظروف أو السياقات.
على سبيل المثال إذا كنت متنورًا literate ربما تستطيع إتباع التعليمات خطوة بخطوة لتأسيس ما يعرف بمستلزمات مشاركة وثيقة ما أو ملف إلكترونيًا عبر الإنترنت، فضلاً عن استخدامه من أجل تحقيق غرض واضح، أما إن كنت “طلقًا fluent” فإن هذا الأمر يعني أنك قادر على أن تختار بنفسك نطاق من الوسائل لتحقيق نفس الناتج، فضلاً عن الإبحار التشاركي في مساحات أرحب بفاعلية واقتدار وثقة مع غيرك من الناس.
إذن تتطلب الطلاقة Fluency مستويات عالية الرتبة من “الكفاءة غير الشعورية unconscious competence” في نطاق هرمية أو تراتبية الكفاءة والتي نراها في نماذج تصويرية نظرية مثل نموذج نويل بورش Noel Burch، كما يتضح من المخطط المرفق.
ويمكن اعتبار “الطلاقة الرقمية” ضمن التركيبة العامة لما يعرف بمجموعة كفايات التعلم في القرن الحادي والعشرين، بما تستلزمه من القدرة على استثمار وتوظيف التقنيات والمستحدثات التكنولوجية في تكوين ونقل وتطبيق المعلومات بنجاح وفاعلية ووظيفية بما يعزز من قدرتنا على العمل التشاركي والحل الإبداعي لمشكلات العالم الواقعي، فضلاً عن المثابرة في استدامة السعي للتعلم وتحقيق الأهداف الذاتية من التعلم.

للمزيد راجع:
Karen Spencer (2020). What is digital fluency?: https://www.digitallearningcollab.com/blog/what-is-digital-fluency
Wang, Q., Myers. MD. & Sundaram, D (2013). Digital Natives and Digital Immigrants Towards a Model of Digital Fluency: https://link.springer.com/content/pdf/10.1007/s12599-013-0296-y.pdf

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى