الدرز .. قصة واقعية عن العزلة والأسر

عصمت منصور | فلسطين

انتهى العمل القسرى (السخرة) الذي كانت تفرضه سلطات الاحتلال على الأسرى داخل سجون الاحتلال مع نهاية عقد السبعينيات من القرن الماضي بفضل نضالات الأسرى ورفضهم أن يكونوا جزءًا من ماكينة الإنتاج التي تعمل على إنتاج مسلتزمات جيش الاحتلال (خياطة بدلات وخيام …الخ).

هذه الملحمة التي استمرت عقدا من الزمان ولَّدت آلاف القصص عن البطولة والقهر ومقاومة محاولات استعباد الأسير، إلا أني سأروي حكاية رواها لي أحد الأسرى الذين عايشوا تلك المرحلة، لكونها تتناسب مع أجواء العزلة التي يعيشها العالم وفيها قد نجد الفرق بين عزلتنا وعزلتهم.

كنا في سجن عسقلان، قسم 8، وهو قسم علوي في طابق ثانٍ، نصل إليه عبر درج مظلم وقصير، وأثناء ذهابك وإيابك إلى ساحة السجن (الفورة).

هذا المرور عبر الدرج أعاده إلى تلك الفترة، فقال لي، “بتعرف يا رفيق هاي الطلعة على الدرج، مجرد إنك تطلع وتنزل كم كلفت؟”

حديثه آثار فضولي، فهذه الحركة البسيطة التي لا تتجاوز الخمسة أمتار التي كنا نقطعها يومياً لم تكن لتثير انتباهي، سألته بانتباه: هذه!.

قال نعم، هذه الدرجات تحديداً.

عشر سنوات من العمل بالسخرة، لم نكن نعمل هنا (في هذا القسم) بل في قسم 12 وهو قسم علوي في زاوية جانبية بعيدة عن الأقسام التي كنا نعيش فيها، وكما تعلم لم نكن نخرج فورة ولا نرى الشمس والأهم لم نكن نصعد درجا.

في أحد الايام أضربنا عن العمل وطالبنا أن نتلقى مقابل ما، مثل الخروج إلى الفورة، فما كان من الضابط المسؤول وهو يهودي شرقي حاقد إلا أن قال:

والدرز ( الدرج) أنتم مقابل هذا العمل تصعدون يوميا هذا الدرج.. ألا يكفيكم هذا؟

في تلك اللحظة فقط أدركت لماذا كان زميلي يصعد الدرج كل مرة ببطئ شديد وكأنه لا يريد له أن ينتهي.

لقد كان دون أن ينتبه يبطيء من حركته وكأنه يريد أن يبقي على قيمة الثمن الذي دفعه آلاف الأسرى طوال عقد من العمل القسري داخل السجون لمجرد المرور به.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى