ثقافة الشُّطار

جميل السلحوت | فلسطين

(ما معنى كلمة “شاطر” فى اللغة العربيّة؟
نحن نقول: فلان شاطر” نقصد أنّه ممتاز في الدّراسة أو في العمل أو في وجه ما من الوجوه.
فهل هذا صحيح؟
الصّواب: لا.
بل العكس.
فلفظة (شاطر) أطلقت في العربيّة على صفات قبيحة، وقد جاء في القاموس المحيط (1/533): “والشَّاطِرُ : من أعْيا أهلَه خُبْثا”.
والأصل في الشّاطر أنّه الذي يشطح في سيره ويخالف الجادة ويبعد عنها قال الزّبيديّ في تاج العروس من جواهر القاموس (12/71): “قال أَبو إِسحاق : قَوْلُ النّاس: فلانٌ شاطِرٌ: معناه أَنه آخِذٌ في نَحْوٍ غيرِ الاستواءِ، ولذالك قيل له: شاطِرٌ ؛ لأَنّه تَباعَدَ عن الاسْتِواءِ” .
وقال أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري في الزّاهر فى معانى كلمات النّاس (1/115): “وقال أبو عبيدة: الشّاطر معناه في كلامهم الذي شطر نحو الشّرّ وأراده”.
والشّطارة هي المصدر من ذلك قال الجوهريّ في الصّحاح (3/260): ” والشاطر: الذى أعيا أهله خبثا. وقد شطر وشطر أيضا بالضّمّ، شطارة فيهما”.
ولذلك جاء في المعجم الوسيط (1/482): “الشاطر الخبيث الفاجر.”)
كثيرون جمعوا أموالا طائلة وأثروا ثراء فاحشا دون أن يعملوا شيئا، اللهم إلاّ إذا اعتبرنا التّهريج والاحتيال عملا، فبعض الأثرياء احتال على تنظيم أو حزب ونهب ما نهب باسم النّضال والجهاد! وبعضهم أثرى من خلال الاتّجار بالمخدّرات، فأصبحوا – بعد أن بنوا العمارات الفاخرة واشتروا الأطيان – وجاهات اجتماعيّة يشار إليها بالبنان، لكنّ التّجارة الأكثر ربحا في الأراضي الفلسطينيّة تحديدا وتخصيصا، وفي بقيّة الدّول العربيّة بشكل عامّ في أيّامنا هذه هي تجارة المنظّمات غير الحكومية المدعومة من دول الاتّحاد الاوروبي ومن أمريكا، وقد بدأت هذه المنظّمات نشاطاتها في استهبال واضح لتنظيمات وأحزاب لم تدرك خطورتها إلا لاحقا، وهذه التّجارة اتّخذت تخصّصات مختلفة حسب طلب “المستثمر”، لكن أشهر هذه التّخصّصات هي:- حقوق الانسان، التّوعية الدّيمقراطيّة، المرأة والطفل.
واستغلّ “المستثمرون” وكلاءهم المحلّيّين في نشر سياساتهم وأفكارهم وترويجها، في حين أنّ الوكلاء المحلّيّين استغلوا شعبهم من أجل الاثراء الشّخصيّ، وفي الأراضي الفلسطينيّة لم يقتصر الاثراء على القائمين على هذه المؤسّسات، بل امتدّ إلى شركائهم ممثّلي الجهات المموّلة الذين يظهرون كمتطوّعين في الأراضي الفلسطينيّة، بل وإلى شركاء مماثلين في الجانب الاسرائيليّ بنوا مؤسّسات مماثلة كتلك العاملة في الأراضي الفلسطينيّة،والمموّلون لا يدفعون للشّطّار الفلسطينيّين إلا إذا نسّقوا مع أقرانهم الاسرائيليّين.
ولا يفهمنّ أحد بشكل من الأشكال أنّ هذا الحديث يعني الوقوف ضدّ حقوق الانسان أو التّوعية الدّيمقراطيّة أو حقوق المرأة والطّفل، وإنّما يهدف إلى فضح الدّور المشبوه واللاأخلاقي لزمرة “الشّطّار” الذين استطاعوا تضليل الشّعب، ويسعون إلى أن يصبحوا قادته من خلال الانفاق الماليّ وتقديم الرّشوات، فانطلت حيلتهم على الشّعب فاعتبرهم البعض” شطّارا” مع معرفته المسبقة بلصوصيّتهم، وإذا كانت كلمة “الشّطّار” تعني اللصوص في اللغة إلاّ أنّ عامّة النّاس تعني بها الحذاقة والذّكاء والمهارة، ففي زمن الهزائم تنعكس الأمور، ويصبح اللصّ قائدا سياسيّا ذكيّا ووجيها اجتماعيا نابها بدلا من قطع يده أو وضعه في السّجن، ولا يلومنّ لائم عامّة النّاس لأنّ هؤلاء الشّطار اشتروا ذمم قادة سياسيّين وأمنيّين من خلال الانفاق الماليّ من أموال سرقوها، وهكذا فإنّ الدّائرة تتّسع؛ ليصبح حاميها هو حراميها، فبدلا من أن يحاسب هؤلاء القادة الشّطّار على ما سرقوه، فإنّهم يوفّرون لهم الحماية مقابل ثمن بخس، وتمتدّ شطارة الشّطّار إلى وسائل الاعلام التي يقدّمون لها أو لمندوبيها الرّشاوي التي تتراوح بين وجبة وسكرة في مطعم فاخر، وبين الدّفع الماليّ، فأصبح الشّطّار نجوما في وسائل الاعلام المرئيّة والمقروءة والمسموعة، وشرعوا يدلون بالتّصريحات والخطابات الرّنانة التي تلهب حماس الجماهير، فضلّلوا النّاس ووجدوا المؤيّدين، وهكذا نجح المموّلون في تلميع مثل هؤلاء الشّطّار لاعدادهم كي يصبحوا قادة المستقبل، لأنّ المخطّطات ترمي إلى استبدال التّنظيمات والأحزاب السّياسيّة بالمنظّمات غير الحكوميّة ليس على المستوى المحليّ أو الاقليميّ فقط، وإنّما على مستوى العالم، وقد نجحت هذه المخطّطات في دول مثل بنجالادش وأوكرانيا وغيرها، وفشلت في مناطق أخرى مثل فنزويلا، لكنّ يبدو أنّها تسير عند العربان بخطى واثقة نحو النّجاح، وهو دور مرسوم لهم من الخارج وينفّذونه في الدّاخل، وبالتّأكيد هو ليس في صالح الوطن ولا هو في صالح الشّعب، والشّطّار ينهبون ويسرقون ولا من رقيب ولا حسيب، رغم تشكيل لجان مكافحة الفساد، لكن الأدهى أنّ الشّطّار المحلّيّين يجدون مؤيّدين لهم في الأقطار المجاورة عبر المحطّات الفضائيّة، وهؤلاء المؤيّدون إمّا هم شطّار كشّطّارنا ومموّلوهم نفس المموّلين، أو جاهلون بما يقوم به شطّارنا، ويبدو أنّ شعوبنا لن تنتبه للشّطّار إلا بعد خراب الدّيار وبعد أن يغرق الجميع في مستنقع الشّطارة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى