العلّامة سعيد أبو الفتوح .. عطاءٌ يتجدد

صبري الموجي | مصر

دلتْ رناتُ الهاتف الأرضي الطويلة والمُتصلة علي أن المكالمة الواردة دولية، أو من إحدي المحافظات المجاورة وليست محلية.

سريعا رفعت السماعة مستفسرا: من معي، فأجاب بصوتٍ حانٍ وحادب.. سعيد أبو الفتوح، جال بخاطري كلُ سعيدٍ أعرفه إلا شخصَ المُتصل، الذي جاء ليُكذب حدسي ويكون هو سعيد الذي لم أكن أتوقعه، والذي انقطعت صلتي به قرابة سنتين كاملتين، بعد تغيبي عن محاضرات السنة التمهيدية بكلية البنات بعين شمس لظروف العمل.
درَّس لنا العلامة سعيد أبو الفتوح بسيوني مادتي أصول الفقه، ومناهج البحث، فكان فيهما حُجة ضليعا، بل كان إلي جانب ذلك نموذجا يُدرس في التواضع وحسن الخلق، اللذين صاحبتهما أناقة في الملبس، زادته وقارا إلي وقاره.

لم تكُن مادة أصول الفقه علما يُستهانُ به، بل كانت علما خشنا، لابد أن يكون معلمُه فاهما لأصوله، واعيا لتفريعاته، عارفا بدقائق اللغة وأسرارها؛ التي هي وسيلة توصيل ذلك العلم ونقله للمتلقي وهكذا كان العلامة سعيد أبو الفتوح.

في تلك السنة الدراسية كثيرا ما كنا نجد صعوبة في فهم المصطلحات، وغموضا يُنفرنا من الصمود أمام مصادرِ ذلك العلم ومراجعه، وبمجرد رجوعنا لأستاذنا الدكتور سعيد يستحيلُ الصعبُ سهلا، والغامضُ مفهوما؛ بفضل ما وهبه الله به من حكمة وفصل الخطاب.

في قاعة الدرس كنتَ تخالُ العلامة سعيد بسيوني رجلا من زمن الأولين؛ بما امتاز به من حضور ذهن، واتساع مدارك، وموسوعية علم، وحسن استنباط، وتوافر أدلة تُثبت أنه عالمٌ ثبتٌ، راسخُ القدم، واثق الخطوة، لا يتكلم إلا بالدليل، ولا يستمعُ إلا لصوت العقل، مادام لا يوجدُ نصٌ صريح .

كان سعيد بسيوني يُجيد الإنصات، ويُحسن الحديث، وكثيرا ما كنا نظن إنصاته – أثناء استفسار أحد الطلبة عن شيء غامض – شرودَ ذهن، فإذا بنا نفاجأ أن صمته كان تركيزا، وسبرا لغور المتكلم؛ لتأتي ردُوده علي السائل وقد حوت الدواء الناجع، والإجابة الشافية !

كانت محاضرة العلامة سعيد بسيوني ورشة تدريب، نتعلمُ فيها أصول الفقه ومبادئه، ونتربي علي أدب الحوار الذي كان فيه أستاذنا نموذجا وآية !

لم يُغلب بسيوني يوما الصوت الزاعق، بل كان يحُضنا علي الهدوء، وسوق الحجج، وتغليب العقل والمنطق؛ استنادا إلي مرجعيته الأصولية.

لم تختلف كُتب العلامة سعيد بسيوني عن شخصه؛ لأن الكتاب عنوان صاحبه، فقد امتازت بوضوح الفكرة، ومتانة اللغة، ودقة الألفاظ ، وكلها مقوماتٌ كتبت لها الرواج والقبول لدي القارئ .

عُرف أ. د سعيد أبو الفتوح بالنظام، واحترام المواعيد، والحرص علي المحاضرة مهما كانت الصوارف والأشغال، فما تخلف يوما عن محاضرة، أو قصّر مرة في شرح درس .

ولأن النجاح لا يتجزأ، إذ تتسع مظلته، وتتعدد جوانبه، فقد كان العلامة سعيد أبو الفتوح ناجحا في كل عمل أسند إليه، فبجانب كونه عالما، يصغر أمامه كثيرٌ من العلماء، فقد كان إداريا من طراز فريد، جمع بين الشدة واللين أثناء رئاسته قسم الشريعة بكلية الحقوق جامعة عين شمس، كان لينُه تشجيعا لتربية الكوادر الشابة علي المشاركة بالرأي، وشدتُه ضرورة لمنع اللغط والصخب.

شارك ومازال في العديد من المؤتمرات التي تُناقش قضايا الشريعة، وتطوير الدراسات الإسلامية، وأشرف علي العديد من الرسائل الجامعية، ونشر الكثيرَ من البحوث والدراسات في مجال الشريعة.

حرص الطلابُ والدارسون علي اقتناء كتبه النافعة والرائدة، فلا تخلو مكتبةُ متخصص من كتاب أو أكثر من كُتب العلامة سعيد بسيوني، التي من أهمها: أحكامُ الميراث والوصية والوقف في الفقه الإسلامي، والحرية الاقتصادية في الإسلام وأثرها في التنمية، بالإضافة إلي عديد من البحوث في أصول الفقه العام وعلوم الشريعة التي صيغت صياغة رصينة تُثبت أن سعيد بسيوني عالمٌ من زمن الأولين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى