أخلاق النهايات

د. إيمان سراج الدين| كاتبة وإعلامية مصرية

حافظوا علي جمال النهايات كما كنتم في البدايات، فقد خلق الله تعالى الإنسان اجتماعيا بطبعه،فطره علي الاندماج والتواصل مع أفراد مجتمعه، ولا يمكنه أن يعيش في معزل عن غيره من بني البشر، قال تعالي (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).

فهذه الآية الكريمة حثتنا علي التقوي في التعامل والتقوي في التواصل والتعارف، وحثت على إظهار مكارم الأخلاق في كافة مناحي العلاقات الاجتماعية والإنسانية، ولكن في مجتمعاتنا بعدنا كل البعد عن روح ومقاصد الإسلام الحنيف، فنحن نظهر أفضل ما عندنا، في بديات العلاقات، وخاصة الارتباط والزواج، فنتقن جيدا فن البدايات، بهدف جذب الانتباه والتحبب إلي الطرف الآخر، والاستمالة والتعلق، وعند حدوث شقاق يودى بهذه العلاقة، إلي حافة الهاوية تظهر معاني القيم والأخلاق الحقيقية، فالبدايات كثيرا ما تخدع فتأتي النهايات فتكشف المستور من الأخلاقيات الزائفة.

كثيرا ما أتساءل وأتعجب لماذا لا تكون النهايات كالبدايات؟ هل لأن لكل جديد بهجة؟ أم  زيف ادعاءات الأخلاق؟ أين ذهبت المودة والرحمة التي ظهرت في بداية العلاقات؟

ليس عيبا أن تختلف وجهات النظر، ولكن العيب كل العيب في طرق التعبير عن هذا الخلاف، ليس عيبا أن يختار كل طرف في العلاقة أن يكمل حياته كما يحب، ولكن العيب كل العيب في طرق الاختلاف، وهنالك قاعدة قرآنية تعد دستوراً لكل العلاقات الاجتماعية لو أخذنا بها لصفت حياتنا ولكانت النهايات كالبدايات بل أفضل قال تعالى: (وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ).

فجوهر الأخلاق لا يظهر بعد احتساء القهوة في مكان أنيق؛ جوهر الأخلاق يظهر في قيظ الظهيرة، في الصيام في الازدحام، في الشدائد، في نهايات العلاقات.

لا تجعلوا آخر ذكرياتكم سيئة فالأعمال بالخواتيم والذكريات بالنهايات، اجعلوا المودة والرحمة دستوراً وعهدا في كافة مراحل العلاقة، تأدبوا بأدب الإسلام الذي حثتنا علي الفضل بيننا، لا تزرعوا في طريق بعضكم شوكا لعلكم ترجعون غدا حفاة، ولا تحرقوا المراكب التي عبرتم عليها لعلكم تحتاجونها في العودة مرة أخرى، ارتقوا بالنهايات كما فعلتم بالبدايات،‏ الأخلاق تظهر عند نهاية العلاقات وليس في بداياتها. والعهود التي تُقطع في البدايات تتلاشى وتذهب أدراج الرياح.

في النهايات تذكروا أن حسن إكرام الحب صيانته عن عدم التحدث بما كان عيبا أو ذنبا، وأن من حسن إكرام الحب أن يظل نقيا حيا مهما بعدت المسافات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى