رؤية ونص: قراءة في قصيدة (فائض الوقت) للشاعر عبد الحكيم العلامي (3)

قراءة: عمارة إبراهيم | شاعر وناقد مصري

 

أولا – قصيدة عبد الحكيم العلامي (فائض الوقت):

لقد أراد أن يقول ما لديه ،

قبل أن يترك هذا المقام

قبل أن يشير إلى علاماته الكبرى

ويمضي !

رجل برائحة الحقيقة

رجل يليق به الكلام

الوقت كان على نفاد

وعليه أن يقضي الحوائج كلها

أغفى قليلا

وهو في حال بين الإفاقة

والسقام !

أغفى قليلا ثم هم إلى الكلام :

قوموا إلى غاياتكم

فهناك يفرق كل أمر

قوموا

واتركوا لي ثلة مني

هم حاجتي

هم من أريد !

الوقت ينفد

لم يبق إلا فسحة

منقوصة ،

وعلي أن أقضي الحوائج كلها

هم حاجتي

هم ما أريد !

سيكون أن أسري بهم

في غبشة الليل البهيم

وأقيم

ولا أقيم !

هذا أنا خلصت حالي

من مسالك وحدتي

ورضيت أن أبقى بهم

ورضوا المقام :

                  نهران من لبن

                   وماء

                  وهنا الحقيقة

                  والرواء !

سأثير بعض متاعبي معهم

وأفضي مااستطعت

سأقول آخر حجتي

خلوا طريقي

فليس لدي وقت

وأنا قليل

واحد

وعلي أن أقضي الحوائج كلها

الوقت ينفد

والمهمة تستحيل !!

ثانيا – القراءة

هذا النص هو نص التجرد من الأنا الواقعية واللوذ الي الأنا ذات المقام.

الشاعر هنا يحاول أن يرسم ملامح إنسانيته من تجردها المادي رغبة في الزهد المقيم؛ لينشأ حوارا داخليا بين الأنا في ضميرها المتكلم وبين الأنا المهمومة التي تراود آلامها مع استحالة المعايشة مع المتسببين ومع هذا الواقع الذي أربك المشهد حتي يصل حد الإفاقة ويواصل قضاء حوائجه قبل نفاذ الوقت واستحالة التنفيذ.

الشاعر هنا يقيم حوارا مع نفسه، عنوانه التجرد من أنسنة مصطنعة ماديتها طغت علي الإنسان فغطت أوكار الألم وتجاوزت حدود الوقت لتبقي في واقع المشهد العام.

 وكانت الأفعال المذمومة هي البطل الذي يريد هو قهره في ذاته الأخري التي تريد المعايشة مع هذا الواقع الذي تجرد من إنسانيته ليحلق في أجواء المادة التي بمقتها ولا يحتاج منها غير قضاء حوائجه حتي تستمر الحياة.

باختصار النص هنا محوره العام كان السعي إلي الخلاص من واقع لم يحصل منه علي شيء غير الألم المقيم، وأصبح يريد الخلاص منه.

النص يراوغ حاله،بل أحواله،ويراوغ لغته بين تجرد الذات من الأنا التي تسعي إلي معايشة واقعها وبين الأنا التي ترتقي مقامات التجرد في أبهي صوفيتها.

يقول عبد الحكم العلامي:

هذا أنا خلصت حالي

من مسالك وحدتي

ورضيت أن أبقى بهم

ورضوا المقام :

                  نهران من لبن

                   وماء

                  وهنا الحقيقة

                  والرواء !

هنا يمنح الشاعر نفسه مقام التجرد ومقام الزهد والخلاص.

لكن تبقي بعض الإشكاليات التي يجب أن يحاول تفكيكها ليصل إلي مبتغاه فيقول:

سأثير بعض متاعبي معهم

وأفضي مااستطعت

سأقول آخر حجتي

خلوا طريقي

فليس لدي وقت

وأنا قليل

واحد

وعلي أن أقضي الحوائج كلها

الوقت ينفد

والمهمة تستحيل !!

تتعانق شعرية النص هنا مع مستجدات طلوع وترتيب نشوتها التي تقبل الزهد والخلاص إلي مقامات الطلوع نحو مسامات النجاة حتي تتطهر من آلام عانقتها حد الإفاقة، كما أن هذا الطلوع نحو مقام التجرد والزهد والخلاص عليه أن يرتقي به إلي تعريف ماهيته

فهو القليل

الواحد وعليه التريث حتي يقضي حوائجه كلها قبل نفاد الوقت.

الشعرية في النص تخلص إلى زهو وبريق مسارها وتحقق نتائج تفردها من معايشة أصل المسار قبل تفاصيله،ومن دهشة التفاصيل إلي أوجاع استدعاءات أدواتها من لغة وتناص وأخيلة وبساطة وصور وفلسفة وتشريح نفسي موجع حتي تصل إلي تمام مكوناتها لتتناغم في سيمفونية احتشاد عوالمها في رنة إيقاع غير قابل للنشاز أو السكون أو الرتابة أو التقعر أو كل ما يعكر مناجاة مقامها الرفيع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى