إياكم و زخرف المسكن وقبح السكن

د. أسماء السيد سامح | مصر

تبقى كلّ الأشياء جميلة ما لم تكثر حولها التفاصيل، ويبقى كلّ شعورٍ ذي صدىً ما لم تشوبه المغالاه، لذلك فالجميع تعجبه البدايات لأنها تخلو من زحام المشاهد، وكلّ مشاعرها بكر، لا شيء يتغير في قلب الرجل بعد الزواج، ولا تصاب المرأة بمسٍ من الجنون بعد أول عامٍ من رحلتها الزوجية، إذن فأين الذي كان بينهما قبل الزواج؟! وما الذي حدث بعد الزواج فتغير فيهما كل شيء؟!

ربما سيدهشك أن تعرف أنك لا تحب حين تحب بقلبك فقط، وربما تستنكر أن ثلاثة أرباع مشاعرك منبعها عقلك، ولكن دعك من دهشتك واستنكارك وانتبه معي قليلاً والحديث لكَ ولكِ أيضًا.

مخك هو المحرك الأساسي لكل فعلٍ تفعله ولكل شعورٍ تشعر به أيضًا، إذن فالتركيز هو كلمة السّر التي تصنع الفارق بين الشخص ونفسه في أعين المحيطين به، يظل تركيز الرجل على محبوبته أو خطيبته ما دامت لم تدخل بيته أو تستقر به، يبدع الرجل حيث كان تفكيره، وهو قبل الزواج لا يشغله بعد الدراسة وأداء الخدمة العسكرية سوى أن يخطب ويحصل على فرصة عمل، الخدمة العسكرية والعمل روتين سيؤديهم بلا تفكير، يبقى تفكيره وتركيزه على المرأة التي اختارها لتكون شريكة لحياته، وهنا يبدع الرجل في اهتمامه بها وكم تحب النساء الاهتمام! وخاصة التفاصيل الدقيقة التي تخصها وينشغل بها رأسه مهما يكن ما به، كل تفصيلة تخصها هو يهتم بها وأكثر إذ هي فقط أولى اهتماماته فتصبح طريقة تعبيره؛ الكلام، المفاجآت الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة لساعات يومها، الأسئلة، والتدقيق، وحتى الخناق هو وسيلة من وسائل الخاطب في الاستحواذ على تفكير خطيبته، إلى أن تصبح في بيته، فيهدأ ويسكن ويطمئن أنها صارت باسمه ومن ثمّ ينتقل تركيزه إلى عمله فهناك بيت أصبح هو سيده، هناك فواتير يجب أن تسدد، متطلبات يجب أن تلبّى، وربما هناك أقساط تجهيزات الزواج من شقة وأثاث ومهر وشبكة تستحوذ على ثلاثة أرباع تركيزه، بعد أن كان تركيزه في فترة الخطبة عليها هي فقط، هو لم يتغير يا سيدة نساء الكون، هو فقط اكتمل بوجودك وتغيرت اهتماماته كي يسعدك بطريقة أخرى.

إليك ….
هب أن لديك شجرة، جرب أن تمسك بأحد أفرعها من أعلاه، واربطه بحبل واجذبه إلى الأرض وثبته إلى وتد ما واتركه فرضًا خمسة أعوام، وتعال بعد انقضاء تلك المدة واقطع الحبل ما الذي سيحدث؟!
لن يعود الفرع إلى موضعه الأول مرة أخرى فقد كبر وتصلّد على تلك الوضعية التي أبقيته عليها تلك الأعوام الخمس، وكذلك الدَيْن تدخل عليه غضًا وتخرج منه جافًا وحادًّا ومعوّجا.
لا تكثر من الديون في بداية حياتك الزوجية، فالدَيْن يغيّر السلوك ويجلب الغلظة والفظاظة والأرق، إن معظم النساء بسيطات – وإن لم يكن كلهنّ – ابدأ بسيطًا، ارضَ بتلك البداية، امنح زوجتك ذات الاهتمام والتركيز الذي كنت لتمنحه لها للتفكير في العينيات حولكما، تعجبني فكرة أثاث المساحات الصغيرة، ذلك الركن الذي يصممونه في المحال التجارية الضخمة تحت عنوان -أثاث مصمم لمساحة الـ 55 مترًا- لماذا يبدأ الزوجان حياتهما الزوجية بكل هذا الزحم من الأثاث؟! وكل تلك الديون كذلك؟! غرفة الأطفال التي تأتي قبل أن يهبهما الله الأطفال، فتصبح إمّا فارغة حتى يبلغ الصغير عامين وربما أكثر، وإمّا فارغة وعين الزوجة تملأها الحسرة كلما مرّ عليها يوم بدون حمل وتلك الغرفة فارغة!

إليكِ ⁦…..
اعرفي قدر نفسك وحجم وسعك وحقيقة متطلباتك، لا تتركِي نفسكِ مؤرّقةً بحديثٍ داخليّ تحت مسمياتٍ مغرضة -كقول إحداهنّ إن الاهتمام لا يطلب- أو -كقناعة إحداهنّ أنّ الخاطب أو الزوج لو كان محبًّا لفعل كذا وكذا وكذا- إن كان لا يهتم اطلبي منه الاهتمام وسمِّي له ما يسعدك صراحةً كلّ باسمه، لا تنتظري منه أفعال هي في رأسكِ أنتِ وعلى لسانكِ في شكواكِ هنا وهناك بينما هو لا يعرف عن كل هذا شيء، بعض الرجال -إن لم يكونوا كلهم- يفضلون المباشرة ولسان حالهم دومًا معكِ أو عنكِ حيرة لماذا لا تقول؟! هي لو قالت كنت فعلت، يا جميلتي أيّا كان عمرك أو عمر خطبتك أو عمر زواجك؛ خذيها نصيحة من امرأة لم تدرس العلاقات إلا بالاستماع إلى الناس وعلى اختلاف الروايات أثقلت الخبرة، الرجل يا نونيتي لا يملك خمس تركيزك ولا ثمنه ولا عشره حتى، أعطي للرجل مقصًا كي يقص أظفاره واجلسي إلى جواره وحدثيه في أي شيء، صدقيني لن يرد عليكِ إلا بعد الانتهاء من تقليم كل أظافره، رغم أنه لا يطلب منكِ أن تعيدي عليه ما قلته تجدينه يرد عليكِ بعد انتهائه وكأنّك كنت تتحدثين إليه حالًا، بينما أنتِ تستطيعين الجمع بين عشرات المهام وتفعلينها كلها في آن واحد، دون أن تُقْصي منها شيء، هذا فارق القدرات بينك وبينه يا غالية، فهونًا عند العتب والتأمل، باشري ولا تصمتي، اختاري الوقت المناسب للحديث، هيئي الزوج نظرًا وشمًّا حتى يمنحك مسامعه عن طيب خاطر، تلطفّي في العرض، واصبري على الإعراض، التمسي له العذر ثلاثًا ثمّ باشريه بموقفٍ ينبهه أن هذا الأمر يزعجك، لا تطيلي السكوت ولا تتلبّسي الشكوى، اقتربي واحتوي قدر وسعك، إن وجدتِ منه ما يحزنك لا تصنعي في روحك سنامًا من الوجع باسمه، عبري له بالطريقة التي تريحك، واعلمي أن كل وسيلة لم تريحك كانت بالأساس خاطئة.

أي نونيتي الحياة مراحل وكل مرحلة فيها اختباراتها، كوني على قدر المرحلة بقدر وسعك، وعليكِ سلام.

وأخيرًا لكما:
تخفّفا من أثقال الدنيا وأقبلا على بعضيكما، ودعكما من حسابات الناس وإياكم وزخرف المسكن وقبح السكن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى