في ذكرى الجمعة الحمراء… مجزرة رفح

خالد جمعة | فلسطين

في الأول من آب من العام 2014، بدأت المجزرة في مدينة رفح، حيث قام جيش الاحتلال الإسرائيلي بكل آلته العسكرية، وبشكل مفاجئ، بقصف مدينة رفح من البر والجو والبحر، دون توقف طوال اليوم ولو لثانية واحدة، قال لي أحد الشباب هناك على التليفون: أستطيع الآن أن أكتب مقالاً بسهولة عن يوم القيامة.

وزارة الصحة في تقريرها النهائي عن هذا اليوم، قالت إن مئة وشخص استشهدوا وأربعمائة شخص أصيبوا بجروح، وكان مشهد المائة وواحد جثة أمام مسجد العودة في اليوم التالي وسط مدينة رفح، مشهداً لن ينساه من رآه طيلة حياته، خصوصاً مشهد عدد من الأمهات وهن يرفعن بوجل الأكفان عن وجوه الشهداء كي يتأكدن أن أبناءهن الغائبين ليسوا مع، أو مع هذه الثلة من الشهداء.

المجزرة أتت بعد أن أعلنت الأمم المتحدة عن هدنة لمدة ثلاثة أيام، اخترقتها إسرائيل فجأة لتنفذ المجزرة في مدينة رفح، ووصل الأمر بعد أن تم قصف المستشفيات إلى أن يوضع الشهداء في ثلاجات الخضار والآيس كريم بعد أن فاضت بهم الثلاجات التي نجت من القصف، والسبب كما كشفت عنه الأيام اللاحقة أن اشتباكا حدث مع مقاتلين فلسطينيين أدى إلى مقتل جنديين تم سحبهما إلى الجانب الإسرائيلي، واكتشفت إسرائيل أن إحدى هاتين الجثتين هي لمقاتل فلسطيني يرتدي زي الجيش للتمويه، مما يعني أن الجندي المفقود اصبح في أيدي المقاتلين الفلسطينيين، فقامت إسرائيل بالرد حسب خطة “هنيبعل”، مع العلم أن الاشتباك تم قبل موعد الهدنة بنصف ساعة، مما يعني بوضوح أن إسرائيل اخترقت الهدنة.

هذا بالطبع عدا عن الدمار الكارثي الذي أصاب المدينة، حيث تحولت أغلب البيوت في المناطق المقصوفة إلى ركام، وفيما المسعفون يقومون بدورهم المذهل، يستشهد ثلاثة منهم تحت القصف أيضاً، وينزف الجرحى على أرصفة الطرقات، وتدعو المستشفيات كل من لديه خبرة ولو ليوم واحد في الإسعافات الأولية للتوجه إلى المستشفيات التي لم تعد تستطيع تقديم الخدمات لأحد غير تلك الحالات التي على باب الموت، لا أدوية، لا علاجات، لا طرق آمنة لسيارات الإسعاف، الرعب يجتاح المدينة والجثث في، على، تحت كل مكان.

أكبر مستشفى في مدينة رفح، هو مستشفى أبو يوسف النجار، يتم قصفه بالمدفعية، فتضطر إدارة المستشفى إلى إخلائه، والامتناع عن نقل الجرحى إليه، مما يزيد من تعقيد الأزمة، ويضع الطواقم الطبية في مأزق جديد، فأين سنذهب بالجرحى بعد أن دمروا أكبر مستشفى في المدينة؟.

الجرحى ينزفون حتى الموت في الطرقات، ولا أحد يستطيع أن يفعل لهم شيئاً، وإذا حالف الحظ إحدى السيارات بالوصول إليه، فإنها إما تتعرض للقصف أو لا تتمكن من الخروج من المدينة إلى مستشفيات خانيونس أو غزة، القيامة تقوم في رفح، ولا يمكن للطواقم الطبية أن تدخل من خارج المدينة لتغيث أهلها، لتستمر القيامة.

سبب هذا العدد الكبير من الشهداء والجرحى هو خروج الناس نتيجة إعلان الهدنة من قبل الأمم المتحدة “أعلنت من قبل بان كي مون وجون كيري”، كي يشتروا ما يلزمهم بعد أن قضوا أياماً طويلة دون مؤونة أو حليب للأطفال، لم يكن أحد يتوقع أن يتم خرق الهدنة بهذه السرعة، الموت كان يمشي في الشوارع معنا، هكذا عبر أحد من فقدوا عائلاتهم من مدينة رفح.

وكي تكتمل المأساة، فإن المقبرة الشرقية التي كان الناس يدفنون فيها موتاهم وشهداءهم كانت محتلة من قبل آليات الجيش الإسرائيلي، فلم يعد بالإمكان القيام بدفن الشهداء…

لا نريد للمجازر أن تتحول إلى أرقام مع مرور الوقت، فالشهداء ما زالوا يصرخون في قبورهم، ليس شهداء رفح وحدهم، بل كل الشهداء في كل الأمكنة وفي كل الأوقات، ولن تسكت أصواتهم إلا بوطن حر، يضع إكليلا من الورد، الياسمين ربما، على كل قبر شهيد، وشجرة تُزرع في الغيم لكل أولئك الشهداء الذين لا قبور لهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى