شاهد واستمع لنص: أنقذوا أنهار الديك

فكرة: مي الغصين – إعداد وإلقاء: قمر عبد الرحمن

نادت إحداهنّ السجّانة لتخبرها أنّه حان موعدُ الوَضع (لأنهار) آلام شديدة تنتابها، بالكاد تستطيع السّير، لا تجد من يَسنِدُها..
كلّ طريقِها -ظلامٌ رمادي- ومع ذلك لا تتوانى السجّانة عن تقييد يديها وقدميها، أثقال فوق أثقالها، وحِمل فوق حَملها.. تغيب أنهار وتعود بعد فترة قصيرة وبين يديها قمرٌ لا يعرفُ الأفول..

لا أعلم ما الاسم الذي يناسب هذا الطّفل، لكنّي سأفترض أنّ اسمه (سند).. تنقّل (سند) من حضن لآخر تفوح منه رائحةُ الحياة الطّازجة، و(أنهار) تروي للأسيرات ما حدث معها في رحلة ولادتها، وتقول: بقيت مقيّدةً طوالَ فترةِ مكوثي في المستشفى، خفتُ أن أدخل في غيبوبة وألّا أصحو من آثار المخدّر بعد عمليّتي القيصريّة الصّعبة، فيستبدلون طفلي أو يؤذوني!!

استيقظتُ من المخدّر وأنا مقيدةُ اليدين والرّجلين من زوايا السّرير، تناسيت ألم العمليّة القاهر.. فمهما شكوتُ فلن أحصل إلّا على مسكنٍ عادي -حالي كحال مريض السّرطان هنا-
فالظّلم في السّجن عادل؟!..

نظرت حولي أبحث عن طفلي.. فقبل أن يحتويه صدريَ الدّافىء لامسته الأصفاد الباردة، وقبل أن يسمع دقاتِ قلبي.. سمِع همسَ بعضِ العيونِ تقول -مخربٌ صغيرٌ آخر-

سامحني يا طفلي.. يا سندي
أتأمّل وجهه الملائكيّ.. ترفض السّجانة أن تفك قيد يديَّ لأُرضع طفلي.. تكتفي بفك قيد يد واحدة.. أحضنه وأبكي.. لماذا أنت؟ لماذا أنت بالذّات تفتّحت عيناك على قيدٍ باردٍ بيد أمّك؟

لا والد هنا ليؤذن لك، ولا جدّة تمسح على رأسك برقيّة الحنان، أقدامك الطّريّة لن تعرف دغدغة العشب، وطفولتك المنقوصة ستبحث عمن يشبهها فلن تجد سوى ظلِّها، طفولة تَوَقّف بها الزّمن فوق رقعةٍ اسمنتية مغروزٍ بها الكثير الكثير من الأبواب المغلقة..

لا ألوانَ هنا ولا أزهار، لا فراشاتٍ ولا عصافير؛ هنا سجّانة تقطع شريط الأمنيات بكومة مفاتيح تحاول خداع طفلي (سند) بها، توهمه أنّّها لعبةٌ تلاعب بها الاطفال، لكنَّ (سند) لا تنطلي عليه هذه الخدع؛ فهذا الصّوت لا معنى له.. إلّا أنّه حان وقتُ إغلاقِ الأبواب قسرًا.


مستوحى من قصّة (حنين) من كتاب حجر الفسيفساء للكاتبة: مي الغصين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى