حكايا من القرايا.. الأفعى تنزل من عليائها

عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين

كان هاني في عمر شقاوة الأولاد، يجول السهول والجبال باحثاً عن صيد، أو أعشاش ما تيسر من الطيور، أو بيض الشنّار في موسمه الآذاري… يجهز أكثر من فخّ، يواريها الثرى الخفيف، حتى لا يرى منها إلا الطعم، قطعة من الخبز المبلول، أو حبة توت لصيد البلابل، أو دودة قش في موسم الحصيد… تغازل الطير، فما أن يهجم لالتقاطها، حتى (يفعط التشرزم)، ويقع الطير في الفخّ.

اعتاد هاني أن يأخذ مصروفه، بعد رجوعه من المدرسة… يلقي شنطته جانباً، ويتناول غداءه، ثم ينطلق إلى دكان العم أبو سليم، دكان العم أبو سليم المزينة بالمشهيات، فيها الفستق المشلح المشوي، والمملح المقلي، فيها القضامة البيضاء المالحة، والصفراء الحلوة، فيها أصابع الحلاوة، والبسكوت المدوّر وراحة الحلقوم… فيها وفيها… ما شاء الله مرطبانات الدكان على الرفوف تسيّل اللعاب، وتثير الشهية… لكن ما الذي يشتريه بالقرش… القرش الكامل ذي التعريفتين…؟

كان يشتري ثلاثة أصناف: بزر البطيخ، والقضامة، والفستق المشلح… ياه! يا لها من صفقة تُعبّي جيبه، يتسلى (بقزقزتها) ظهيرة يومه في الشتاء، وهو يتجول هنا وهناك، ويطعم أصدقاءه. وفي أيام الربيع والصيف، كان يتسلق شجرة الكينا الباسقة الظل على طرف الشارع، ويجلس على أحد أغصانها الباسقة، ويتسلى بالذي اشتراه… هي رحلته في الشتاء والصيف، وعندما كانت تجف منابع الدعم، وتفتقر الأسرة بكاملها لتوفير قرش هاني، كان الولد يستشيط غضباً، ويهدد بكبّ الطحين من (الترويج)، بل يهدد برمي (الترويج) بما فيه، فتضطر الأم أن تستدين المصروف من الجارة، أو تجعله ينتظر كارهاً الدجاجة الرقشة، حتى تبيض، وتعطيه البيضة يبيعها، ويشتري ما لزمه، أو يقايضها مع أبو سليم، ويأخذ حصته من التسالي…

وفي يوم حزيراني قائظ، أخذ التسالي، وتسلق الشجرة، الشجرة تأتي بالنسيم العليل، حتى تظن أن الجن المخلوق من نار يبترد تحتها، نسيم يداعب أوراقها الإبرية، فتهتز الأوراق، وتحدث صوتاً يطرب الروح، وما أن أخذ هاني مقعده على الغصن، حتى سمع فحيحاً، ورأى أمامه كأنه الطير الأسود الكبير، ولم يأخذه الوقت كثيراً، حتى تحول ما رآه إلى حيّة، التف بعضها على بعضها، وتحرك رأسها… خاف هاني، وصاح، وبدأ بالنزول عن الشجرة مرعوباً، وخافت الحيّة ونزلت عن الشجرة، كانا ينزلان في خطّين متوازيين… دخلت الحيّة (خزقاً) في الأرض، وابتعد هاني عن الشجرة، وهو يصيح ويرتجف… هبّ الناس من كل فجّ، وبدأت عملية البحث عن الحيّة… تجمهروا في المكان، قال حافظ السيفي: يا عمي، الحيّة لا مكان لها، تنتقل من مكان إلى آخر… مطرح الحيةّ افرش ونام، وقرأت حليمة السموح على الخزق، كأنها رقته… أما الحج عبد الحليم، فأتى بقنينة من بلاستيك وزرف بلاستيكي، وأشعلهما في باب الخزق… بعد دقائق، خرجت الحيّة دائخة تترنح بين الجمع، تولاها الحج… بعصاة لها دبسية، بضربة على رأسها… تلوّت قليلاً ثم همدت… وشرب يومها هاني من طاسة الرعبة… ومن يومها (نكز) قلبه من الشجرة، ولم يعد يتسلقها…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى