حيرة مضنية

هند خضر | سوريا
عندما أبدأ الكتابة عنك، وقبل أن أفضي بما يدور في مخيلتي على الورق أقع بين الشيء واللاشيء، بين الالتباس والوضوح وبين الشك واليقين ..
يوم آخر ذهب من قائمة الأيام والسنين إلى غير رجعة،ومازلت محور اهتمامي و محتوى أفكاري .. في هدأة هذا السكون الرهيب الذي يلف المدى وعلى إيقاع موسيقاك الساهية أوقّع ألحان أحلامي و أمالي، أبحث عن طرف خيط لألتقطه بأناملي وألتمس بيدي إن كنت أحبك أم لا، ياللأسف لا ألتقط سوى جمرة غياب موجع ،أتعثر في طريقي إليك حتى لو لم تفصلنا عن بعض سوى بضعة سنتيمترات، أتدرك لماذا؟
لأن طريقي إليك غير سالك وفيه حواجز من صنع زماني ومطبات القدر تعيقني دائماً فأجد نفسي حبيسة شعور يفرض عليّ ألا أتجاوز الخطوط الحمراء ولا أعبر الحدود إلى مدائن ليس لي فيها مكاناً، ولكن ما من حقيقة مطلقة في هذا العالم كحبك وما من يقين لا يقبل الجدال كوجودك في قلبي وكأن الله سكبك بداخله سكباً ..
عندما يعتريني شعور التعري من حبك أحاور إحساسي ليجيبني بلسان حالك ..
أتساءل: إذا كنت حقاً لا أحبه فلماذا تفضحني عيناي عندما أراه ؟
‏لماذا تحلو ملامحي وتضحك أساريري؟
لماذا يلتفت قلبي عندما يلمح طيفه ؟
يأتي إحساسي ليجيبني نيابةً عنك ويطفئ ناراً تلتهم أحشائي: :لو لم تكوني أنتِ في حياته لكان قد رسم ملامحك بأدق تفاصيلها على وريقات عمره وزرعك نرجسةً في تربة قلبه ليفوح عطرها في عالمه الكئيب، فأنتِ الفرحة الوحيدة التي لطالما تمنى ألا تنتهي، الحب يا عزيزتي لا يحتاج للإفصاح عنه، نظرة واحدة تكفي لحل هذا اللغز وفي اللحظة التي تمرين قربه يغضّ نظره ولكن قلبه يلتفت نحوكِ ..أليست هذه دلائل كافية تساعدك على الخروج من متاهتك؟ !
عذراً منك إحساسي: إنني اليوم على مقربة من فقدان الصواب والجنون، دماغي ممتلئ بالأسئلة وما من إجابات مؤكدة،لا أنكر أنني غارقة في حيرتي، إنه شعور آسر يكبلني، ينقبض صدري، تضيق أنفاسي حد السآمة والضجر، تغلف الكآبة وجهي، يستولي اليأس على عقلي ويسجنني القلق في زنزانة اختيار واحد لا املك سواه فأقاسي ما أقاسيه من الآلام، كل ما أعيشه ظنون رغم أن حواسي لاتتعطل برؤيته،على العكس تقوم بمهامها على أكمل وجه، ترتعش روحي داخل جسدي ،تتصاعد أبخرة عشقه إلى رأسي وأشعر أن الكرة الأرضية خالية من قاطنيها إذا ما خلت من تواجد طيفه ،وأنني كنافذة معلقة في الهواء لا تطل على أحدٍ سواه فلماذا الحيرة؟
ردّ عليّ قائلاً: حيرتك المضنية سببها أن من يحتل ذاكرتك بعيد عن العين كالقمر، قريب من القلب كالنبض، تارةً هو الطريق وتارةً هو الضياع،بينكما نار الشتاء، يعبر إليكِ بنظرة من سراب وتعبرين إليه بقصيدة محمومة الأوزان آملةً أن تلتقيه بين سطورها وتكونين فيها المبتدأ ويكون لكِ خبراً ..
بالنسبة لي أيها الإحساس أنت مقبرتي، فأنا أعتمد عليك كلياً وأتبعك لأهتدي إلى الطريق وأصل إلى مسافة الأمان بيني وبينه ،أحاول إيجاد الدروب المؤدية إلى الخلاص فأزداد اضطراباً، تنشطر روحي إلى نصفين، نصف مازال معه ونصف تغرب عنه وما بين الحالتين بحار من التيه ولهذا أريد أن أخبرك بأننا لن نلتقي، بل من المحال أن يحدث ما أقول ،وإن تنازلت الأحلام عن كبريائها وتواضعت قليلاً وكتبت لنا اللقاء فهل سيطول انتظاري؟
اسمعيني ياهند: سوف تلتقي به في طريق عابر على جسر صُمم خصيصاً للعشاق، شُيّد بيدٍ مهندس مبدع ألا وهو إله الحب والجمال والرغبة ڤينوس، إنه جسر أبجدية العشق الأزلي المختبئ بين النبضة والأخرى ليصبح مع مرور الزمن معتّقاً في مهجتك كما يعتّق الخمّار النبيذ أعواماً طويلة فيغدو لذيذ المذاق، ستجمعكما كلمة مؤلفة من حرفين (الحاء والباء) وستشكلان منها روايات ممزوجة من مشاعر الولع والوجع لكل عاشق وقع في غرام ممنوع من الاستمرارية ، في رحلة بحثكما عن بعض سوف تجتمعان بين طيات كتاب يروي لكل الكون حكاية تشبه الخط المستقيم لها بداية وليس لها نهاية ،حينئذٍ ستتبدد شكوكك ،ستنقشع تلك الغيوم التي تغطي سماء عمرك وسيخلد التاريخ أسماءكما وستكملان معاً مشوار الحياة بين السطور إلى اللانهاية …
تابعت حديثي : وأحلامنا التي غفونا على زندها معاً، وآمالنا التي بنيناها بأيدينا،و الوعود التي قطعناها بأننا سنكون على موعد ذات مساء نضيء فيه شموعنا، نحتسي قهوتنا وتلك الأطلال التي وقفنا عليها لتشهد على حبنا الأسطوري أيعقل أن يكون كل ما ذكرت أوهاماً ؟ هل من المعقول أن تتبخر أمنياتنا التي تصاعدت على درج أرواحنا واستقرت في أفئدتنا؟ على مايبدو فجوة الصمت التي وقع فيها تحول بيني وبين راحة بالي وطمأنينتي ..
أجابني: إن حباً كهذا محاطاً بأشواق كروية ورغبات جامحة بالبقاء لابدّ أنه بلغ حد القداسة، استمراريته بهذه الكثافة يدمرها الوصول ويحولها إلى علاقة عابرة لاتترك أي أثر في النفس، حلاوته تكمن بذكرى نقشها على ذاكرة جسدك وكما تعرفين الذكريات هي نقوش تأبى النسيان،
دعي الرياح تجري كما تشتهي السفن، اخرجي من عتمتك وقوقعتك، تخلصي من غصة عالقة في حنجرتك، لاتتراجعي عن حبه وخذي منه كمشة أمل لكل يوم تعيشينه في غيابه وجرعة دواء لروحك التي تكاد تُحتضر من عمق سكوته وكتمانه ..
في الختام ..بين حقيقة حبه و واقع رحيله أقبع في كنف إلهامي ،أعيش على التساؤلات وأقف في محطة الانتظار أترقّب وصول إجاباته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى