نص مكتمل

ياسمين كنعان | فلسطين

سألتني بيقين من يمتلك مصباح علاء الدين وفانوسه السحري ” بماذا تحلمين؟!”

لو كنت أطلب النجاة من الحماقة لقلت “لا شيء” …لكنني لن أفعل ولا أريد النجاة!

ولكي أستعيد حلمي؛ أغمضت عيني واسترجعت تفاصيله كلها..قلت لك بيقين من يعلم أن الأحلام وتحقيقها خارج منطق الواقع، ولم تكن يوما في متناول يديه، قلت لك ” أحلم أن أتلاشى؛ ربما أن أتحول بكليتي إلى نص.”

قلت ” لا أفهم!”

قلت لك “ولا أنا أعرف كيف !”

لو كنت حقا تمتلك ذاك الفانوس السحري لقلت “حك لي حلمي عليه، وصيرني إلى نص بغمضة عين، ولتكن تلك أمنيتي الوحيدة والأخيرة التي ستكلفني عمري كله…لتكن، من قال إني أكترث!”

الفكرة تراودني منذ مدة، لكن الكلمات تخونني كلما كتبت؛ الأمر أشبه ما يكون بنحت تمثال من قطعة رخام خرساء..الرخام بين يدي لكنني لم أصل إلى الملامح النهائية بعد؛ الوجه تنقصه بعض التفاصيل واليدين بلا أصابع!

أريد أن أكون صلصال حكايتي؛ أن أشكلني بيدي، وأن أتلاشى، وأن أتماهى في الجزيئات…

ضحكت وأنت تراني بكل هذا الحماس والإثارة، لدرجة أني وقفت على قدمي ولم أنتبه أني صرت أشكل العدم بين يدي وكأنه غيمة ماء وصلصال، كنت أشكل وهمي بيدي وأنا مغمضة العينين، وحين فتحتهما لم أجد بين يدي شيئا..

قلت لك ” لا تنظر إلي بإشفاق وأنت تراني أحاول بعبثية تامة أن أخلق نفسي بيدي وأفشل كل مرة..لا تنظر إلي هكذا؛ سأكون يوما ما أريد، سأتحول إلى نص، لا بدافع الكمال وإنما الاكتمال..أحاول أن أملأ فجوات الغياب بالكلمات، وأن ألتقط ما تساقط مني، وأن أعيد ترميم ذاتي ولو كان كل ذلك في فضاء نص ومن صلصال كلمات.”

كلما كتبت شيئا قلت هذا أنا ..الآن اكتملت، الان أستطيع أن أسلم نفسي لعدم مطلق، الآن أستطيع أن أنزف دمي حتى النهاية بعد أن نزفت روحي على الورق..الآن انتهيت..

وعندما أخرج من التمثال وأتأمله وأمرر أصابعي على المنحوتة، وتسقط أصابعي في بعض الفجوات، أو ترتطم أطرافها ببعض النتوءات، أدرك حينها أني لم أكتمل..أتأمل خلقي مجددا وأجده ناقصا، فيه أناي غير المكتملة، فيه صلصالي ورخامي ولكن بلا روح، فألعن ما خلقت وأعيد النص إلى بدايته، وأعيد صقلي من جديد..

لا أعرف كيف استمعت وأنصت بصبر حكيم لكل هذه الحماقات، لا أعرف كيف احتملت جنوني..لكنني أرى في عينيك تلك النظرة التي أعرفها جيدا، وأعرف كيف امتزجت الدمعة بالشفقة والعطف…

“لا تشفق علي” قلت لك؛ فكل خالق أدرى بما خلق؛ وأنا حاولت خلق نفسي من نتف حكايا، وكنت على استعداد تام أن أتخلى عن كل صفات البشري في لأصير نصي…ولا أقول أن أتحول إلى ملاك، بل إلى نص مكتمل!

فشلت..أتدري كيف؟! لأنك الآن ترى من وراء كلماتي امرأة أو دمعها أو قلبها أو ارتعاشاتها؛ وهذا يعني أني لم أكتمل بعد !

ولا أعرف كم مرة علي المحاولة لأصير نصي المكتمل..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى