فلسفة الخيانة في رواية (أرابخا) لـ” سعد السمرمد “

أ.د. مصفى لطيف عارف | ناقد وقاص عراقي

   إن الخيانة هي فعل خبيث, ونتائجها خبيثة, لأنها لا تحدث إلا في الظلام والعتمة, ولها أشكال متعددة عبر عنها الكتاب والشعراء في كتاباتهم وإنتاجهم, وفعل الخيانة قد يحدث بين طرفين, كالأزواج والأصدقاء والأخوة,. أو بين مجموعة أطراف في العمل والحياة العلمية والاقتصادية والسياسية, وقد تكون الخيانة مادية حسية أو معنوية, ومن نتائجها انهيار العلائق الإنسانية, وشيوع الشك, وانعدام الثقة ,وأكثر أشكال الخيانة خطرا وأشدها وطأة هي خيانة الأوطان[1] , فنراه يقول : لا احد يأتي, المتآمرون كثيرون في بلدي وأنا واحد منهم, ستكونين شاهدة أيتها اللوحة على خيانتي العظمى وأنا أمارس الغش والاحتيال, هل شاهدت قبلي خونة يسرقون أوطانهم , هل هناك خيانات أعظم من خيانة الوطن, كوني شاهدة علي, لقد منحت أصابعي الأذن لرسم الجبهة والخياشم والفم لخيول فائق حسن, سجلي كل ما يحلو لك, أنا أقوم باستنساخك وبيعك خارج الوطن, وقد قبضت نصف ثمنك يا للعار!![2]

 

   إما الخيانة المزدوجة المحتملة من قبل البطلة ارابخا, وصديقها وأستاذها فريريك, فهي مشاعر كبدت الراوي آلاما عميقة جدا, على الرغم من انه لم يتأكد يوما من علاقة قد تكون ربطت بينهما, وكل ما دار في خلده كان مقتصرا على الأحاسيس التي اعتملت داخله , وشكوك كبرت في ذهنه, إلا انه صدقها نظرا إلى الظروف التي أحاطت بمثلهما, خصوصا بعد التغيير الذي طرا على اهتمام البطلة به, مما أدى إلى فتور علاقتهما[3], فتسال فهل تخونني ارابخا؟, فنراه يقول : لم تكن ارابخا خجولة ومرتبكة كقبلة الزفاف , تحدثني دائما عن فريدريك, كما كانت تحدثني عن دماها من قبل , كنت مستمعا جيدا انظر إلى فمها ولم أحرك رمشي قيد شعرة, مسترسلة في كلامها كماكنة دراجة هوائية في حركة واحدة , كنت أحس بألم خفي لم يحس به احد, يصعب على الآخرين اكتشافه أو معرفته , كان الهوس الأول مبنيا على الدمى طيلة السنوات الماضية, والهوس الثاني فريدريك الذي تلهج به طيلة نهارها, بت لا استطيع أن أحرك لساني بحرف واحد , فكيف لي أن أقول كلاما لن يسمع أو يطاع, أن عدم الطاعة شيء محتم [4]. إن شخصية الروائي سعد السمرمد لابد أن تظهر على نصه الروائي المتميز, فهو يناقش ثنائية الدمى, والخيانة الزوجية بصورة رمزية يفهمها المتلقي, فقد جسد العوامل الاجتماعية والفكرية , والنفسية فضلا عن التجارب الذاتية في تحديد موضوعه الأدبي.

 

   والحوار هو الكلام الذي يتم بين شخصيتين أو أكثر, [5]كما أن الحوار في الرواية  يتجه صعودا, أو هبوطا نحو خطابات الآخرين في إطار ما تطرحه مجموعات الخطابات من علاقات اجتماعية, ورؤياوية, وخصائص أسلوبية متنوعة, ومن هنا تصبح لغة السرد في الحوار تتسم بحركة الأنا,والآخر في آن داخل التشكيلات الحوارية, إن الحوار لا يرقى بنفسه ,ولا يضع مؤشرا بنفسه, وإنما من خلال اصطراعه مع صوت الآخر قربا أو بعدا, نلحظ  اللغة السردية هنا تختلف عن لغة الشعرية, فهي هنا بسيطة, منتبهة , حالمة أحيانا ,وخالية مما يعتري الشعر من ترميز, وإيحاءات, ويبدو لي  أن الروائي السمرمد, وربما أراد الخروج من كل الأشكال, والتقنيات التي  كتبها في مجامعيه الشعرية , والبس روايته لغة شعرية جميلة, ومعبرة عن قدرته  اللغوية في الكتابة, والتعبير, وبلغة شاعرية فنراه يقول:

– قالت ارابخا ؟

– لماذا نبيع ارثنا بدولارات أمريكية ؟

– انه العوز يا ارابخا !-

     وهل لأمريكا يد في ذلك؟ قالت عبارتها وهي تفتح الظرف الثاني , اندهشت فجأة وهي ترى عدة أوراق نقدية فئة 100 دور أمريكي وضعت في الظرف على طولها دون ان تطوى, كانت متسلسلة الأرقام , أول مرة أرى أوراقا نقدية متسلسلة  انه الثمن بكل  تعابيره, جهزت أدواتي ونظرت إلى خريطة العراق, كانت مطبوعة على غلاف دفتر كبير حملته معي في الحقيبة, قلت في علني: – سابيع أرثك يا أرابخا وادخل قاموس العاشقين![6] .

    لذا نجد الروائي  نفسه هذه المرة أمام تجربة من نوع مختلف, وهي الكتابة المرئية التي تخترقها أضواء الذاكرة تارة, أو استجوابات اللحظة الراهنة , وأسئلتها كلها تتقاطع أمامه مثل فليم بدايته نهايته, ونهايته بدايته, كما يمكن أن لا تكون هذه البداية هي حقا بداية ولا النهاية هي حقا نهاية , لأنه في هذه النصوص السردية كمن يقبض في راحتي يديه على موجة من اللصوص, وضعفاء النفوس , الذين باعوا وطنهم من اجل وريقات خضراء.

      اقترب أكثر من الرواية التي كان ينظر إليها عبر نافذة القصيدة , لكنه هذه المرة دخل النثر من بابه الأقرب إلى السرد, أي ترك اللغة بأبسط أشكالها تحتوي كيانه بأعمق نقطة فيه ,ولعله في هذا النمط من الكتابة يقترب من بعض الكتابات اليابانية ذات الطابع التسجيلي , والتي تبدو كأنها سهلة من الخارج , ولكنها في الواقع تتطلب دراية , وهندسة من نوع آخر ,فنراه يقول: – إن فريدريك ساحر عجيب ومعلم كبير, أذوب في أفكاره  حينما يحدثني عن تصوراته وقناعاته في الفن, لا استطيع أن أقول شيئا وأنا أرى ارابخا , أمرتي التي انكويت في براكينها منذ سنوات, تتمنى أن تخرج حممها البركانية باتجاه غيري , كنت اعلم أن رحلتي معها سوف تنقضي في احد الأيام [7],

    والخيانة في رواية ارابخا كانت من طبع البطلة على الرغم من أنها فتاة فنانة معروفة , لذلك يتسلل إلى القارئ شعور بالغرابة من الدور الذي اختاره لها الراوي وكأنها كانت تشعر في قراره نفسها الأنثوية, بأنها تسجل نقطة قوة لصالحها, أو ربما نقطة ذكورة, كون الخيانة من وجهة نظر النساء, ظاهرة ذكورية لا يحاسب عليها الذكر, بل قد تكون بالنسبة إليه في كثير من الأحايين مصدر مباهاة , وعرض للعضلات, أما الخيانة عند الإناث فكثيرا ما تكون فعلا مستترا, وقد يكون السبب في ذلك محاولة الروائي سعد السمرمد لرسم صورة المرأة في ذهن الرجل الشرقي, وانعكاس لها [8].

     لقد بقي الحب موجعا ومؤلما للراوي, حتى اللحظات الأخيرة من رواية ارابخا ففي الوقت الذي كان يقتل فيه البطلة داخله, ويسجل خلاصه منها , ومن حبه لها, يعترف بينه, وبين نفسه في أخر مرة التقاها, وهي ترقص على الموسيقى الهادئة, بأنه ما يزال يخاف حبها, ويخشى اشتعال رماده مجددا, فالحب الكبير عنده يظل مخيفا حتى لحظات موته, لكنه هذه المرة حب المرأة والوطن, وخيانة المرأة والوطن  معا , فنراه يقول: أنني شريكها الحقيقي , انظر من فتحة الشباك لقد توزع ارثي قبل رحيلي, لقد باح في إذنيها سردا ملتهبا وشد على خصرها فأدركت ثمالة التلاقي, من يرجعني إلى ارابخا الوطن التي استبيحت في مغامرة فاجعة ؟ ارابخا التي هجرتها متخمة بالبترول, واربخا التي أعطيتها إلى فريدريك دون مقابل , لن املك غير إياد  ملدوغة ورحم لا ينجب, لقد علق قلادتها على صدرها وضمها إلى صدره أمام عيني, من خانتني ومن خنتها, ارابخا الذهب الأسود أم ارابخا الزوجة , صرت تائها حين هجرت وطني, وصرت قوادا حينما دعوت فريدريك للسياحة في تلالها [9].

    أهم ما يميز الروائي سعد السمرمد أن أحداث الرواية تجسدت في الطائرة, وان الرحلة بدأت في الطائرة, وانتهت فيها, تناول تقنيات عدة منها الفلاش باك, والمونتاج السينمائي, الزمكان الذي اعتمد على ذاكرته في سرد الأحداث, أن انتقاله من مشهد إلى مشهد أحر من مشاهد الرواية دون حدوث خلل في الصراع, والحبكة وقوة السبك, واللغة الشعرية ,والكلمات الشاعرية, وكتابة النصوص الشعرية نهاية كل موضوع.

المراجع:

[1] الجسد في مرايا الذاكرة : د. منى الشرافي تيم : 202 .

[2] رواية ارابخا : سعد السمرمد :243 .

[3] ينظر الجسد في مرايا الذاكرة : 24 .

[4] رواية ارابخا : 177 .

[5] آليات السرد في الشعر العربي المعاصر:د0 عبد الناصر هلال:154 .

[6] رواية ارابخا : 238 .

[7] م0ن : 113 .

[8] ينظر الجسد في مرايا الذاكرة : 203 .

[9] رواية ارابخا : 120 .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى