جائحة واحدة وعالمان

د. فيصل رضوانس | أستاذ البيوتكنولوجيا الطبية والسموم – الولايات المتحدة الأمريكية

   لعله مكتوب علينا أن نرى بوادر لموجة رابعة في عالمين من وباء الكورونا ، العالم الاول الذي تم تطعيمه والعالم الآخر الذى لم يتم تطعيمه بعد — بإختياره او رغمًا عنه. ولا يزال ممكنًا حدوث إصابات وضحايا عديدة خلال الشهور المقبلة من الخريف والشتاء، لا سيما في المناطق ذات معدلات التطعيم المنخفضة على المستويات المحلية والعالمية.

   العالم كله الآن يواجه تحور دلتا لجائحة كورونا وهو أكثر الطفرات شراسة، وينتشر أضعاف المرات عن الأنواع السابقة ، على الرغم من أنه من غير الواضح حتى الآن ما إذا كان ممرضًا أكثر من الطفرات السابقة. ولكن ربما تكمن خطورته فى أنه ينتشر بسرعة كبيرة بين الناس تجعله يصل الى ضحاياه الأكثر ضعفًا على المقاومة.

   ولعل الموجة الرابعة لـ COVID-19 لا تكون مميتة كما كانت الموجات السابقة من اوائل هذا العام ، لأن أغلب كبار السن تم تطعيمهم إلى حد كبير فى دول كثيرة، كما أنه يقل احتمال خطورة الاصابة والوفاة فى فئة الشباب.

   ولقد ثبت أن معظم اللقاحات المرخصة للاستخدام من قبل منظمة الصحة العالمية، لا تزال فعالة للغاية ضد متحورات فيروس كورونا المستجد، بما في ذلك المتحور دلتا، الذى يسبب الآن معظم الحالات في العالم.

    ففي الولايات المتحدة الأمريكية، تبين أن أكثر من 99٪ من الأشخاص المصابين بـ COVID-19 فى المستشفيات من غير المطعمين، وكلهم نادمون على عدم أخذ اللقاح المتاح للجميع.

   لا تزال هناك معلومات مجهولة حول مدى ومدة الحماية من العدوى الطبيعية بين الأشخاص الذين أصيبوا بـ COVID-19 من قبل، ومدى وجود حماية ضد الطفرات الجديدة. لذلك، حتى الأشخاص الذين أصيبوا بـ COVID-19 لا يزالون يُنصحون بالتطعيم. حيث وجد الباحثون فى دراسة نُشرت الشهر الماضي في مجلة Nature، أن التطعيم بعد الإصابة قد يعزز من نشاط الأجسام المضادة اللازمة لصد الفيروس ومنع الإصابة الحرجة بالمتحور دلتا بمقدار 50 ضعفًا.

   وقد وجد أن متحور دلتا يتكاثر بسرعة في الأنف بما يقدر 1000 مرة عن الطفرات الاولية لكورونا، تاركًا ما يقارب حوالي 10 أضعاف من الحمل الفيروسي مقارنةً بمتحور ألفا السابق له.

    هذا النمو والتكاثر السريع يجعله يطغى على دفاعات الجسم— حتى هذه الدفاعات المعززة باللقاح قبل أن يتمكن الجهاز المناعي من تنظيم استجابة قوية ضده، وتزداد هذه الحالة لدى المرضى ذوى المناعة الضعيفة نسبيًا.

    على الرغم من تميز متحور دلتا عن سلفه من الطفرات بقدرته الفائقة للانتقال، إلا أنه لا يحتوي على بعض الطفرات التركيبية التي تساعده على تفادى الأجسام المضادة المكتسبة من اللقاحات.

   غير أن تنشيط الاستجابة المناعية بالجسم أمرًا يستغرق بعض الوقت حتى بين الأشخاص الذين تم تطعيمهم.

   لذا، عندما يسبق الفيروس الجسم البشرى بالتكاثر ونسخ نفسه بسرعة كبيرة، حتى في الأشخاص الملقحين، يشكل واقعًا يصعب على الجهاز المناعي السيطرة عليه.

  والسؤال المطروح: ماذا نفعل حتى يمكننا تقليل اخطار الجائحة وزيادة العدوى؟ ما نحتاجه حقًا هو حقن الشعور العام بيننا بالمسؤولية المشتركة في حل هذه المعادلة والتخلص من الجائحة.

   ومن أهم الإجراءات الوقائية هى أهمية التوصية بالتطعيم واستئناف ارتداء الكمامات في الأماكن العامة.

   إذا لم نتحرك من الآن، فمن المتوقع عمليًا اننا سوف نواجه نفس الوضع الذي كنا فيه قبل عام مع عمليات الإغلاق، ووقف الاعمال، وزيادة المرضى والوفيات. لعلها صورة محبطة للغاية، لكن هذه هى الحقيقة بوضوح.

    ربما نواجه نوعان من البشر ما زالوا يرفضون التطعيم: النوع الاول لديهم معلومات مضللة وخاطئة إلى حد كبير، ويجب أن نوفر لهم الحقائق العلمية. وآخرون يحتاجون إلى مزيد من الطمأنينة والنصيحة الصادقة بأنهم لن يتضرروا من اللقاحات، والتي تم إعطاؤها لأكثر من 1.1 مليار شخص على مستوى العالم.

المراجع:
Wang Z et al. Naturally enhanced neutralizing breadth against SARS-CoV-2 one year after infection. Nature 595, 426–431 (2021)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى