فبذلك فليفرحوا (٢)

رضا راشد | الأزهر الشريف

ذكرت في المقال السابق أن من كمال ديننا أنه جعل من الفرح شعيرة يتعبد لله بها لا مجرد شعور فوضي ارتجالي ينتاب المرء حينا ويغيب عنه حينا .بل نظم هذا الشعور بعد أن جعله شعيرة؛ فكانت له أسبابه المنطقية التى تجعل من الفرح يرفرف في قلوب المسلمين شعورا منطقيا طبعيا لا شعورا مصطنعا مجتلبا من أودية التكلف مراعاة لبروتوكولات معينة، كما هو الحال عند علية القوم !!

     جعل الإسلام من عيدي الفطر والأضحى مناسبات للفرح عند المسلمين؛ فرح غرزي مبعثه قضاء شهوات الجسد بعد أن كانت حراما= وفرح روحي مبعثه نشوة تنتاب الروح عقب الانتصار على شهوات النفس – في ميدان الإرادة – والتغلب على غرائزها وقمع شهواتها.

ولم يبح الإسلام للمسلمين الاحتفال بأعياد غيرهم؛ حرصا منه على تكثيف أفراح المسلمين بأعيادهم وعدم تشتت قلوبهم بأفراح شتى،فحين هاجر المسلمون من مكة للمدينة كان لليهود يومان يلعبون فيهما، وكان يشاركهم في الاحتفال بهما أهل المدينة من الأوس والخزرج فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم من الاحتفال بهما وقال: “إن الله أبدلكما يومين خيرا منهما : يومي الفطر والأضحى ”

   وخص الأمة المحمدية بهما، حتى لا يشاركهم غيرهم فرحتهم بهذين اليومين، فقال تعالى:《لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه》ومن معانى المنسك العيد ،ولا يخفى أن اللام هنا للاختصاص ؛أي أن كل أمة اختصت بعيد لا يشاركها فيه غيرها من الأمم.

   ولما كان من بواعث الفرح وزيادة الشعور به الاجتماع، وإظهار الفرح شرعت صلاة العيدين وجعلت سنة إقامتها في الخلاء؛ ليكون من اجتماع المسلمين فيهما وإظهارهم أنفسهم في الخلاء مزيد فرح لقلوبهم. وإن شئت فقارن بين صلاة العيدين كما هى الآن، وبينهما لو كانتا فردية يؤديها المرء وحده في بيته أو يؤديها المسلمون جماعة ولكن في المسجد: أيتهما أبعث على الفرح أجلب للمسرة؟ لا شك في أن صلاة العيد جماعة في الخلاء هى الأبعث للفرح والأجلب للمسرة.

    ولما كان الفرح شعورا يملأ القلب فيحتاج المرء إلى التنفيس عن هذا الشعور صوتا وهتافا (كما يحدث مثلا من مشجعى الكرة، تعبيرا عن فرحتهم بتسجيل فريقهم هدفا في مرمى الخصم؛ هتافا تنشق عنه حناجرهم وتنطلق به أفواههم) جعل الإسلام من التكبير يكتنف صلاة العيدين من قبلهما فقط (في عيد الفطر)ومن بين يديها ومن خلفها (في عيد الأضحى )؛ليكون هذا الهتاف الجماعي والفردي مظهر الفرح في قلوب المسلمين .

    أرأيتم كيف جعل الإسلام من الفرح شعيرة لا مجرد شعور ؟!
أورأيتم كيف نظم الإسلام هذا الشعور والشعيرة معا، بما جعله طبيعيا لا متكلفا، مكثفا لا مشتتا، زائدا لا ناقصا ؟!
ذلك شرع الله وحكمه ..ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ؟!
يتبع….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى