«الإصلاح الفكري».. من أين نبدأ؟!

بقلم: خالد طالبي | كاتب سعودي

      يقول المفكر السعودي إبراهيم البليهي: «القادة الحاسمون يفرضون التغيير»، ويقول: «إن مشاكلنا تبدأ ولا تنتهي برفض الآخر حيث إن الرفض العميق لحضارة العصر يأتي أحيانا من أعلى المستويات التعليمية وهي ظاهرة واسعة في بلادنا».
والسؤال الذي طرح نفسه هو: هل نحن بحاجة إلي إصلاح فكري حقيقي؟!
هل ما يحدث في شعوبنا العربية من صراعات وتطرف وعنف وتعصب وطائفية يستدعي إصلاحاً فكرياً يقودنا ويقود هذه الشعوب إلي السلام والاستقرار والإنتاج والسير في الطريق المؤدي إلي مستقبل أفضل؟!.
وقبل أن نسأل أنفسنا: من أين نبدأ مسيرة الإصلاح؟!
علينا أن نسأل أنفسنا: هل نحن شعوب متخلفة فكرياً وعلمياً حتى أننا لا نستطيع أن ننافس شعوب تقدمت في الفكر والعلم والإنتاج حتى أنها أصبحت تصلح مركباتها وأقمارها الفضائية من الأرض من خلال الكومبيوتر بضغطة زر واحدة.
إذن أين الخلل؟!.. هل الخلل في الأوضاع الإقتصادية.. أم هو في نُظم التعليم والثقافة؟!
إن الفكر الموغل في التطرف يجب أن تتم معالجته بالفكر، فالمعدة حين تبلع الزجاج يجب أن نبحث عن أطباء جراحين مهرة لكي يقوموا بإخراج هذا الزجاج قبل أن يمزق الجسد، الأطباء هم القادة الذين عليهم أن يحملوا مشاريع الإصلاح ومشاريع التنوير على محمل الجد.
ففي زمن من الأزمنة قامت بعض الحكومات بإبتعاث بعض أبنائها للدراسة في الخارج، فحدث أن عاد هؤلاء الدارسين بأفكار إصلاحية كان من الممكن أن ترتقى بمجتمعاتهم، ولكن بسبب وجود تيار رافض متمسك بثوابت معينة وغارق في الماضي يرفض كل جديد وكل مشروع إصلاحي يمكن أن ينهض بالبلدان تم رفض هذه الأفكار الإصلاحية التي دعا إليها هؤلاء الدارسين وكانت النتيجة أنهم قادوا دعوة إصلاحية دون تحقيق أي نتائج فخرجوا بخيبات لا حدود لها.
إن العقل البشري يولد فارغا تبرمجه الوراثة والبيئة تكسبه نظم التعليم والثقافة.
الإنسان يولد بخيارات عقلانية مفتوحة لكن المجتمع يبرمج هذا الإنسان خلال سنوات عمره من الطفولة وحتى الرجولة.
يقول كانط: «التنوير هو الخروج من حالة القصور والجمود إلي حالة الحراك والاستخدام الأمثل للعقل».
إن الفكر التنويري لا يعطي ثماره إلا إذا تبناه القائد السياسي، فيقوم بتحويله من مجرد فكرة إلي واقع ملموس.
إذن.. فمن أين نبدأ ؟
نبدأ من الفكر أولاً.. فلا بد أن يكون هناك تطوير وإصلاح للفكر وهذا الإصلاح يحظى بأولوية وأهتمام من قبل الحكومات والنظم السياسية.

   هذا التطوير يبدأ بإصلاح النظم التعليمية التي تعد المنطلق الاساسي لكل عملية تطوير، كما أنه يبدأ من المعرفة، ومن هنا سأعطي مثالا لشاب أعرفه عاش فترة زمنية منغمسا فى التشدد والتطرف.. فماذا حدث لهذا الشاب؟!.. بالصدفة وقع في يده كتاب وهو «في صالون العقاد كانت لنا أيام» للكاتب المصري أنيس منصور.. قرأ الشاب هذا الكتاب كاملاً فأحدث الكتاب نقلة كبيرة في تفكيرة ووعيه، بعدها بدأ الشاب يبحث عن الكتب الفكرية والفلسفية، ومن ثم خرج من دائرة التطرف إلي دائرة أوسع وهي التصالح التام مع نفسه ومع مجتمعه.
إذن هو الكتاب.. المعرفة.. ففي الوقت الذي يقرأ الإنسان العربي أربع صفحات فقط في السنة فإن الإنسان الأروبي يقرأ أكثر من عشرين كتابا في السنة.
فكيف نبدأ بالعلم ونحن حجبنا أرفع العلوم وهي الفلسفة؟.. حجبنا هذا العلم عن أبنائنا فترة طويلة من الزمن!
كيف نبدأ ومدارسنا خالية من الكتب والمكتبات؟!
كيف نبدأ ولا يوجد في مكتباتنا التوزيع العادل للفكر؟!
كيف نبدأ وهناك نظم تعليمية تقوم على التلقين ولا تقوم على الفكر والتفكير الإبداعي وإيقاظ الوعي وعلى البحث العلمي؟!
الحل هو أن نبدأ من الإنسان.. فبناء الإنسان على أسس علمية وثقافية سليمة ومتصالحة يغلق أبواب التطرف والإرهاب.
أننا نتوق إلي إنسان العلم والسلم والعدل والمساواة ونبذ الكراهية والتعصب والإيمان بالآخر وحق الآخر في الفكر وفي العيش بسلام.
أننا نتوق إلي إنسان محمل بالوعي فيقوده هذا الوعي إلى تجاوز التعصب والخروج من حالة التسلط الفكري العنيف إلى حالة الاستجابة للفكر المستنير والاستجابة للضوء المنبعث من منارات السلام.
من هنا يبدأ الإصلاح الفكرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى