حواسي الخمس

هند خضر | سوريا 
في الليل يسكب قلمي حبره على صفحات أوراقي كي أبوح لك بخلجات روحي وعن الآه العميقة التي تأكل من عافيتي عندما يبلل غيابك أطرافي، أعرف أنك أقرب إلى قلبي من نبضه، كما تعرف في هذا الوقت وبعد أن تشير عقارب الساعة إلى ما بعد الثانية عشر تتلألأ ذكرياتي في فضاء عقلي فتنير قناديل الحنين ويوقظني ضياء الاشتياق، تتجدد في داخلي شعلة الحب فتستدرجني إلى دهاليز الذاكرة ،تخترق رأسي كي تصل إلى مركز الحواس الخمس وتلتهم الأفكار دماغي وترغم أصابعي العاشقة على مراسلتك ..
حواسي ليست كباقي نظيراتها لكنها تختلف عنها كثيراً والسر الذي جعلها العجيبة الثامنة في الدنيا هو أنت ..
ما من رجل أفنيت عمري في انتظاره سواك ..
لأبدأ بالنظر: لقد خلق الله لي عينين كي أُمعن النظر إليك،أحدّق بك عندما تتواجد في مكان ليس بعيداً عني، أرى جمال الكون من محياك ،عند حاجتي لفسحة الأمل أعبر بنظرة ثاقبة إلى عينيك فأصل إلى مرادي وألمح بريق الوجد قابعاً فيهما …
لقد عشقتُ عينيّ من أجلك، حتى ذاك النور الذي وضعه الإله فيهما لافائدة مرجوّة منه إن لم تكن أنت في عالمي،
في صباحاتي وأمسياتي رؤيتك تكحل جفوني، تسرّ خاطري ،تُبهج أساريري وتحلو معها ملامحي وتقاسيم وجهي ولهذا لا غنى لي عن عينيّ ..
أنا اليوم أراك بوضوح كقرص الشمس في صيف تموز ..
وأما السمع: يا لها من حاسة تجعل قلبي شديد الخفقان ما إن سمعت صوتك! له صدى يخترق هذا المدى و يصل إلى أذنيّ فيطرب سمعي وكأنه أغنية من أغاني الزمن الجميل، أحياناً يصل إليّ كأنه ناي ،وكم أهوى عزفه!
أسافر مع أحلامي الوردية عبر طبقاته المخملية إلى بلاد ليس فيها سوى أنت وأنا ، يخطر لي لو أنني أستطيع اعتناقه للأبد كي يبقى معي عندما تغيّبك الأيام عني ..
الجميع يسمعون صوتك لكن ليس كما أسمعه أنا،
‏أرغب أن أغفو كطفلة على موسيقاه الهادئة فهو نغمي وأعذب لحنٍ يروق لي ويعيد لي نشوة أفراحي الهاربة من بين أناملي ..
‏هذه اللحظة أسمع همسك قبل كلامك عندما يبعث صوتك بأصدائه كأجراس كنيسة في ليلة العيد ..
‏لأحدثك عن الشم: آه وألف آه من عبق رائحتك الشهية حولي، يجعلني أسيرة شذاك الفريد ،غدوتُ حبيسة هذه الرائحة التي تضاهي أجود أنواع العطور، تنتقل إلى أنفي فأغمض عينيّ وأحلم بأمنية واحدة فقط وهي أخذك بين ذراعيّ وإبقائك رهيناً للأبد ..بالله عليك أخبرني هل يوجد عاشق على الكرة الأرضية لايحلم بأن يعانق معشوقه شوقاً ،يتغلغل في مساماته المعطرة ليشمها فتمزج أنفاسمها ببعضها لتتحد وتنتج عطراً يكون خليطاً من زيت الحب وكحول الاشتياق؟
‏أطلتُ عليك سؤالي ولكن يصيبني الخدر هذه الأيام ما إن مررتُ قربك وشممتُ أريجك ..
‏وصلتُ في وصف حواسي إلى التذوق: بالطبع لا أقصد به طعامي وشرابي والتمييز بين أنواع الطعم من خلال الحليمات الذوقية وإنما ما أريد أن أبلغك إياه أن تذوّق كلماتك يترك على شفاهي طعماً حلو المذاق، ما تضيفه عليه من رشات غزلك وعسل همساتك يدخل إلى فمي ومن ثم يتابع طريقه إلى معدتي لأكتفي به ولا أشعر بالجوع مطلقاً لأنك كفايتي واكتفائي ..
‏أشرب حتى الثمالة من كأس عشقك وغرامك فيسري في جسدي ليعوض نقص السوائل العاطفية في داخلي والتي أدت إلى الجفاف …
‏من يتذوق شهد كلماتك لا يمكن له أن ينسى من تكون ..
‏ختامها سيكون مسكاً مع اللمس: يداي إن لم تتشابك مع يديك لن أحسب أيامي من عمري وسأعيش على قيد الحسرة والتمني ..
‏وحدي أنا من يدرك نعومة جلدك وطراوة أناملك، لم يحصل أبداً أنني لامستك، ولكن هل تعلم أنني عندما ألمس كفك عن طريق السلام أتمنى لو ينسانا الزمن حينها ويقف عندنا؟ أتلذذ بلمساتك السحرية و يديك المباركتين، بعدها لا أهوى غسلها كي أشمها وأقبّلها وألامس وجهي بها ..
‏أتوق إلى لحظة تجمعنا فأمسك يدك وأنقش على خطوطها أنني أهواك كي تتذكرني كلما قلبت كفك ..
‏هكذا أحبك ..بشغفي، عاطفتي، ولعي، ولهي، أمواج وجدي و زوارق حنيني ..
‏هكذا أصفك بحواسي الخمس التي إن حصل وفقدتُ إحدها لن يبقى هناك متعة لباقي هذه النِعم ..
‏هكذا تشعر بك جوارحي وأعماقي ..
‏اعبر معي مرافئ العمر سوياً لنصل إلى برّ الأمان ونتخذ من محطة العشاق مستقراً أزلياً لنا ندوّن على جدرانها أسماءنا فيخلدنا التاريخ ويكتبنا بين سطوره حكاية ليعلمها لكل تلميذ في مدرسة العشق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى