بدون مؤاخذة.. داعش ثقافة سائدة

جميل السلحوت | القدس العربية المحتلة

نظرا لقصور مناهجنا الدراسية في مختلف مراحلها، يضاف إليها الجهل المستشري ونسبة الأميّة المرتفعة وأشباه الأمّيين، يضاف إليها أيضا أننا “أمّة اقرأ لا نقرأ”، فإن سياسة”القطيع″ هي السائدة عندنا.

ولبعدنا عن العلوم الشرعية والدنيوية الصحيحة، فإن هناك مفاهيم خاطئة أصبحت هي السائدة، وبعضها يندرج تحت باب الحرام في الدّين، وهناك من لا يتقبّلون من يدافع عن الدّين الصحيح، ظنّا منهم أنّه معادٍ للدّين، وهذا سبب من أسباب انتشار الفكر التكفيري الذي يُكفّر كل من لا يتوافق مع هذا الفكر.

صحيح أن الثقافة العربية الإسلامية سادت العالم في مرحلة زمنية، وبرز منهم علماء في مختلف المجالات، لكنهم توقفوا عن البناء على هذه العلوم منذ القرن الرابع عشر الميلادي، والتقطها الأوروبيون وبنوا عليها حتى وصلوا ما وصلوا إليه.

وهل يعلم العربان أن آخر منتج للثقافة عندهم هو ابن خلدون”1332- 1406م، وهو ليس عربيا؛ بل هو أمازيجي مسلم. وفي القرن العشرين لمع نجم الراحل الدكتور ادوارد سعيد وهو عربي فلسطيني غير مسلم.

وأن العرب بمن فيهم المثقفون عالة على الثقافة الغربية. مع التأكيد أن الإبداع والثقافة بأشكالها ملك للإنسانية جمعاء.

وقد يغضب البعض عندما يقرأ بعضا من تاريخنا الذي لم يتعلمه في المدارس، أو قرأه في غير سياقه الصحيح، فهل نتوقف قليلا عند مقتل الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان – رضي الله عنه – وهو ذو النطاقين لزواجه من اثنتين من بنات الرسول – صلى الله عليه وسلم – وأحد المبشرين بالجنة، وقتلته من الصحابة، وهل يعلم المتأسلمون الجدد أن الحجاج قد رمى الكعبة المشرفة بالمنجنيق، وهدمها على رؤوس المصلين فيها؟ وأنه صلب جثمان عبد الله بن الزبير على سور مكة مشترطا أن ترجوه والدته أسماء بنت أبي بكر – رضي الله عنهم – لأنها حثته على قتال الأمويين ما دام يعتبر نفسه على حق، ولم يسمح بدفنه إلا بعد أن سمعها حرّاس الجثمان تقول وهي في طريقها لصلاة الجمعة ”أما آنَ لهذا الفارس أن يترجّل”؟واعتبر ذلك رجاء منها؟

وهل يعلمون أن يزيد بن معاوية قد داس بقدمه على وجه الحسين بن علي – رضي الله عنهما  – عندما أحضروا له الرأس من كربلاء إلى دمشق، ومعروف أن الحسين سيد شباب الجنة كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام؟

وهل يعلمون أن أوّل من فرض منع التجوّل في العالم هو زياد بن أبيه، وتبعه في ذلك الحجاج بن يوسف الثقفي، صاحب الخطبة المشهورة التي مطلعها:”يا أهل العراق …يا أهل الشّقاق والنّفاق، إنّي لأرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها، وإني لصاحبها”، والرؤوس التي قطعها الحجاج وهدّد بقطعها هي رؤوس مسلمين؟

وهل يعلمون أن الخلافات بين مذهب الإمام أبي حنيفة والإمام الشافعي قد أطاح برؤوس عشرات آلاف المسلمين، وأن الإمامين قد حرّما على أتباعهما الزواج من أتباع المذهب الآخر؟

وهل يعلم من أفتوا بأن قتلى حروب الفتن الداخلية من طرفي الصّراع شهداء، قد أعطوا بهذه الفتوى رخصة لمن بعدهم بالاقتتال الداخلي؟ ونحن إذ نسوق هذه المعلومات إنما من باب التأكيد أن الفكر الدّاعشيّ التكفيري ليس وليد اللحظة، وإنما هي ثقافة موروثة، لم يتم التوقف عندها لمعالجتها.

ودعونا نتساءل عن أسباب إغلاق باب الاجتهاد؟ ولماذا لا يفتح هذا الباب على مصراعيه أمام ذوي العلم لمعالجة القضايا الراهنة التي تواجه الأمّة؟ ولماذا لا يتمّ بناء الإنسان عندنا على أسس صحيحة نفسيا وعلميا ودينيّا؟

ودعونا نستذكر شيئا يُقتدى في عالمنا الإسلامي، فقد استطاع مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا المسلمة السابق خلال عشرين عاما بناء اقتصاد قويّ لبلاده جعلها في مصافّ الدّول المتقدمة من خلال تطوير التعليم في مختلف مراحله، وبنى إنسانا ماليزيا منفتحا ومتعلما، ومسلمو ماليزيا هم من يحمون المعابد والتماثيل البوذية كونها تراثا ماليزيا ومعلما سياحيا في بلادهم، ولم يهدموها كما فعلت حركة طالبان في أفغانستان، ودعونا نتساءل عن دولة أوروبية صغيرة اسمها بلجيكا عدد سكانها ستة ملايين نسمة، ومواردها تعتمد على صيد السمك وتصنيعه وتعليبه، وعلى صناعة الأخشاب من غاباتهم، ويحققون بذلك دخلا يعادل دخل المملكة السعودية أكبر منتج للبترول في العالم، وإسبانيا واحدة من أفقر الدّول الأوروبية تترجم في العام الواحد من اللغات الأخرى إلى الإسبانية ما يعادل الترجمة إلى اللغة العربية من عصر المأمون حتى أيّامنا هذه، أي في أكثر من ألف سنة.

وأن المواطن الفرنسي يطالع في العام ما معدله 280 ساعة، والأمريكي ما معدله 260 ساعة، في حين أن معدّل ما يطالعه المواطن العربي هو ست دقائق في السّنة.

أو ليس من المحزن أن تظهر في بلداننا عشرات الفضائيات التي تدخل بيوتنا مخصصة للخزعبلات وتفسير الأحلام وغيرها، وتنهب أموال الفقراء الذين يتصلون بها من خلال المكالمات الهاتفية الدّوليّة مرتفعة الثّمن؟

واذا كانت العلاقة بين الدّول تقوم على المصالح فهل تساءلنا عن الأسباب التي جعلت بلداننا نهبا للإمبريالية العالميّة وسوقا رائجا لمنتوجاتهم الزراعية والصناعية؟

إن الفارق بيننا وبين الشعوب المتقدّمة فارق علميّ، وفارق في بناء الإنسان. وما يقودنا إلى الاقتتال الدّاخلي وإهدار الثروات، وخدمة الإمبريالية العالمية التي تسعى في أيامنا هذه إلى إعادة تقسيم منطقتنا إلى دول طائفية متناحرة خدمة لمصالحها هو الجهل المستشري بين ظهرانينا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى