عالم بلا موسيقى؟!

الفنان التشكيلي الفلسطيني | عبدالهادي شلا _ كندا
تمر في خاطرنا أسئلة نشعر أن الإجابات عنها تحتاج جهداً وإن وجدت فهي أجوبة غير شافية: ماذا لو أننا نعيش في عالم بلا أصوات ولا أنغام ولا موسيقى؟
وكيف ستكون حالنا إن فقدنا هذه النعمة التي جعلها الخالق رفيقنا في الحياة لأسباب واضحة نعرفها وبعضها لا نزال نبحث فيها ونتدبر الوصول إليه؟
وهل لنا أن نتخيل أننا نعيش في عالم صامت، لا حركة فيه تصدر صوتاً؟ وهل تستوي وتتوازن حياتنا وقد اعتدنا على أن يحيط بنا ويصدر منا ويرتد إلينا الصوت مهما كان شكله وصورته نشازاً أو طرباً؟
هذه الأسئلة الغريبة التي يضج بمثلها العقل وتتردد كثيرا في عقول وخيال المبدعين والعباقرة وتثير في وجدانهم الرغبة في استخلاص قيم جديدة تساعد في الوصول إلى إجابة عنها، وقد خرجت عن دائرة المنطق والعقل لتصبح إعجازية وغير معقولة، أي سيريالية خالصة، لأن الجواب القاطع في غياب الصوت والموسيقى وما ينتج عنها هو انعدام التوازن الذي يحتاجه الإنسان ما بين خارجه وداخله فيبقيه متماسكا ومسيطرا على جوارحه التي قد تجنح أحيانا بمثل هذه الأسئلة الغريبة إن لم تجد لها تفسيرا وجوابا مقنعاً. يشجينا ويطربنا سماع بعض الأغنيات ذات الكلمات الراقية، وما ضمته من لحن يسمو بالروح محلقا بعيدا جدا، فلا نجد ما نردده سوى كلمة إعجاب “الله!” وتقدير وحوار داخلي مع النفس التواقة لمثل هذه الإبداعات السامية تصفو به وتخلد إلى راحة غريبة قد تصاحبها صور جميلة تتداعى من عالم سري اختزنته، فما كان من هذه الأغنيات والألحان إلا أن نفضت عنها غبار سنين، فوضحت الصورة جلية بكامل بهائها الذي وجدت فيه النفس راحتها. الموسيقى عالم ذو قوام خاص، وهو متنوع ومتعدد بين الأمم، وله تصنيفات لا مجال هنا كي نعددها لكثرتها، ولكننا نحتفظ ببعض الإبداعات الموسيقية في الذاكرة على مر السنين كالسيمفونيات أو الأوبريتات وما في مستواها. كثيرة هي الأمثلة التي تشدنا إليها، فماذا لو أن الطيور والحيوانات لا صوت لها، هل كان للحياة أن تكون متناسقة بكل تفاصيلها خاصة أننا لا نفهم ما تشدو به الطيور رغم جمالها الذي يطربنا ويشجينا، ولا نعرف ما توشوش به الحيوانات بعضها بعضا وقد أخفاه الخالق عنا ربما رحمة بنا أو سترا لها، ونحن على يقين أن لها أصواتا، وهذا نبي الله سليمان قد أوتي العلم وطاعتها له وفي قصته مع الهدهد برهان.
الحكمة الإلهية اقتضت أن تضع سر الإبداع والتخيل في عقول وقدرات أناس مختارين من بين البشر هم الذين سميناهم “المبدعين” فتفوقوا على غيرهم في اكتشاف مواضع الجمال الحسي، ونبشوا وسعوا وراءه بنزعات مختلفة وطرق متعددة هي التي نستمتع بها وتشجينا اليوم.
لا شك أن الحياة ستبقى معطاءة بمثل هذه النماذج مادامت قائمة ومادام الإنسان محتفظاً بعواطفه وأحساسيه الإنسانية لا يطمسها التطور التقني الجاف رغم ما يضيفه من أدوات متطورة تمنحنا موسيقى مغايرة.
حياة بلا أصوات يتفاهم بها البشر فيما بينهم وبلا موسيقى، هي حياة خاوية ميتة مضطربة تنزع الخير من النفوس وتأخذهم إلى طرق الشر، وتثير العصبية والتناحر لأن المشاعر الإنسانية العالية والسامية لا تترعرع إلا في جو من الصفاء والنقاء الذي تصنعه الموسيقى مع عوامل أخرى في داخل كل حي!
عند الإنسان تصنع التوازن الذي يحتاجه حين يستمع إلى أغنية بلحن شجي، وعند الطير تمنحه عالما ساحرا يناجي به كل خـِل خليله، وعند الحيوان يكون في صوته نداء وتنبيه قد ينقذ حياة آخرين حين يكون وحشا بريا غير مستأنس.
الموسيقى لا غنى عنها فهي تنعش الروح وتبقي الحياة على وهجها وعطائها، وعالم بلا موسيقى هو عالم ميت لا حياة فيه ولا إبداع ولا ابتكار!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى