فبذلك فليفرحوا (١)

رضا راشد | الأزهر الشريف

إن من عظمة ديننا الحنيف أنه دين كامل متكامل، ومن ظن به غير ذلك فمن جهله أوتي .ومن مظاهر هذا الكمال أن شرع فيه الفرح للمسلمين وقتا ما، بحيث يعد الفرح والسرور شعيرة يثاب عليها المرء،فإن خالف عد ذلك منه معصية .

ومما يدل على ذلك: أن من شمائل الخير سرورا تدخله على قلب مسلم =كما أن تهنئة المسلم بالخير يصيبه، من حق المسلم على المسلم ؛لأن التهنئة مما يزداد بها الفرِح فرَحًا والمسرور سرورا، كما شرع الإسلام التهادى وسيلة للفرح والتحاب والتواد، فقال صلى الله عليه وسلم: “تهادوا تحابوا” وشرع الزيارة لأخيك في الله لا يدفعك إليها إلا الحب في الله .وما ذلك إلا وسائل لإدخال الفرح والسرور إلى قلوب المسلمين .

ولم يكتف الإسلام بمشاعر الفرح الخاصة يبعثها في قلوب بعض أبنائه في بعض الأيام ،بل حرَصَ الإسلام على بعث مشاعر الفرح في قلوب جميع أبنائه كما يبدو في شرعه الأعياد نوافذ يلج منه الفرح إلى قلوب جميع المسلمين .

وحين شرع الإسلام الأعياد وسيلة لفرح المسلمين لم يَكِل فيها الأمر لكل امرى يفرح بما يناسبه من وسائل مجتهدا في ذلك ،بل سن للفرح سبيلا قاصدا مستقيما بحيث يكون السبب واحدا والمنهج واحدا .

فمن ذلك أنه شرع للمسلمين وقتا للفرح واحدا لا يختلف ؛وهي الأعياد ،وجعلهما عيدين فقط ، ملغيا كل عيد في الجاهلية ،ثم ما يستحدث من أعياد خاصة ، إن -واقول إن – كانت سببا في بعث سرور ما في قلب طائفة من الناس فهى مبعث آلام وهموم وأحزان في قلوب طوائف أخرى: كما يحدث فيما يسمى بعيد اليتيم وما يسمى بعيد الأم من توهم إدخال السرور على قلب اليتيم والأم ، بينما تدخل الهم والحزن في قلوب اليتامى أنفسهم (في يوم اليتيم) ومن فقد أمه (في يوم عيد الأم).

جعل الإسلام عيدي الفطر والأضحى مناسبة للفرحة العامة تظلل قلوب المسلمين جميعا؛بما سبقهما من شعائر وما اكتنفهما من تشريعات .
فعيد الفطر يأتى تاليا لشهر رمضان الذين كان كبحا للشهوات بالصيام ،فجاء يوم الفطر فرحا بإباحة ما كان في رمضان محرما من مباحات الطعام والشراب والشهوة، وبدهي أن تفرح النفوس – التى جبلت يوم جبلت على الشهوات – بإباحة الطعام والشراب والنساء في نهار العيد بعدما كان محرما كل ذلك في رمضان ،وذلك هو السبب الأول للفرحة.
أما السبب الثانى: ففرح النفوس بإعانة الله لها على الصيام بما له من الثواب الجزيل فقد ذهب التعب والظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله .

ولما كان الفقر حجابا بين الفقراء وتلبية حاجاتهم ومن يعولون في العيد بما يكون مجلبة للهم والغم كفوا مذلة السؤال في هذا اليوم بما شرع الله من زكاة الفطر حتى يجد كل امرئ في العيد ما يكفيه وأولاده فتعم الفرحة الجميع.

وفي عيد الأضحى كانت أسباب الفرح غامرة للجميع ؛فمن وفق للحج جاء العيد إتماما للنسك حتى يفرح الحاج بما من الله عليه ،وأي فرح أعظم من فرح قلب المسلم بتوفيق الله له للحج وغفران ذنوبه، ومن لم يكتب له الحج فقد عوضه الله تعالى بالأيام العشر يفضل فيها العمل الصالح كل عمل في غبرها من الأيام حتى الجهاد إلا من خرج يجاهد بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء ،فإذا استجاب المسلم لربه فاجتهد في هذه الأيام بالعمل الصالح ومنه الصيام ثم جاء يوم العيد تفريجا على النفوس ببعض مشتهياتها من المباح كان حريا بهذه النفوس أن تفرح .
وكما شرع الله زكاة الفطر في عيد الفطر وسيلة لمشاركة فقراء المسلمين لأغنيائهم الفرحة بسد حاجتهم فكذلك شرع الله لفقراء المسلمين في عيد الاضحى الأضحية يجود بها المرء على نفسه وعلى أصدقائه وعلى فقراء المسلمين فيسود الود بين افراد المجتمع المسلم ويعم الفرح جميع القلوب.

هذا هو شرع الله؛ ومن أحسن من الله شرعا؟! وهذا هو حكم الله ؛ومن أحسن من الله حكما ؟!
يتبع…….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى