السد الإثيوبى: الواقع والطريق المسدود

د. فيصل رضوان | الولايات المتحدة الأمريكية

   “المفاوضات اللانهائية” هذا ما يسميه الكثيرون في مصر والسودان ممن أصابهم الملل، ولا يبدو أن إثيوبيا على وشك التنازل.

    ومع استمرار ارتفاع منسوب المياه ببطىء خلف جدران السد الإثيوبي الضخم، يزداد الإحباط بين المسؤولين في عاصمتي المصب.

   مرت عشر سنوات منذ أن بدأت أديس أبابا جذب الاستثمارات الدولية لبناء مشروعها الكهرومائي على النيل الأزرق، المعروف أيضًا باسم سد النهضة.

    وبدأت المفاوضات في رحلات مكوكية بين الدول الثلاث بعد فترة وجيزة من الإعلان عن الشروع في عملية البناء. والآن، وصلت جولات “المحادثات اللانهائية” هذه إلى طريق مسدود.

   وتدعى إثيوبيا إن السد ضروري لتوليد الكهرباء وتحسين حياة 115 مليون نسمة – يعيش الكثير منهم في الظلام. وتخشى مصر من تأثير السد على حصتها البالغة 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل الأزرق الذي يصلها منه 88% من مجمل حصتها المائية، بينما يساور السودان مخاوف بشأن تنظيم تدفق المياه إلى سدوده.

   ويمتد السد الإثيوبى الكبير الذي تبلغ تكلفته 4.8 مليار دولار على مجرى النهر على بعد أميال قليلة من حدود السودان. وبمجرد امتلاء الخزان، ستولد بحيرة اصطناعية من 74 مليار متر مكعب من المياه – على مساحة تتجاوز ثلاثة أضعاف مساحة القاهرة.

   ويهدف تخزين المياه إلى صنع ضغط مياه لتشغيل 16 توربينًا، وتوليد حوالى 6000 ميجاوات من الكهرباء.

   وبدأت إثيوبيا المرحلة الأولى لملء السد عام 2020. وأعلنت مؤخرا وبشكل منفرد عن انتهاء المرحلة الثانية لملئ البحيرة دون الرغبة فى التوصل إلى اتفاق ملزم قانونًا أو توقيع أى التزام دولى بشأن جدولة ملىء السد وأسلوب تشغيله.

   وعلى طاولة مجلس الأمن الدولي، حذرت مصر على لسان وزير الخارجية السيد سامح شكري، من عواقب المساس بحقوقها المائية بقوله إن مصر “لن يكون أمامها بديل سوى دعم وحماية حقها الأصيل في الحياة الذي تضمنه قوانين وأعراف الدول. وضرورات الطبيعة “. وأشارت نظيرته السودانية مريم الصادق المهدي بأن “أفعال إثيوبيا الأحادية” بمثابة “تهديد أمن وسلامة” المواطنين السودانيين.

   وقد حذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مارس الماضى من أنه “لا يمكن لأحد أن يأخذ قطرة ماء واحدة من مصر، ومن يريد ذلك فليحاول”. وفى حينه وقعت مصر والسودان اتفاقا عسكريا، حيث سعى البلدان إلى ممارسة نوع من الضغط على أديس أبابا عندما أجريا فى يونيو الماضى مناورات عسكرية واسعة النطاق بالقرب من الحدود الاثيوبية اُطلق عليها “حراس النيل”.

   في وقت لاحق، ومع زيادة اليأس وفشل وساطة الاتحاد الأفريقى، قرر البلدان رفع النزاع إلى مجلس الأمن فى محاولة لإيجاد مخرج من المأزق الحالي.

   ورأت إثيوبيا في هذا القرار خطوة لإفشال وساطة الاتحاد الأفريقي المستمرة منذ عام.

    ويفسر محمد نصر علام، وزير الري والموارد المائية المصرى السابق لصحيفة الإندبندنت البريطانية قرار اللجوء إلى مجلس الأمن بقوله إن “الاتحاد الأفريقي منظمة خاملة”. وأضاف “إنها غير قادرة على الضغط على إثيوبيا لتقديم تنازلات وبعد كل هذه الأشهر لم تصدر عنها ولو تقريرا يشرح أسباب هذا المأزق “.

   وثبت أن تحويل الأزمة بشأن السد إلى نزاع دولي كان مهمة شاقة، لأن المجلس ليس له تاريخ في التعامل مع نزاعات المياه.

  هكذا، لم يظهر أعضاء مجلس الأمن الدولي أي ميول للعب دور مركزي في المفاوضات، وكرروا دعمهم لجهود الاتحاد الأفريقي للتوصل إلى اتفاق.

   وربما زادت إثيوبيا من تعقيد الموقف حيث واجهت قرار دولتي المصب “بواقع لا رجعة فيه” من خلال بدء الملىء الثانى— ساعات قبل اجتماع المجلس الدولى!.

    ورغم دفئ العلاقات بين موسكو والقاهرة، فإن موقف مبعوث روسيا لدى الأمم المتحدة، كان صادمًا حيث وجه تحذيرًا صريحًا لمصر والسودان من “تصعيد خطاب المواجهة”، مؤكدًا أن بلاده لا ترى سوى المفاوضات على أنها الطريق إلى الأمام. وهكذا كان موقف الصين الرسمى.

   ومن الواضح أن أديس أبابا كانت عازمة على المضي قدما في ملىء خزان السد أثناء هطول الأمطار الغزيرة في يوليو وأغسطس على أية حال، وبغض النظر عن ما يقرره مجلس الأمن، حيث إنها تنفى بشكل “كلامى غير موثق” أي نية للإضرار بمصالح مصر والسودان.

   ويبقى موقف الولايات المتحدة محيرًا، والذى يعتقد مسؤولون في مصر والسودان، بأنها الدولة الوحيدة القادرة على المساعدة في التوسط في اتمام صفقة نهائية.

    ويذكر أنه في فبراير من العام الماضي، انسحبت إثيوبيا من جولة مفاوضات في واشنطن حول السد نظمها مساعدو الرئيس السابق دونالد ترامب، والذى صرح فى أيامه الأخيرة في البيت الأبيض، أن مصر قد “تفجر” السد، ربما أراد الضغط المعنوى على إثيوبيا للدخول بجدية فى اتفاق نهائي؛ وهو البيان الذي أرسل موجات من القلق في جميع أنحاء إفريقيا.

   كانت هناك صفقة قريبة في متناول الدول الثلاث لكنها تعثرت في نقطتين رئيسيتين: “كمية المياه التي ستكون إثيوبيا على استعداد للإفراج عنها من سد النهضة في حالة فترة الجفاف ، ومسألة حل النزاعات، مع رفض إثيوبيا التحكيم الدولي الذي أصرت عليه مصر والسودان.

    ويبدو أن إدارة الرئيس بايدن مترددة في استخدام ثقلها لممارسة ضغط كافٍ على أي متنازع فى الوقت الحالى، وغياب استراتيجية صريحة بشأن النيل، لكن يرى اغلب المحللون هنا؛ أن الأولوية الرئيسية للولايات المتحدة هي ببساطة منع أي تصعيد عسكري بين الدول الثلاث، وأن أى زعزعة للاستقرار في شرق إفريقيا سوف تؤثر على أمن البحر الأحمر ، المرتبط بالأمن القومي للولايات المتحدة في إفريقيا.

    ويبدو أن الأمن في المنطقة في حالة يرثى لها على اية حال. إلى جانب الحرب الأهلية المشتعلة، فهناك صراع مقاطعة تيجراي الحدودية، حيث دخلت القوات المسلحة والميليشيات من إثيوبيا والسودان فى حرب شاملة على منطقة الفشاجة المتنازع عليها.

    وفي مواجهة هذا الواقع الكئيب من عدم الاستقرار الاجتماعي والنزاعات الحدودية والاقتصاد المنهار تحت عجلات Covid-19، يعلق جميع الإثيوبيين آمالهم على سد النهضة باعتباره حلمًا يمكن أن يغير حياتهم هذه المشاعر القوية التى يستغلها السيد أبي أحمد فى تأجيج المشاعر القومية وراء مشروع سد النهضة ، والذى يظن فيه توحيد لأمة على شفا التفكك التام. وربما ذلك يجعل من “غير” المحتمل، الآن أن تقدم إثيوبيا أي تنازلات لم تكن على استعداد للتنازل عنها من قبل.

   على الجانب الآخر، يحتفظ الناس فى مصر بإعتقاد راسخ بأن حكومتهم قادرة على حماية تدفق المياه التى يعتمدون عليها من آلاف السنين للبقاء على قيد الحياة.
وفي الوقت الحالي، على الرغم من أن الخيار العسكري لا يزال أقل احتمالًا، فلا يمكن استبعاده بالمرة. حيث يرى المحللون أن الموقف المائع من مجلس الأمن ربما يكون قد وضع أي استعدادات عسكرية من قبل مصر والسودان على نار هادئة.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى