دفاعاً عن سيد البشرية.. هل أوشك الرسول (ص) أن ينتحر؟!

د. خضر محجز | فلسطين

روى البخاري في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: “أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَحْيِ، الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ: فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ. فَكَانَ يَأْتِي حِرَاءً فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ ـ وَهُوَ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ ـ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ، فَتُزَوِّدُهُ لِمِثْلِهَا. حَتَّى فَجِئَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فِيهِ فَقَالَ اقْرَأْ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأْ فَقُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأْ فَقُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} حَتَّى بَلَغَ {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} فَرَجَعَ بِهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ فَقَالَ يَا خَدِيجَةُ مَا لِي وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ وَقَالَ قَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي فَقَالَتْ لَهُ كَلَّا أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ ثُمَّ انْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أَخُو أَبِيهَا وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ فَيَكْتُبُ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنْ الْإِنْجِيلِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ أَيْ ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ فَقَالَ وَرَقَةُ ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَأَى فَقَالَ وَرَقَةُ هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ فَقَالَ وَرَقَةُ نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ وَفَتَرَ الْوَحْيُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنَا حُزْنًا غَدَا مِنْهُ مِرَارًا كَيْ يَتَرَدَّى مِنْ رُءُوسِ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ فَكُلَّمَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ لِكَيْ يُلْقِيَ مِنْهُ نَفْسَهُ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ وَتَقِرُّ نَفْسُهُ فَيَرْجِعُ فَإِذَا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَةُ الْوَحْيِ غَدَا لِمِثْلِ ذَلِكَ فَإِذَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ”

انتهى النقل من البخاري.

يزعم المرجفون أن في هذا الحديث دليلاً على أن الرسول أوشك أن ينتحر، ويستنبطون من هذا جواز الانتحار

وهذا ردي في نقاط:

1ـ الحديث في البخاري تحت رقم 6982

2ـ سند الحديث في البخاري يدور كله على رواية محمد بن شهاب الزهري، التابعي الذي ينقل رواية عروة بن الزبير، عن أم المؤمنين عائشة، تقص قصة بدء الوحي ثم انقطاعه (فترته) ثم عودته.

3ـ فالحديث إذن عما بعد إبلاغ الله لمحمد بن عبد الله أنه رسول الله (اقرأ باسم ربك الذي خلق)، قبل أن ينزل عليه الأمر بالتبليغ.

4ـ سيبدأ الأمر بالتبليغ بعد عودة الوحي الذي انقطع فترة، بنزول قوله تعالى: (يا أيها المدثر قم فأنذر).

5ـ فعائشة أم المؤمنين تروي حادثة لم تشاهدها ولم تحضرها، ولم تكن مولودة خلالها، ينقلها عنها عروة ابن أختها أسماء.

6ـ لا بأس فربما كان الرسول قد قص لها القصة.

7ـ لكن الذي روى الحادثة عن عروة عن عائشة ـ وهو ابن شهاب ـ لم يقل إن عروة قد أبلغه أن عائشة قد أبلغته أن الرسول هم بالانتحار، بل قال هذا الكلام من عنده، إذ صرح قائلاً: (فيما بلغنا) وهذه صيغة شك من ابن شهاب: أي أنه بلغه هو (الزهريُّ) أن الرسول هم بالانتحار حزنا على انقطاع الوحي.

8ـ والمعنى: أن هذا الهم بالانتحار المذكور في النص، لا يمكن أن يكون من كلام عائشة أمنا تنقله عن الرسول، لأن عائشة حين تتحدث عن الرسول إنما تتحدث بصيغة الجزم فتقول: قال أو فعل. ولا تقول: (بلغنا).

9ـ كل هذا يعني أن الحديث صحيح، باستثناء هم الرسول بالانتحار، فهو غير صحيح، لأنه مروي بصيغة التدليس: إذ لم يذكر ابن شهاب من أبلغه بهم الرسول بالانتحار. بمعنى أن ابن شهاب رغم أنه ينقل عن عروة، إلا أنه في هذا الجزء ـ الذي يأتي بعد قوله (بلغنا) ـ إنما ينقل عن شخص آخر لم يسمه، فحذفه، لشكه في صدقه، وإلا لواصل الرواية عن عروة بنفس النسق. وهذا اسمه لدى المحدثين تدليس التسوية.

10ـ وعلى افتراض أن هذا صحيح، وهو غير صحيح، فإن هذا حدث قبل نزول التشريع بالتأكيد، لأنه نزل قبل نزول سورة المدثر، كما ورد في نفس الرواية. وسورة المدثر هي السورة التي أمر الله فيها رسوله بتبليغ الرسالة.

11ـ والنتيجة أن التشريع سينزل فيما بعد بمنع الانتحار، كما قال الله سبحانه: ولا تقتلوا أنفسكم… الآية

وأخيراً،

الانتحار جريمة وقتل للنفس التي حرم الله إلا بالحق، ودخول طوعي في جهنم، وحاشا لله أن يكون رسوله قد هم بذلك.

والله أعلم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى