هبات ساخنة.. وتراجيديا المسكوت عنه

بقلم: عمارة إبراهيم  | شاعر وناقد مصري

قرأت رواية” هبات ساخنة “للكاتبة سعاد سليمان مرتين،الأولي هي قراءة ذائقة واستمتاع لرواية تمتلك جرأة التناول لأحداث الواقع النسوي في العالم الشرقي في مرحلة عمرية حرجة في حياتهن تسمي في الرواية بـ “سن اليأس”،كما أن اختيار الشخوص المناسبة في سياقات واقعية هذا التناول،أضافت بعدا جماليا مهما،واختيار واقعية ومكان الأحداث لتمثل جوهر الإنتاج الدلالي لمجمل أحداث رواية “هبات ساخنة”.

القراءة الثانية كانت قراءة ذهنية تأملية لاكتشاف عوالم إنسانية لمرحلة عمرية لدي المرأة غير المرتبطة بزواج أو علاقات حرة يحرمها المجتمع الشرقي والعقيدة الدينية والقوانين التي تحكم هذه المجتمعات،لتمثل العنصر العضوي الفني الذي ترتكز عليه الكاتبة وأن البطولة ل “هبات ساخنة”في الرواية ذات مقاييس جمالية مختلفة حيث ترتكن الكاتبة عبر أدواتها الفنية وشخوص الرواية وواقعية الأحداث واللغة علي الهم العام وحركية الفعل عبر الأحداث ،إلي المحور الدلالي العام ليجسد البطولة الحقيقية في الرواية في مجمل البناء العام لهذه العوالم حيث تتميز بجرأة التناول؛لترسم حركية دائمة ومستمرة داخل حارات وتنوع المشاهد وجرأتها لتبرز ثقافة الإحتياج الجسدي المحروم من تشبعاته العاطفية والمادية وهذا ظاهر من أول صفحة حتي آخر سطر في الرواية.

كما أن التناول الأسلوبي يمر عبر هذه الواقعية وعلي درامية الأحداث من خلال تقنية فنية ذات دوافع جمالية إضافية كاشفة لجوهر المسكوت عنه ومهمة عوالم الدهشة التي تتميز بها سعاد سليمان حيث تقنية تعددية المشاهد وتنوعها عبر عوالم خاصة لكل مشهد،فترسمها بالمفردات التي تتناسب مع أحداث ومحطات وتعدد الأمكنة التي ارتبطت مع بعضها في تجمعاتهن أثناء ثورة 25 يناير وداخل الأسانسير وفي المقاهي الخاصة بالمثقفين والكتاب والمبدعين،وهؤلاء هم الشخوص المهمة داخل أحداث الرواية،كما أن البناء العام  السارد الكاشف لهذا الواقع الحياتي عند شريحة كبيرة منهن داخل المجتمعات التي تجسد أحوالهن لتحاكي بها أرتطام المسكوت والمسكوت عنه، وهو المدفون في غرف النفس البشرية الضيقة لعدم قدرتهن علي معايشة القوانين والعادات الشرقية التي تزيد من حالات ضحايا الكبت وانهزامية الأحوال وضرورات التفريغ العاطفي داخل جسد الحرمان الذي تسببت منه الدرامية  المتفوقة وتفاعلها بحسب النتائج الدلالية الكاشفة في الرواية.

 لترصد الكاتبة بلغة الفن تفاصيل المسكوت عنه لهذه الفئة من السيدات اللاتي وضعتهن ظروف ومعطيات الموروث من العادات والتقاليد المحافظة،وربما معطيات واقعهن عند الوصول إلي سن اليأس،أو ما يسمي امتناع الدورة الشهرية وانقطاعها الكلي عند الوصول إلي سن ما بعد الأربعين.

وربما كانت هذه الفئة موجودة عبر العالم كله،لأسباب كثيرة ومتنوعة وليست العادات والثقافات والعقيدة والبيئة وحدهم،بل هن الطرف المباشر لهذه الظاهرة،ولكن في العالم الشرقي المنغلق تتزايد نسبته،داخل مجتمعات عربية تتميز بثقافة وعادات وقبلية هذا الشرق المنغلق.

الذي يحرمون فيه علي المرأة غير المتزوج أو المطلق أو الأرمل أن تظهر هبات احتياجاتها الجسدية المعطلة بحسب ظروف رغباتهن الطارئة دون خوف أو لوم او عقاب لهن.

هذه المجتمعات التي تجد متعة خاصة في مراقبة أحوال هذه الفئة بتضييق مساحات الحرية عليهن ليتكون لدي الكثير منهن مثل هذه الهبات وربما كان المكون النفسي المنفتح علي الحرية التي تتميز بها امرأة دون الأخري أو

بعضهن ،حين تجد رغباتهن المادية فائرة في لحظات غير مرتب لها،يمكن حدوثها عند مشاهدة رجل يتميز بوسامة خاصة،أو من أثر مشاهدة بعض مشاهد الإثارة لفيلم أو ما شابه، أو ربما جاءت من تعطيل حواس أجهزتها العضوية أو غير ذلك.

لتتميز بأحوال المرأة الشرقية لحياة الحرمان والانغلاق في مراحل سنية محددة،منها حرمانها من متع الجسد واحتياجاته المادية،وأثر هذا الحرمان علي النفس ودوافعها واحتياجاتها وضعفها أمام أقل الفرص التي تعيد لها هباتها الطارئة في مواقف مفاجئة عند مقابلة رجل كانت بينهما علاقة أو علاقات ثم غابا لأسباب والتقيا صدفة بعد سنوات ليست قليلة.

ترصد الرواية بوح بعض العناصر في تجمعاتهن في وسط البلد وعلي المقاهي التي يجلسن عليها مع بعض الكتاب والمثقفين، منهن من تعرض للأمراض النفسية ومنهن من استسلم لهذا الواقع المرضي ومنهن من تحرر من كل هذه القيود التي لا تتناسب مع ثقافته وتحرره واحتياجاته لتبرز الكاتبة كل هذه المشاهد عبر صياغة سرد يمتلك درامية الحدث في تكنيك فني بسيط يتناسب مع واقعية إنتاج خيال الدلالات التي تبرز عوالمهن ذات الخصوصية الواضحة لهذه الشريحة العمرية وارتباطها لبيئة وزمان ومكان الحدث.

كما أن عنوان الرواية “هبات ساخنة” هو البطل الحقيقي لدرامية الأحداث رغم تعدد شخصيات الرواية من أسماء حقيقية لم تجد الكاتبة الحرج في ذكرهم وذكرهن،من خلال بناء درامي تجسد من مركزية البناء العام،لبناء تراجيدي يحمل المآسي والصواقع في علاقة الأم وابنتها وشدة الصراع بينهما علي سبيل المثال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى