القرن الأعمى

الأسير في سجون الكيان الصهيوني – كمال أبو حنيش | فلسطين

مِنْ أينَ نَبدأ في

قِرائتِنا الحثيثةِ للزَّمانِ

وسبرِ أغوارِ الوجودِ

ولا يهمُّ إذا تنوَّعَتِ القراءاتُ العديدةُ

عن يدٍ أهدَتْ إلينا

كلَّ هذا الكونِ

كي نرِثَ الفضولْ

أو ضربةً للحظِّ

فانولدَ الوجودُ مِنَ العدمْ

ليبيضَ هذا الكونُ بيضتَهُ

الوحيدةَ “كوكباً “

يتبوّأ الإنسانُ قِمَّتَهُ

ليسألَ:

” أيُّ طيرٍ باضَ هذي الأرضَ

كي تلِدَ الحياةَ

وأيُّ دربٍ نقتفيهِ

لكي نعيشَ كما يليقُ “

ولا يرى غيرَ الطلاسمِ والعماءِ

فلمْ تدرِّبَنا الحضارةُ للوصولِ

إلى النِّهاياتِ السَّعيدةِ والسَّلامِ

ولمْ تهذِّبَنا الكوارثُ والحروبُ

لكي نثوبَ لرُشدِنا

ونكفَّ عن هذا الضَّلالِ المُستمِرِّ

مِنَ البداياتِ السَّحيقَةِ

راكضينَ لحتفِنا

ينتابُنا وهمُ الوصولْ

///

مِن محنةِ التَّاريخِ …

مِن ذكرى يسوعَ يُؤرِّخونَ زَمانَنا

وكأنّنا نحنُ اللّذينَ على الصَّليبِ مُسمَّرينَ

ويَكذِبُ الأسيادُ دوماً

يسرِقونَ دِماءَنا

لهم الحياةُ بيُسرِها وفُجورِها

ولنا الحياةُ بعُسرِها وقُشورِها

مُذْ أدخَلَ البشرُ الطُّقوسَ على المعابدِ

والعُبورَ إلى الزِّراعةِ والحضارةِ

لا نزالُ مُكبَّلينَ

وسائرينَ إلى الوراءِ

وفي محطتِنا الأخيرةِ

لا نرى غيرَ الرُّقاقاتِ الصَّغيرةِ

والذَّكاءَ الاصطناعي العجيبِ

ولم يَعُدْ فينا الذَّكاءُ

ولا نَعي أنَّ الصُّعودَ طريقُنا

نحوَ الهبوطِ إلى الحضيضِ

فَسِرْ بنا يا قرنَنا الأعمى…

سريعاً…

نحوَ أبوابِ الخروجِ

مِن التَّعاقُبِ والفصولْ

///

والقرنُ يفتحُ بابهُ بقيامةِ البرجَين

والغزوِ السَّريعِ …

إلى الرُّقاقاتِ الذَّكيَّةِ

وإزدهارِ الطِّبِّ والتَّحويلِ،

والثَّوراتُ تُشعِلُ عصرَنا

نصحوا لنلهَثَ باحثينَ

عن الغوايةِ والمرَحْ لكنَّنا

لا نستريحُ، ولا نُحسُّ سعادةَ

الكسبِ الوفيرِ مِن اللَّذائِذِ والفرَحْ

والقرنُ أعمى …

راكِضاً فينا

على أكتافِهِ ومُسمّرينَ

يسيرُ فينا مُسرعاً

نحوَ النِّهاياتِ الفَظيعَةِ والفناءْ

يا قرنُ … مهلاً … لا تُسرِّعْ في قيامتِنا

وامشِ الهُوينى كي نراكَ

مُبشِّراً برخائِنا وهنائِنا،

نحتاجُ أنْ نعتادَ هذا السَّهلَ فيكَ

ونَهضِمُ الفرحَ الوفيرَ

فَسِرْ بنا،

نحنُ الحيارى البائسينَ

إلى النِّهاياتِ الظَّليلَةْ،

واملأ خَلايانا العليلةَ بالحياةِ

لعلَّنا نحيا قليلاً

أو نعودَ – بحُلمِنا –

نحوَ البداياتِ السَّحيقةِ والأصولْ

///

والقرنُ أعمى لا يكفُّ عن المَسيرِ بسرعَةٍ

معَ أنَّهُ قرنُ العيونِ الشَّاخِصاتِ بكلِّ

زاويةٍ ورُكنْ

الكاميراتُ، والأقمارُ، والشَّاشاتُ، والأضواءُ

والتَّحديثُ، والعِلمُ المُثابِرُ للأمامِ، وشهوةُ

السَّفرِ البعيدِ إلى البعيدِ إلى الفضاءْ

لكِنَّهُ قرنٌ كفيفٌ لا يرى،

ويدوسُ مَنْ بطريقهِ

مِنْ دونِ رِفقٍ بالصِّغارِ المُعدمينَ،

وكلُّ شيءٍ صارَ مرئيّاً تماماً

غيرَ أنَّا نشتكي عُسراً بهضمِ

سهولَةِ الأشياءْ

فلنحنُ في شغفِ القديمِ إلى العِناقاتِ الحميمةْ

والأرضُ تغرقُ بالحرارةِ والدُّخانْ

والأرضُ حُبلى بالمتاهاتِ الطَّويلةِ

والحياةِ على القشورْ

تتكاثرُ الدِّيدانْ يَنتشرُ التَّلوُّثُ، تختفي الغاباتُ

رأسُ المالِ يَكتسحُ الهواءْ

(تفترعُ)

(لا أجد لها معنى وربما نقلت الكلمة على غير شكلها الأصلي)

(البراءةُ في بيوتِ اللهِ)

وكُلُّنا يجتاحُنا هذا الذُّهولُ

وكُلُّنا مرضَى التَّعاسةِ والذُّبولْ

///

تمضي الحداثَةُ في الطَّريقِ إلى المزيدِ

مِنَ التَّألُّقِ والسِّيولَةِ والرَّخاءِ

كقشرةٍ تخفي التَّعاسَةَ والشَّقاءْ

تتخلَّقُ الأشياءُ مِنْ رَحمِ السَّرابِ

وفي العلاقاتِ السَّريعةِ والهُراءْ

لا آدمَ يأتي ليَقطُفَ شهوةَ التُّفاحِ

مِنْ بُستانِ حواءَ الشَّهيِّ

ولا يُبالي بالولادةِ والبقاء

ولا يكُفَّ الأولياءُ الكَاذِبونَ

عنِ الخطابةِ والثَّناءِ على السَّماءْ

لم ييأسْ المُتفذلكونَ

ولا الدَّهاقنَةُ الكبارُ

ويلعبونَ النَّردَ في وضحِ النَّهارِ

ويَكسبونَ لأنَّهمْ لمْ يعرِفوا طعمَ الأمانةِ والنَّقاءْ

فالغشُّ لِعبَتُهمْ

ولِعبتُنا البراءةْ

والكسبُ مهنَتُهم

ومِهنَتُنا الخسارةْ

وسيسأمونَ مِنَ السَّعادةِ والثَّراءْ

يتكاثرُ المُتزلِّجونَ على السِّياسةْ

ويُشرِّعُ المُتشائمونَ هواجِسَ

الأعرابِ عن هذا الخرابِ

ويفتحُ المُتفائِلونَ شهيَّةَ

البشرِ القديمةِ للخلودْ

“ونعود آلهةً صغاراً لا تموتُ”

ويدَّعي الشُّعراءُ

أنَّ الكونَ خُنثى

لا يسيرُ لغايةٍ

وبِلا معانٍ أو ميولْ

///

أينَ السَّماءُ وقدْ تعاظمَ

صَمتُها وحِيادُها

لنلوذُ فيها، نستجيرُ

وأينَ أنتَ وقدْ تفاقمَ يأسُنا

وننوءُ مِنْ حِملٍ ثقيلٍ ظلَّ يُبطئ سَيرَنا

نُصغي إليها، عَلَّها

تلقي إلينا وحيَها..

لكِنَّها الأقمارُ تُحصي

ما سنهمِسُ للنساءِ

على أسرةِ نومنا

ما عادَ وحيًا كلُّ ما يأتي

مِنَ الأعلى

فمتى القيامةُ

آهِ… لو تأتِي القيامةُ

كي تَرُدَّ الميِّتينَ

ليَشهدوا مأساتَنا

ينهارُ عالمُنا المُضيء أمامَنا

فمتى القيامةُ

كي نموتَ لعلَّنا نَحيا ولو في موتِنا

لم يأتِنا وحيٌ جديدٌ

إنَّما الإيحاءُ يأتينا من الأقمارْ

ونكونُ في قلبِ الجدالِ المُستمرِّ

وشرحِ معنى الفارقِ اللَّفظي

بينَ الوحي والإيحاءْ

ويكونُ فينا كلُّ شكٍّ

أو إباءٍ أو قبولْ

///

فَاسِرعْ بنا يا قرنُ نحوَ :

هلاكِنا وخلودِنا

سيَّانِ كانَ الأمرُ

فيما ينتهي فينا المصيرْ

سِرُّ الطَّبيعةِ لم يعدْ سرّاً جليلَا

والكَونُ يصغرُ كلَّما ابتكرَ الطُّغاةُ

مسالكاً للانعتاقِ مِنَ الحياةِ

أو الفناءِ

وسِرْ بنا يا قرنَنا الأعمى

ولكن قِفْ قليلًا

كي نودِّعَ نفسَنا

ولكي نُعانقَ كلَّ شيءٍ حولَنا

قبلَ النِّهايةِ والأفولْ

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى